السواحه يناقش تعزيز الشراكة في تقنيات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي    انطلاق أضخم الفعاليات الدولية في صناعة الضيافة بمشاركة رواد القطاع بالمملكة    النهائي يتجدد بين ألكاراز وسينر في "Six Kings Slam الرياض 2025"    وزيرة الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية اتفاق شرم الشيخ    المديفر: المملكة حققت خطوات كبيرة في نهضة قطاع التعدين    الاتحاد السعودي لكرة القدم أفضل اتحاد وطني في آسيا    ترامب: سألتقي «على الأرجح» ببوتين خلال أسبوعين    موجة قصف إسرائيلية واسعة على جنوب لبنان    الأسهم الاستثمارية تغري الآباء للاستثمار لأبنائهم    الذهب يبلغ مستوى قياسيا عند 4316.99 دولار للأوقية    الهلال بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    «سلمان للإغاثة» يوزّع (560) حقيبة إيوائية للنازحين من محافظة السويداء إلى محافظة درعا    القبض على (3) إثيوبيين في جازان لتهريبهم (54) كجم "قات"    الأمير عبدالعزيز الفيصل يترأس اجتماع مجلس أمناء مؤسسة الحلم الآسيوي بالرياض    مجمع الملك سلمان يكرّم 12 فائزًا من 10 دول في مسابقة حَرْف    آل الشيخ ل"الوطن": المملكة تسعى لنشر الإسلام الوسطي المعتدل في شتى أنحاء العالم    نائب وزير الخارجية يلتقي في روما بمستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية    جمعية الكشافة تطلق حملة "اقتداء وعطاء" للتبرع بالدم    تونس تواجه البرازيل وديا الشهر المقبل    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    جمعية ريف تحتفي باليوم العالمي للمرأة الريفية وتؤكد دورها في التنمية المستدامة    زينهو مع الرائد.. تجربة جديدة في دوري يلو    14 عالماً من جامعة الفيصل ضمن قائمة ستانفورد لأفضل 2% من علماء العالم    جمعية الثقافة والفنون بجدة تكرم الفوتوغرافية ريم الفيصل    بلاي سينما تطلق أول سينما اقتصادية سعودية بجودة عالية    إنقاذ حياة مريضة بتركيب صمام رئوي عبر القسطرة بدون جراحة    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 167 حافظًا لكتاب الله    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًا احتفاءً بعام الحرف اليدوية 2025    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرعى لقاء وزير التعليم بأهالي منطقة جازان    مائة معلم سعودي يشرعون في دراستهم بالصين لاستكمال برنامج ماجستير تعليم اللغة الصينية    وزير ا الصحة السعودي و المصري يبحثان تعزيز التعاون الصحي المشترك وتوطين الصناعات الدوائية    نيابةً عن محافظ الطائف.. "البقمي" يفتتح المؤتمر الدولي السابع لجراحة الأطفال    رئيس "أرامكو" : أزمة نفط عالمية وشيكة بسبب نقص الاستثمار    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    نيابة عن سمو محافظ الطائف وكيل المحافظة يطلق المؤتمر الدولي السابع لجراحة الأطفال    فريق إرم التطوعي يوقع اتفاقية تعاون مع جمعية براً بوالدتي بمكة    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    بوتين للشرع: حريصون على استقرار سوريا.. تعاون ومشاريع شراكة بين موسكو ودمشق    الأخضر.. تأهل مستحق لكأس العالم    حرس الحدود بمنطقة مكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر    الفيلم السعودي «هجرة» يعبر إلى الأوسكار    موسم الرياض يطرح تذاكر «النداء الأخير»    المرور السعودي: 6 اشتراطات لسير الشاحنات على الطرق    وزارة الشؤون الإسلامية تفتتح المسابقة الدولية الثانية لتلاوة القرآن الكريم وحفظه في كازاخستان بمشاركة 21 دولة    السند يرأس الجلسة الخامسة لملتقى "مآثر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله- وجهوده في المسجد النبوي"    760 مدرسة تحصد مستوى التميز وتعيد صياغة الجودة    الأرصاد: مؤشرات لتكون حالة مدارية في بحر العرب    تداول يرتفع 86 نقطة    أنف اسكتلندي.. حبة بطاطا    البرد يرفع مستويات السكرفي الدم    جدل متصاعد بين تل أبيب وغزة حول مصداقية تبادل الأسرى والمحتجزين    تحركات أوكرانية في واشنطن ومساع جديدة لتأمين تسليح متقدم    أمير المدينة يرعى ملتقى مآثر عبدالعزيز بن صالح    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"المشكينو" في دوامة الهلاك القدري... النهاية دائماً هي الموت !
نشر في الحياة يوم 30 - 03 - 1998


الكتاب: في ظلال المشكينو قصص
المؤلف: أحمد خلف
الناشر: دار أزمنة - عمّان 1997.
