صندوق الاستثمارات يوقع مذكرة تفاهم مع ماكواري لتعزيز الاستثمار في قطاعات رئيسية بالسعودية    وزراء خارجية اللجنة العربية الإسلامية بشأن غزة يعربون عن رفضهم لتصريحات إسرائيل بشأن تهجير الشعب الفلسطيني    إسبانيا تُعلن تسعة إجراءات تهدف لوقف "الإبادة في غزة"    توقعات الأرصاد لخريف 2025م: أمطار غزيرة ودرجات حرارة أعلى من المعدل    أمانة الشرقية تفعل اليوم الدولي للعمل الخيري بمشاركة عدد من الجمعيات    مستشفى القطيف المركزي يطلق فعاليات اليوم العالمي للعلاج الطبيعي    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    جمعية حرف التعليمية تنفذ فعالية الرصد الفلكي للخسوف الكلي للقمر بجازان    نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025    المرور يحذر من سحب أو حمل أشياء عبر الدراجات    مراقبون توقّعوا أن تكون الزيارة أهم حدث دبلوماسي في 2025 ترمب يدعو ولي العهد إلى زيارة واشنطن.. نوفمبر القادم    الأميرة أضواء بنت فهد تتسلم جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز «امتنان» للعمل الاجتماعي    حين يتحدث النص    بنجلادش تكافح موجة متصاعدة من حمى الضنك وحمى شيكونجونيا    جامعة حائل تحقق إنجازًا علميًا جديدًا    ارتفاع أسعار النفط    مشروعات وجسر بري إغاثي سعودي لسورية    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء تايلند    «مؤتمر الاستثمار الثقافي».. الوصول للاستدامة    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    الأخضر السعودي يختتم استعداده لمواجهة التشيك    في مهرجان ولي العهد.. تألق سعودي في سباق الهجانة للرجال والسيدات    بعد أول خسارة في التصفيات.. ناغلسمان يعد بتغييرات على تشكيلة ألمانيا    قبل خوض جولة جديدة من التصفيات.. ماذا تحتاج مصر وتونس والجزائر للتأهل إلى كأس العالم؟    التعاونيون لن ينسوا خماسية النصر    مدافعون لا يقودون أنفسهم    استعداداً لكأس العالم .. الأخضر تحت 20 عاماً يكمل جاهزيته لمواجهة تشيلي    إطلاق جائزة "مدن" للتميز.. تعزيز الابتكار والاستدامة في الصناعات السعودية    التجارة: «تطبيق بلاغ» يحمي المستهلكين    "موانئ" تحقق ارتفاعًا بنسبة 9.52% في مُناولة الحاويات خلال أغسطس 2025    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    مهربو القات المخدر في قبضة الأمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    «تواصل» تنهي إجراءات الجوازات إلكترونياً    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    النسور.. حماة البيئة    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    السمكة العملاقة    أمريكي يصطاد ابنته بدلاً من «الطائر»    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    شرطة لندن تضبط «نصابة» المواصلات    إجراءات عراقية حاسمة ضد مهددي الأمن    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    «الصحة» تستكمل فحص الطلاب المستجدين    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    وفدٌ من كلية القيادة والأركان للخدمات الدفاعية البنغلادشية يزور "التحالف الإسلامي"    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 28 ألف جولة رقابية على الجوامع والمساجد    خسوف طويل يلون القمر باللون الأحمر ويشاهده أكثر من 7 مليارات نسمة    عشرات الجهات والخبراء يناقشون مستقبل المزارع الوقفية بالمدينة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    أمير القصيم يستقبل سفير كندا لدى المملكة    حين تتحول المواساة إلى مأساة    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوطان الأهل تقاليد وأخلاقيات وبقايا حنين . طلاب عرب في استراليا يحاولون يومياً تجاوز العنصرية للعيش في الوطن البديل
نشر في الحياة يوم 10 - 11 - 1998

التمييز العنصري في استراليا يتنامى اثر اتساع رقعة حزب "أمة واحدة" برئاسة النائبة في البرلمان الاسترالي بولين هانسون وتصريحات أحد مرشحي هذا الحزب روس بروفيس: "لدينا شاحنات من الأسلحة والقدرة على تأليف جيش قوامه عشرات الآلاف في غضون أسبوع، ولدينا أسلحة ومعدات أفضل من تلك التي يملكها الجيش الاسترالي". وكذلك تصريح مماثل لرئيس الجماعة اليمينية المتطرفة ميليشيا كشافة الحرية إيان ميرفي. وأظهر استطلاع اجرته أخيراً وكالة نيلسن أن حزب هانسون العنصري سيحصل على 53 في المئة من أصوات الناخبين بعدما برر جون هاورد رئيس الوزراء مشروع هذا الحزب بشعار "حرية التعبير" غاضاً النظر عن الافكار المدمرة والمتناقضة مع التعددية الحضارية التي رفعتها الحكومات المتعاقبة منذ الخمسينات شعاراً.
