الكتاب: حدث ذات مرة في سورية المؤلف: سمير عبده الناشر: منشورات علاءالدين - دمشق 1998 أثرت الاعوام التي مرت على سورية خلال الوحدة والانفصال في الآلية السياسية للمنطقة عموماً، وشكلت لوناً جديداً للعلاقات العربية أعطى نموذج "دولة الوحدة" في التاريخ المعاصر. ومع ان بعض التنظيرات يحاول تناول اخطاء الوحدة لتفسير عمرها القصير، إلا انها بلا شك كانت التجربة الوحيدة التي أتاحت بشكل مباشر تطبيق المشروع العربي. ومعظم الدراسات التي تناولت هذه الفترة كان يسعى الى قراءة الحركة السياسية التي أدت لانهيار الوحدة. وكتاب "حدث ذات مرة في سورية" لسمير عبده لا يخرج عن اطار هذه الابحاث لكنه في الوقت نفسه يقدم توثيقاً مهماً لتلك الفترة من خلال استعراض التكوينات السياسية التي رافقت الجمهورية العربية المتحدة في اقليمها الشمالي. القسم الأول من الكتاب يطرح تطور الفكر الوحدوي منذ عصر النهضة، اذ كانت سورية ومصر مركزين مهمين لحركة التنوير العربية وساهمتا في دفع التيار العربي بقوة. ويستعرض الباحث جملة المشاريع السياسية التي رافقت تطور الوعي في سورية. وكان معظم الافكار المطروحة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية يخدم عملياً مصالح الدولة المنتدبة. ولم يظهر الى الوجود من هذه المشاريع كافة سوى الجامعة العربية التي اعتبرها المؤلف فكرة بريطانية. وكان المجتمع السوري خلال النصف الأول من هذا القرن يعاني من فقدان دوره التجاري. كما أثر انهيار مشروع النهضة وخضوع المنطقة للانتدابات وبروز المشروع الصهيوني في تعميق مفهوم القومية عند البعض. بينما اتجهت فئات اخرى للبحث في الايديولوجيات الناشطة مع انتصار الاتحاد السوفياتي، وفضلت فئة ثالثة البحث في التراث والماضي عن حلول لمآزق الحاضر، والمجموعة الرابعة والأخيرة انكفأت باتجاه المحيط القطري أو الطائفي لتحمي مصالحها. وشكلت هذه التوجهات أحزاباً سياسية برز تنافسها بعد الاستقلال ليجعل من سورية مجال صراع عربي ودولي. وخلال الخمسينات كانت المشاريع السياسية التي أفرزتها الحرب الباردة تحاول فرض وجودها في شرقي المتوسط، وأثر هذا الأمر في مجمل العلاقات العربية فخلق استقطابات حادة حاصرت السياسة السورية. وفتحت الباب واسعاً للتفكير بمشروع يضمن استقرارية القرار السياسي وحرية التحرك في ظل الظروف الدولية والاقليمية. وكان لثورة تموز 1952 في مصر وطروحات الرئيس جمال عبدالناصر العربية دورها في تفعيل الاتجاه الوحدوي. وفي الوقت نفسه كانت الاحزاب ذات الايديولوجيات القومية بدأت منذ أواسط الخمسينات تحتل الساحة على حساب الأحزاب التقليدية. ويجد الكاتب في نهاية القسم الأول ان هذه الظروف أثرت في عمليات الوحدة، واتسمت المفاوضات السورية - المصرية بأنها تمت بوقف قصير جداً وجاءت بمبادرة سورية، وتمت في ظروف سياسية سورية حرجة جداً. وأخيراً تطورت في بيئة عربية معادية، اذ نظر اليها على انها تمثل خطراً على بعض الأنظمة العربية. وكانت العلاقة مع مصر مجال مناورات كثيرة للقوى السياسية السورية بينما كان عبدالناصر يتخوف من الجيش اذا ما