"المشكينو" في اللغة السومرية، بصفة الجمع، تعني طبقة المعوزين والمسحوقين، ولعل لفظة "مسكين" العربية مشتقة منها. اما "المشكينو" هنا فهو اسم بلدة البطل التي يعود اليها بعد زمن من الغياب، وفي زمن حرب لا تُسمى ولا تذكر الا مرة واحدة: "الحرب جاءت وانتهى كل شيء". ويبدواستخدام كلمة المشكينو استدعاء للتاريخ بقصد الاشارة الى الجغرافيا "ام الى التاريخ المتجدد!" لتسمية بلدة تنهمك في حرب تستفيق فيها الجرذان والصراصير ودود الأرض والكلاب السائبة و"رواة الحكايات المنعوتون بالشهود الأزليين" والجموع من الناس الذين كالظلال يتدافعون مذعورين يجرون وراءهم ذعرهم وفزعهم لائذين بحكمة الأولين "أنج سعد فقد هلك سعيد". الا انهم على رغم ذعرهم الصاعق يلوذون بالصمت عن السؤال الحائر: "لماذا جرى هذا كله؟" حتى لتبدو البلدة كأنها مدينة التماثيل النحاسية.
وعلى رغم ان بطل قصة "في ظلال المشكينو" يعود الى بلدته بحثاً عن أسرته فإنه يعجز عن العثور على البيت أو التفاهم مع أحد للسؤال عنه، والرجل الوحيد الذي استطاع ان يتحدث معه كان مأخوذاً بما جرى ولا يملك تفسيراً له سوى تكرار: "الحرب جاءت وانتهى كل شيء".
ويبدو ان الأدب العراقي - وبخاصة الرواية والقصة - عبر مرحلة ما قبل حرب الخليج ليدخل مرحلة ما بعد هذه الحرب حيث تستحيل تقريباً كتابة نص أدبي لا علاقة له بها وبتأثيراتها التي طبعت كل ملمح من ملامح الحياة، بل الوجود والمصير الفردي والجمعي والاعتباري والكياني.
تطغى الوحشة على اجواء قصص المجموعة، وحشة الذعر والموت الضياع ومواجهة لحظات التهديد بالفناء. وجميع أبطال القصص يهلكون بطرق وحشية مبتكرة.
ففي خمس قصص من سبع يهاجم المدن غرباء يعيثون فيها قتلاً وتذبيحاً وتدميراً. وفي قصة "بئر الآبار" يدفن الناس أنفسهم في قبور جماعية وهم يحفرون آباراً للتعويض عن جفاف مياه النهر، كل أسرة تحفر قبرها وتهبط اليه وتستقر فيه هرباً من طغيان الفاقة والجوع "متكاتفين في ما بينهم بتآلف مؤزر بارادة نصف ميتة"، وفي الآبار يعتادون الحياة من دون احتجاج "وبلا رحمة كان الذل ينوشهم ويغزو أرواحهم دون استثناء أحد، معرضين قلوبهم الرقيقة الهشة سريعة العطب الى اجتياح الدناءة لتتمرغ في وحلها جباههم وعيونهم، وبلا رحمة ولا شفقة كانوا يتهالكون تحت أقدام بعضهم".
ثم هم "يلتهمون قلوبهم المتكسرة في وجبات أحلامهم ولم تعد عتمة المكان الا ستراً كثيفاً لهم". ولا تلبث ان تطغى رائحة الموت على الآبار، أما الأحياء فيرددون النواح الثقيل وهم يدركون الاَّ مفر لهم من المصير القادم اليهم.
في ما عدا قصة "لعبة الشطرنج" وهي قصة ذات سياق واقعي وبناء حدثي وقائعي، فإن جميع القصص الأخرى ذات أبنية انفجارية كابوسية. في واقع الحال فإن السرد لدى أحمد خلف هو سرد هذياني تلعب فيه الصورة المشهدية المتسارعة والمتغيرة الدور الأساسي في رسم حركة الشخوص، بل وتحتم تطور الأحداث أو انتقالها في الزمان والمكان.
معظم القصص تدور في الحرب، في بؤرتها الحارقة. لكن الكاتب يضع أمام مسرحها ستارة شفافة تعرض حروباً قديمة واخرى من الذاكرة ورواسب حكايات وحواديث. هل من اجل تمويه الزمان والمكان؟ أم انه ارتكاس شعوري بفعل الاحباط وضياع الأمل؟ ذلك ان الرؤية الواقعية كثيراً ما تعجز عن التعامل مع الوقائع للتعبير عن وقعها في الذات الفردية والجمعية.
في قصة "أولاد غرباء" تبدو البلدة نهباً للضواري والجوارح والكلاب، وميداناً للأولاد الغرباء والبدو الملثمين. الأولاد الغرباء يطلقون النار على المدينة بمرح وكأنهم يلعبون، والبدو يحزون الرقاب ويضحكون لسماعهم أصداء حزّ السيف للأعناق. وأشباح تتبعها حشود الرجال والخيول تسحق بحوافرها البساتين. وحين تطلق النار على البطل في النهاية يفكر: اننا سنموت جميعاً ولا مفر من المصير المحتوم". ويواصل وعيه بموته ويتخيل أباه يكتب على قبره العبارات المألوفة وأمه تبكي، ويفكر بأن هؤلاء الغرباء سينتزعون الكتابة عن شاهد قبره ليضيع بين مئات القبور.