الطلاب العرب ليسوا في منأى، فهم أساساً ينظر اليهم بعين عنصرية. والطلاب العرب الذين التقيناهم في مختلف جامعات سيدني، ربما اختلفوا في تخصصاتهم، لكنهم من دون استثناء أجمعوا على أنهم يعانون من العنصرية:
الطالبة ميشيل خضر شاه لبنانية متخصصة في اللغات والشؤون الاجتماعية، انتسابها الى الجامعة كان بهدف معرفة اللغة العربية "هذا المنتج الغني بالحضارات" الذي يمكّنها من مساعدة المهاجر العربي وصوغ خطابه بشكل معرفي عميق يتلاءم مع الحضارة التي ينتمي اليها. تقول: "صارت علاقتي بالمهاجرين أكثر من مجرد علاقة مترجم، ما جعلني أستشف أشياءهم الحميمة والخاصة جداً دون وسيط قد يأخذ في معظم الاحيان صفة الرقيب".
الطالب نوزات صالح عراقي متخصص في العلوم الطبيعية يقول: "اخترت هذه المادة لأنها تخولني الدخول الى مجالات مختلفة، كالصيدلة والطب والهندسة، واعتقد ان ذلك سببه حبي لجميع هذه العلوم والثقافات التي لو خيرت ان أكون أكثر من شخص واحد لاخترتها كلها".
الطالبة يافا يتيم فلسطينية متخصصة في السياسة والاعلام، تقول انها لم تختر هذا النوع من الدراسة إلا لشعورها العميق "بأن الصراع الدائر بين العرب واسرائيل فيه الكثير من الظلم بحق العرب عموماً والفلسطينيين بوجه خاص، وأريد أن أفضح الأكاذيب الاسرائيلية من فكرة الأرض الموعودة الى فكرة السلام القائم على حساب العرب أرضاً وطاقات قومية".
الطالبة آمال مكي لبنانية متخصصة في العلوم الطبيعية تقول: "أعتقد ان هذه المادة هي قاعدة الحياة الأولى، ولا تنتهي عند حدود، كما أنها لغة عالمية تتطلب وعياً متوهجاً، ولأني أرغب مستقبلاً في تدريسها. وهي لو فهمها الطالب لهانت عليه جميع المواد الدراسية والثقافية الاخرى".
ولم يكن من السهل ان يتقبل الطالب سليم خضر شاه لبناني المتخصص في الهندسة المدنية الصدمة العنيفة التي أحدثتها النائبة العنصرية بولين هانسون إثر إعلانها عن انشاء حزب "أمة واحدة" شأنه في ذلك شأن جميع المهاجرين المتحدرين من أصول غير انكلوسكسونية، اذ قال: "أنا وريث ويلات العنصرية الاسرائيلية وما جرته على المنطقة العربية من كوارث، الأمر الذي فرض على العرب صراعاً أرغموا عليه واستنفدت فيه كل طاقات الأمة، واحدى أهم هذه الكوارث هجرة الشباب العربي بأعداد كبيرة طمعاً بالأمان وبناء المستقبل، فإذا بنا نواجه بحرب العنصرية الفتاكة المستمدة لنفسها شرعية أيدّها قانون حكومة الأحرار برئاسة جون هاورد، هذا الرجل التقليدي الجامد والذي قال عن نفسه في احدى المناسبات: "أنا أكثر أبناء جيلي محافظة"، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام ذوي الاهواء والغرائز والنزعات العرقية والعنصرية ان تأخذ مداها".
