بأرقام وتقنيات جديدة.. نجاح تمرين "استجابة 18" في مكافحة تلوث البيئة البحرية والساحلية    «إرادة الدمام» يدشّن فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية بمشاركة واسعة في الخبر    جامعة الإمام عبدالرحمن توقع مذكرة تفاهم مع جمعية "اعتدال" لحفظ النعمة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الولايات المتحدة تعيّن ستيفن فاجن قائدًا مدنيًا لمركز التنسيق بشأن غزة    دراسة: العمل في فترة النوبات الليلية قد يؤدي إلى الإصابة بالقولون العصبي    بنزيما: الهلال فريق صعب... حاولنا لكن لم نتمكن من التسجيل    ثيو هيرنانديز سعيد بفوز الهلال في «كلاسيكو السعودية»    إيطاليا تحتكر نحو (70%) من إنتاج الاتحاد الأوروبي للمعكرونة    الأخضر تحت 16 عاماً يواصل تدريباته استعداداً لبطولة غرب آسيا في الأردن    رصد مذنب «لِيمون» في سماء منطقة الحدود الشمالية    "إدارة نادي النجمة".. تصريح اللاعب علي جاسم جاء نتيجة سوء تقدير في التعبير    العلا يتغلّب على الاتحاد في قمة الجولة الخامسة من الدوري السعودي لكرة السلة    جمعية المانجو بجازان تؤكد دعمها للتنمية الزراعية المستدامة في ملتقى "جازان الخضراء"    ناصر الدوسري يوضح أسباب تألقه مع إنزاغي    إنزاغي: كنا نستطيع تسجيل المزيد من الأهداف    كونسيساو: ما حدث أمام الهلال لا يمكن تحمله    «سلمان للإغاثة» يوزّع (1,100) من المواد الإيوائية المتنوعة في الصومال    المملكة تُسهم في إحباط محاولة تهريب (25) كجم "كوكايين" بماليزيا    وزارة الداخلية تحتفي بمرور 100 عام على تأسيس الدفاع المدني.. الثلاثاء المقبل    وزير الاقتصاد والتخطيط يعقد اجتماعاً مع المستشار الاقتصادي والمالي الألماني    نادي ثقات الثقافي يتألق (باأمسية أدبية مدينية ) بالتعاون مع الشريك الأدبي    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    توطين سلاسل الإمداد        السوق السعودي يترقب مسار السيولة    طبيب سعودي يحقق جائزة التميز في زراعة الكبد    ولي العهد يعزي هاتفيًا رئيس وزراء الكويت في وفاة الشيخ علي الصباح    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أنظمة الدفاع الجوي الروسية تسقط 3 مسيرات متجهة إلى موسكو    الرئيس الموريتاني يصل جدة لأداء مناسك العمرة    رابطةُ العالم الإسلامي تُشيد بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    مسابقة "كأس فرسان علم السموم العرب" تنطلق اليوم    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    مطار الملك سلمان الدولي يوقّع شراكة استراتيجية مع منتدى TOURISE 2025 لدعم السياحة المستدامة    صقّار يطرح أول شاهين في حياته ويبيعه ب(193) ألف ريال    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    163 ألف ريال لصقرين في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    المملكة توقع اتفاقية دولية للإنذار المبكر من العواصف    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصحى والعامية ... صراع حضاري
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 1998

لا شك في ان العامية وليدة عصور الانحطاط وقيمه المتخلفة، ولذلك فهي قادرة على التعبير عن افرازات مراحل الانهيار الحضاري. وفي الوقت نفسه، تظل الفصحى متألقة بعيدة عن متناول المنتمين الى الانهيار وقيمه، لأنها اي تلك اللغة الفصيحة تعبير عن قمة التطور الحضاري العربي الذي توقف في نقطة من نقاط التاريخ.
اللغة العربية، وأعني بها اللغة الفصيحة، كوّنها انسان طامح نحو آفاق التطور والتقدم. فكل النصوص التي بين ايدينا، والتي حفظ المعجم اللغوي التراثي بعضها، وحفظ التراث الأدبي والعلمي بعضها الآخر، أبدعها الانسان العربي منذ نقطة من نقاط التاريخ، تشكل البداية المعروفة للتطور الذي حققه ذلك الانسان. وليس من الغريب ان تكون بداية النصوص العربية الفصيحة الموروثة تعود الى ما يقرب من قرنين من الزمان قبل ظهور الاسلام، وانها استمرت الى حوالى اواخر القرن الخامس للهجرة. ثم توقفت بظهور آثار الدويلات غير العربية التي استولت على السلطة في ديار العرب آنذاك.