وجميع الأبطال يستسلمون لموتهم كقدر لا مفر منه. فبطل "في ظلال المشكينو" يرى الأشباح أو رجالاً كالأشباح، يواصلون حفر الأرض ويدفعون الى الحفر أناساً أحياء ويهيلون عليهم التراب. ثم يعاودون حفر قبور أخرى… وتنتهي القصة والأشباح تتجه نحوه وتحيط به فلا يملك مقاومة. وكذلك يفعل سكان مدينة الآبار.
وفي قصة "كابوس عصري" تهب عاصفة هوجاء على البلدة، ويداهم رجال بيت البطل، يسحبونه ويشتمونه ويلطمون أمه ويحاولون اغتصاب أخته ثم يعتقلونه ويضعونه في صندوق ويقفلون عليه وينقلونه الى ساحة البلدة حيث تملأ رائحة الجثث الفضاء. وحين يحتج بالدق على جدران الصندوق يرد عليه صوت: "تلك هي العزلة المفتقدة يا دودة، ستراها وتتلمسها على مهل". وفي الصندوق يرى ويتخيل ويستعيد أحداثاً تمرّ بالبلدة: حروب ومعارك، خيول وجمال، رصاص ومنجنيق ودماء. أناس يفرون وغرباء يفتكون بهم. ثم يعود ليرى من ثقب يصنعه بجدار الصندوق خلقاً كثيراً وباشا وعساكر وسيّافاً وفتى مقيداً يشبهه تماماً يحكمون عليه بالموت فلا يحتج ولا يرد التهم عن نفسه فيقطع السيّاف عنقه، فيهتاج الجمعپوالبطل سعيد بعزلته في الصندوق. لكنهم سرعان ما يوثقون الصندوق الى حجر ويلقون به في النهر فيدرك انه سيموت: "فيتوسد خاطره وينام بهدوء".
ويوسف يُقتل في قصة "اخوة يوسف". يحزّ البدوي رقبته ويفصلها عن جسده: "وكانت الكلاب تحيط بنا وتصنع حولنا دائرة ضيقة، تلك هي حيوانات البلدة آوت الى وليمتها جائعة".
ان هذا الخلط بين علامات الأزمان، وتمويه علامات الأمكنة واطلاقها في فضاءات تعميمية: براري، صحاري، بلدات نمطية لا هوية لها… مسعى الى تمييع الحدود بين الدول لاطلاق حركة الشخوص وعلاقاتها في خضم فوضى انفعالية خارجة على السياقات البنائية والسردية، بما فيها تلك التي يبتدئ الكاتب قصصه وفقها. ثم سرعان ما يتجاوزها ويطيح بها، اما ضيقاً بحدودها أو عجزاً عن الايفاء بمتطلبات وقائعيتها.
والقصة الوحيدة المختلفة في بنائها هي "لعبة الشطرنج"، فالسرد هنا واقعي والبناء درامي يتصاعد نحو ذروة الحدث المتوقع بدلالة العلاقة التي شكلت نابض الخط الدرامي للقصة.
الباشا والمؤرخ يلعبان الشطرنج، والرهان رأس المؤرخ أو منحه الوزارة: "اذا غلبتني وفزت بالرهان أطلقت يدك في مملكتي، بل سأستوزرك وستكون احدى ضياعنا هدية لمقامكم"، يقول له الباشا قبل ان يشتمه. فالاثنان تربيا معاً، والمؤرخ ابن لرئيس خدم السلطان والد الباشا، لكنه اليوم يكون قد ألف كتاباً حول أسرة الباشا يتضمن اساءات لا تغتفر.
"اما اذا خسرت فالثمن رأسك".
وتطول المباراة الليلة بأكملها، وأفراد الحاشية يتحرقون قلقاً خشية ان يجدوا انفسهم تحت سلطة المؤرخ اذا فاز في اللعبة، ويقررون من دون ان يفصحوا ان يفتكوا به اذا ما حصل ذلك. ويفوز المؤرخ ويقرر الباشا الايفاء بوعده، ومن أجل تكريمه يدعى الى المشاركة في احد الطقوس الحميمة للحاشية: السباحة وفي المسبح يتجمعون عليه ويغرقونه.
وتبدو هذه القصة غريبة وسط قصص المجموعة الخمس الأخرى، في بنائها وأسلوب سردها، وفي أجوائها في الأساس: القصر مقابل المدن المنتهكة والبراري التي يصول فيها القتلة الغرباء والبدو والضواري. الباشا والحاشية مقابل الناس المذعورين الجائعين والمهانين المعرضين لحزّ الرقاب وولائم الكلاب. الرفاهية المعجزة مقابل التفسخ وروائح الموت…
الا ان القصة تظل تشترك مع القصص الأخرى في نهاية البطل: الموت. ففي النهاية واينما كانت ساحاتها، فالحرب هي الحرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.