يضعضع الأمان في النفوس خروج العنصرية من دائرة الفردية الى حيز الشرعية المدعمة بالقانون واعطاؤها الضوء الأخضر بأسلوب براغماتية التكنوقراطي المقزز، فكأن استراليا وأجيالها المستقبلية موعودة بحرب يشنها التقليديون والمحافظون المتشددون.
الطالبة يافا يتيم فلسطينية عن علاقتها بأساتذتها تقول: "هؤلاء الاساتذة أستطيع إدانتهم بالعنصرية مباشرة، بمجرد الدخول معهم في حوار ولو كان بسيطاً يتعلق بانحياز الاعلام الاسترالي لمصلحة الاستراليين - الانكلوسكسونيين، وتفريغ كل القضايا التي تخص غير هؤلاء من جوهر أحقيتها ومفهومها كقضايا انسانية تستحق المناصرة والتأييد، خصوصاً قضية الصراع العربي - الاسرائيلي وتحديداً القضية الفلسطينية".
الطالب العراقي نوزات صالح يستفزه التمييز العنصري لدى الاساتذة الذين يمارسونه "بطريقة وحشية"، فبمجرد ان يرى واحدهم سحنة غير شقراء "يبدأ بإشباع هوايته الغريزية، متشفياً منتقماً. وتبدو هذه العنصرية بشكلها الجلي حين يسأل أحدنا عن توضيح أكثر لبعض الدروس، فنواجه بالرفض المطلب، بينما الترحيب والإعادة المستفيضة فيما لو سأل أحد الطلاب غير الانكلوسكسونيين ما لوكنا قد سألناه".
الطالب محمد نبهان قال: "إن العنصرية مرض خبيث يتغلغل في أوساط المجتمع الاسترالي. وان لم توضع الخطط المضادة لهذا المرض فإنه سيستفحل الى درجة تصعب عندها مقاومته، اذ ما معنى ان يُسأل الواحد منا عن جنسيته فيجيب من دون أية تحفظات: أنا استرالي، فيقول السائل الانكلوسكسوني: لا أنت عربي، وإذا ما أجبت: أنا عربي. يرد السائل هذا: لا بل أنت استرالي. لا شك اننا نعاني من هذا التمييز المهين للشوط الكبير الذي قطعته الانسانية نحو التقدم وإلغاء الفوارق من عنصرية وغيرها، ونعاني من الإحساس بالنقمة والمشاعر غير المريحة نتيجة اختلال التوازن لدى القوى المسيرة للمجتمع الاسترالي مما يولد شعوراً بالتمزق النفسي".
لا تقتصر مشكلة الطلاب العرب في استراليا على التمييز العنصري المتمثل عبر تعاملهم اليومي في الجامعة أو في الدوائر الرسمية الأخرى، بل تعدتها لتأخذ منحى دراماتيكياً، وفي أغلب الاحيان تنتهي فصوله بمهانات ومشادات تراق في بعضها الدماء.
الطالبة ميشيل خضر شاه لبنانية يمثل التمييز العنصري لها ثعباناً متغلغلاً في جميع الدوائر الرسمية التي تقدمت منها للعمل، وكانت تواجه بذريعة عدم التأهيل للخدمات المحلية، مع أنها حائزة على شهادتها لغات وادارة شؤون اجتماعية من جامعة سيدني، الأمر الذي يعاني منه جميع أصحاب الكفاءات المتحدرين من أصول غير انكلوسكسونية. تقول: "إذا لم يجد أحدهم تمييزاً عنصرياً لسبب ما، فهذا لا يعني انعدام هذا الأمر بالنسبة للآخرين، ولا يعني أبداً ان هناك سقفاً زجاجياً مصفحاً في كافة مجالات العمل وعلى المتقدم اختراقه ليرى بأم عينه المتربعين فوق، الذين يُسقطون أي هدف دون معرفة صاحبه، لماذا وكيف".