فالانسان العربي في توقه للتطور، حمل معه لغته وطورها وأغناها وأثراها بمعاناته فكانت خير معين له على الوقوف امام الأقوام الاخرى وما تحمله معها من تراث في الفكر والفلسفة والأدب وغيرها من ميادين الحضارة التي لم يكن للعرب عهد بها بعد انطلاقهم من جزيرتهم العربية نحو تخوم العراق والشام وشمال افريقية والأندلس.
بدأت اللغة، اذن، في تلك النقطة من التاريخ، بالنمو والازدهار، لأن الانسان الذي تعامل معها كان انساناً يسعى الى التطور والازدهار، وله طموحه الذي لا تحده الحدود، والذي اخذ نفسه بالجد والكد والعناء من اجل العلم والتقدم، فتألقت به وتألق بها، وبها اظهر احلى ما عنده، وقدم ملايين النصوص في الأدب والعلم وسائر ميادين الفكر.
وفي تلك المراحل المتوقدة من تاريخنا، نجد العرب، علماءهم وعامتهم، حريصين اشد ما يكون الحرص على لغتهم، ولا يسمحون لأي كان بأن يخطئ فيها، او يسيء اليها، فكأنها كائن له قدسيته التي لا تمس.
يروون ان عمر بن عبدالعزيز كان يستمع الى هشام بن عبدالملك يلقي خطبة، فقرأ هشام الآية "يا ليتها كانت القاضية" بضم التاء من "يا ليتها" فقال له عمر بن عبدالعزيز: عليك وأراحنا الله منك.
ويروون ان احدهم لحن امام الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "قوّموا اخاكم فقد ضلّ". فجعل اللحن اللغوي أي الخطأ اللغوي ضلالا.
ولا عجب في ذلك، فلقد كانت اللغة منصهرة بهذا الانسان المتعلق بقيم التقدم والتطور. واستمرت معه متنقلة ما بين البوادي الى الحواضر فالى العواصم الكبيرة شرقاً وغرباً. بها عبّر المتنبي عن عظمته وعظمة تاريخه، وبها أظهر المعري خلاصة فكره وتجربته، وبها طور ابن سينا الطب وعلومه... وآلاف غيرهم.
ثم استولى الأعاجم على السلطة، فتركوا آثارهم التي بدأت تظهر على ألسنة الناس رويداً رويدا، فلما آذن القرن الخامس بالذبول، بدأت العامية بالظهور هنا وهناك وهنالك.
اللغة العربية بقيت في القمة التي وصلت اليها، على يد المتنبي وأمثاله من المبدعين. اما الانسان فلم يعد هو المتنبي ولا المعري ولا ابن سينا... لقد انحدر ذلك الانسان عن مستوى التألق، اي عن المستوى الذي وصلت اليه اللغة. وبمرور الأيام والشهور والسنين المتطاولة تحت غبار الانكفاء والانهزام، قلت الحاجات اللغوية للناس، وبرزت لهجات يعبرون بها عن حاجاتهم المحدودة التي لا طموح فيها للرقي والتقدم. فكانت العاميات التي اخذت تتناسل وتتوالد الى مطالع العصر الحديث، ونلاحظ انه كلما ازداد عدد المتعلمين اتسعت مساحة الفصحى، وكثر استعمالها، كما تطورت فكرة تفصيح العامية.
في هذا العصر الحديث، استفاق الناس على واقعهم الساكن المتخلف، وحاولوا اللحاق بركب العالم المتمدن، فبدأت اللغة الفصحى تستعيد شيئاً من شبابها وقوتها وعنفوانها. غير ان التقدم الحضاري لا يحدث بين عشية وضحاها، لذا ظلت العاميات تستعمل في اكثر من ميدان، شعبي ورسمي، او قل بتشجيع رسمي في كثير من الاحيان، بعد ان عجز الاحتلال الاجنبي عن فرض لغته، كما حدث في الجزائر وغيرها. وكان السبب الأساس في مواصلة العاميات انها اكثر من الفصحى قدرة على التعبير عن مراحل الانحطاط وقيمه، لأنها وليدة الانحطاط، ووليدة قيمه المتخلفة. اما الفصحى فوليدة عصور التألق والازدهار... وليس، بالضرورة، ان يكون جميع الناس مؤهلين للعيش في قيم التألق والازدهار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.