أعلنت الوحدة. لكن الأمور كانت تسير نحو حسم الخلافات، خصوصاً بعد قرار اعضاء مجلسي الأمة السوري والمصري المتخذ في الجلسة المشتركة 18/11/1957 والذي أظهر رغبة الشعبين في قيام اتحاد فيديرالي. يتناول القسم الثاني من الكتاب التشكيل السياسي لدولة الوحدة يتحدث عن الوزارة الأولى التي ألفت وضمت أربعة نواب لرئيس الجمهورية اضافة لثلاثين وزيراً "ثمانية عشر من الاقليم المصري" واثني عشر من الاقليم السوري. وبعد فترة ظهرت وزارة جديدة ضمت خمسين وزيراً، منهم أربعة عشر مصرياً وسبعة سوريين للوزارة المركزية. وأصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراراً في 17/10/1959 بندب المشير عبدالحكيم عامر للإشراف على شؤون الاقليم السوري ونيابة عنه. ولم يمر سوى شهر واحد وعشرة أيام على تكليف المشير حتى استقال الوزراء البعثيون من المجلس التنفيذي والوزارة المركزية بمن فيهم نائب رئيس الجمهورية اكرم الحوراني. وفي 30 ايلول أصدر الرئيس قراراً بتعيين عبدالحميد السراج رئيساً للمجلس التنفيذي ووزيراً للدولة بالاضافة الى منصبه كوزير داخلية بالاقليم الشمالي. وكانت الأزمات السياسية المتعاقبة نتيجة التعديلات السياسية تتفاقم. ويطرح الكاتب مواقف الاحزاب السياسية وتصادمها مع عمليات القمع التي مارسها السراج. وأدت في النهاية الى استقالة وزراء الاقليم الشمالي من البعثيين وسبقتها استقالة قائد الجيش الأول الفريق عفيف بزري. خلال فترة الوحدة كانت العلاقات السورية - العربية متأزمة نتيجة التناقض مع الانظمة القائمة، فقد جاءت الجمهورية العربية المتحدة لتعاكس مشروع نوري السعيد في العراق والمشروع الهاشمي في الأردن. وركزت الدعايات السياسية على ان ما حصل هو ابتلاع من دولة كبيرة مصر لسورية. وباستثناء العلاقة مع اليمن فإن التوتر في العالم العربي كان على أشده واستغلت اسرائيل هذا الوضع لتحقيق أطماعها في مياه الأردن. وفي تقييم تجربة الوحدة يقدم الباحث أربعة اتجاهات: يركز الأول على اختلاف مراحل التطور بين مصر وسورية ما أدى الى خلق تناقضات حادة أثناء تطبيق الوحدة. ويشير الثاني الى الضغوط الخارجية ومحاولات القوى المعادية لضرب هذه التجربة، ويحمل الاتجاه الثالث أخطاء نظام الحكم مثل المركزية الشديدة وعدم اقامة مؤسسات مسؤولية قيام الانفصال، والاتجاه الرابع يركز على الطريقة التي قامت بها الوحدة بشكل سريع من دون إعداد مسبق، فخضعت لتأثيرات عاطفية مؤقتة من دون التركيز على دراسة واقع الدولتين لايجاد صيغ وحدوية قوية. يقدم الباحث في القسم الثالث من الكتاب الأحداث السياسية المتسارعة خلال مخاض الانفصال. معتبراً ان ما جرى كان حركة دمشقية بالدرجة الأولى. ولكن الحكومة التي اعقبت الانفصال لم تكن قادرة على قيادة البلاد بعد تجربة سياسية عميقة. وما بين 1961 و1963 شهدت سورية تقلبات داخلية كثيرة أظهرت عجز اشكال السياسة التقليدية عن قيادة البلاد. وكانت ثورة آذار 1963 هي نهاية حكومات الانفصال التي لم تستطع الاستفادة من تجربة الوحدة. وهكذا بدأ عهد جديد في سورية تختلف سماته عن المراحل السابقة.