مجالات العمل
الواقع الحقيقي لسوق العمل في استراليا لا يجعل الطلاب العرب متفائلين بإيجاد فرص عمل لهم متى أرادوا، لكنه الحلم، ذلك القارب المثقوب، الذي يصوّر الأمل سهل التحقيق ومعوضاً نفسياً. ومن المفارقات ان يجمع الطلاب على تأكيد وجود التمييز العنصري في الجامعات ومرافق الحياة العامة في استراليا ولا يجمعون على صعوبة ايجاد فرص العمل، مع ان نسبة العاطلين بلغت 16 في المئة حسب الاحصاءات الاخيرة، وهذا أمر مستغرب في قارة كاستراليا لا يتجاوز عدد سكانها 18 مليوناً، ومعظم العاطلين عن العمل من حملة الشهادات، ومن ذوي الكفاءات والمهارات في بلد من أبرز دول العالم المصدرة للحوم والأسماك والخضار والفواكه والألبان والاجبان واليورانيوم والمواد الخام كالحديد والصلب.
محمد نبهان المتخصص في العلوم السياسية والاقتصادية لا يرى صعوبة في ايجاد عمل ضمن المجال الاقتصادي "بل هناك وفرة في الاعمال، مثلاً: يمكن العمل في بنك أو في مصنع أو في مؤسسة للاقتطاع الضريبي".
الطالبة آمال مكي لبنانية متخصصة في العلوم الطبيعية تقول: "إذا كان الهدف والتصميم موجودين فليس صعباً ايجادالعمل، اذ ان لتحقيق الأهداف شرطاً أساسياً هو التحدي والتحرر من عقدة الخوف من الاجنبي واعتباره عائقاً في عدم تحقيق النجاح".
الطالبة دايان فرح سورية متخصصة في العلوم النفسية لا تعتقد انها ستواجه صعوبة في ايجاد عمل مع تأكيدها ان لدى المراجع المالكة زمام الأمور في استراليا تمييزاً عنصرياً خطيراً، لكن خوفها من أهلها الذين يعارضون عملها بشكل لا مجال لإقناعهم فيه، هي التي عانت الكثير معهم لإقناعهم بدخولها الى الجامعة، وتستطرد: "إذا استمروا في معارضتهم لا أجد سبيلاً أمامي إلا التوقف احتراماً لقيمهم وقناعاتهم ولأجنبهم الإحراج في مجتمعنا".
أما الطالب سليم خضر شاه المتخصص في الهندسة المدنية فلا ينكر ان هناك صعوبات في سوق العمل كمهندس، اذ ان الأولوية للمهندسين ذوي الأصول الانكلوسكسونية، الأمر الذي يستفز الكثير ويدفعه الى الانخراط في اسواق عمل تختلف تماماً عما تخصص فيه، "واكثر ما يمكن الحصول عليه في مجال الهندسة المدنية هو العمل في ورشة كمراقب للعمال أو مقيم أعمال لمصلحة الشركة".
وعن علاقة الطلاب العرب بأساتذتهم، الطالب محمد نبهان قال: "علاقتي بالاساتذة غير قائمة على الود، كأن يتقرب الاستاذ منا أو نتقرب منه. وأشعر بقسوة وخشونة تعاملهم معنا، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا السياسية والدينية".
أما الطالب حسين اسماعيل لبناني فقال: "علاقتي بالاساتذة كعلاقة عموم الطلاب المتحدرين من أصول غير انكلوسكسونية، متوترة دائماً. وفي المرحلة الثانوية كانت دافعاً للكثير من زملائي الطلاب نحو اليأس الذي انعكس شغباً وإقلاعاً عن الدراسة من طلاب يعانون أساساً من عدم الاستقرار العائلي، ما ساهم في انسياقهم الى أرصفة الادمان والمقامرة والضياع في بؤر الانحلال الخلقي".
الطالبة ميشيل خضر شاه تقول: "كيف يمكن لمن تربى على التمييز والعنصرية ان يمارس عملاً كالتدريس وغيره من دون ان تبدو آثار هذه التربية في سلوكه مع الآخرين؟ فالاساتذة يتعاملون معنا على اننا نأخذ الفرص من طريق ابنائهم، الامر الذي ينعكس اضطراباً كبيراً في نفس الطالب ويولّد لديه شعوراً بعدم الطمأنينة".
الطالب نوزات صالح اجاب: "تصور انني تأخرت عن الدرس ثلاث دقائق وسألتني المعلمة لماذا التأخير؟ اجبتها اني كنت أصلّي. فجأة تجهّم وجهها وقطّبت جبينها وعممت قصتي على جميع الاساتذة الذين اصبحتُ محطّ ازدرائهم وكرههم ومراقبة كل شاردة وواردة تصدر عني".
العلاقة بالأهل
الاحساس بالغربة يولّد شعوراً بالخوف المضاعف لدى المغترب: غربة المكان، غربة اللغة، غربة المجتمع، وهذه جعلت علاقة الطلاب العرب بأهلهم متينة وقائمة على الالتصاق العميق، في واقع استراليا الاجتماعي الذي تكاد تنعدم فيه الروابط الاسرية والاجتماعية.
وضمن هكذا احساس عميق بالانتماء الى الحضارة العربية، الحضارة الام لهؤلاء الطلاب والاهل معاً، ترى الطالبة يافا يتيم علاقتها بأهلها "علاقة قائمة على الصراحة" ولا تتردد في أخذ مشورتهم في كل الامور. واذا كانت مقتنعة بأمر ورفضوه غالباً ما تعذرهم في رفضهم لقناعتها بأنهم يعانون من صعوبات كثيرة وفوارق اجتماعية واخلاقية وعنصرية، وطبعاً مع فارق اعتبارهم ان للآخر حقاً في الاختلاف ومن حق الجميع ان يجد لنفسه مكاناً في هذا الكون.
الطالب نوزات صالح يقول في هذا السياق: "اهلي دائماً يشحنوني بطاقة تشجيعهم وتهيئتهم الاجواء لي لمتابعة دراستي، فأمي تحرص على ان اصل الى مستوى علمي ثقافي مرموق وكذلك والدي الذي أرى السعادة على وجهه حين يراني مقبلاً على دراستي".
الطالبة ميشيل خضر شاه عن علاقتها بأهلها تقول: "الحياة الجديدة في استراليا، التي انتقلت اليها مع اهلي، كانت بالغة الصعوبة من حيث التكيّف مع مجموعة متنوعة من السلوكيات المختلفة جذرياً عن سلوكياتنا. جعلني، والكثير من ابناء الجالية العربية نعاني من تناقض رهيب، تتجاذبنا تيارات قيم تربينا عليها وسلوكيات مجتمع استراليا المغرية التي تحاصرنا بوسائل كالمدرسة والتلفزيون وسائر وسائل الاعلام، الامر الذي احدث في النفوس شروخاً على رغم الشعور الكبير بالانتماء الى الاهل واقامة علاقة معهم قائمة على الصراحة والاحترام".
الطالب محمد نبهان يقول: "علاقتي بأهلي جيدة، وأمي بشكل خاص هي الملاذ الآمن والمرشد الذي يتفانى في سبيل تحقيق هدف لي. كذلك والدي وان كنت لا أراه كثيراً بحكم عمله".
آمال مكّي الطالبة اندفعت قائلة: "انا مستقلة في عائلتي غير مرتبطة الى حدّ يقيّدني لكن استقلاليتي هذه تنبع من مفهوم اهلي للحياة اجتماعياً ودينياً، ويمكنني القول اننا عائلة منفتحة، يحترمون رغبتي التي لم تكن رغبتهم في متابعة دراستي وينتظرونني ريثما أُتم دراستي لنعود الى لبنان".
الطالب سليم خضر شاه قال: "الاهل كانوا يهيئون الاجواء لي لمتابعة دراستي ويضحّون بأشيائهم الخاصة التي يحبون عملها واقتناءها لأجل توفير كل مستلزمات الراحة لي ولأختي. وأهم ما ضحوا به هو مجيئهم الى استراليا البلد الآمن الذي في امكاننا متابعة دراستنا فيه، في حين انهم لم يكونوا يرغبون بالمجيء اليه".
اي وطن؟
ولكن، على رغم جيوش العنصرية الزاحفة الى استراليا، والاحساس العميق بالفارق الكبير بين ما ينتمي اليه الطلاب المهاجرون من حضارات وما يواجهونه من نزاعات نفسية، الا انهم لم يستطيعوا ان يوجدوا وطناً نهائياً ينتمون اليه، ولم تكن اوطان اهلهم الام بالنسبة اليهم سوى اوطان بالوراثة وجزء من ذاكرة ولدت وكبرت كوهم جميل.
الطالب حسين اسماعيل أطرق قبل ان يجيب: "لبنان بالنسبة اليّ وطن بالوراثة، لكنني كلما ازداد وعيي اكتشف انني غير قادر على انكاره وعليّ التمسك به، ربما لانتفاء الاحساس عندي ان استراليا هي الوطن البديل، وربما لأن التربية ذات التوجهات العربية المنتمية الى اخلاقيات الدين والحضارة العريقة، كلها امور من الصعب القفز فوقها نحو المجهول".
الطالبة دايان فرح قالت: "استراليا هي بلد أعيش فيه مرحلياً مع أني مولودة هنا، وبصراحة أكثر اذا كان هناك من خطر سيداهمه لا أشعر أني متحمسة للدفاع عنه".
الطالب نوزات صالح انفرد برأي مختلف قال: "ارتساليا هي وطني الذي ولدت فيه وتعرفت فيه الى الحياة، وان يتعرض الانسان الى اضطهاد في بعض نواحي الحياة لا يعني ان يهرب ويتخلى عن وطنه، وإلا وبهذا المعنى على البشر جميعاً ان يكونوا هاربين، ومن المستحيل ان يعيش الانسان في مجتمع لا يتأثر به".
الطالب سمير خضر شاه يقول: "لبنان بالنسبة اليّ وطن في الذاكرة، واستراليا المكان الذي يتمتع بهامش من الحرية والضمان الاجتماعي. ومسألة تقرير وطن نهائي صعبة اذا لم تكن مستحيلة، مع العلم اني لا اشعر مطلقاً بأن للحضارة الاسترالية تأثيراً يشدني اليه، بالعكس فأنا اشعر بالاطمئنان والرضى أني ابن حضارة عمرها آلاف السنين تركت اثراً كبيراً ومهماً للبشرية جمعاء".
الطالبة يافا يتيم تقول: "فلسطين بالنسبة اليّ أرض مقدسة، لكنني كمولودة هنا لا اشعر ان عندي الرغبة الكاملة في العودة والاقامة فيها بشكل نهائي. وحقيقة، ارى ان استراليا هي وطني الحالي ولا ادري اذا كان الاخير ايضاً".
وقال محمد نبهان: "لبنان وطن في الذاكرة، لست ادري كيف احدد موقفي منه، كما اتساءل هل يمكن للدين والعادات ان تحدد وطناً بديلاً للارض التي يعيش عليها الانسان؟".
آمال مكّي تشعر ان استراليا هي وطنها الاول، اما لبنان فهو وطن الاهل الذين تحبهم وتحب قيمهم، ومن هنا تتولد لديها قناعة بأن لبنان "هو وطن الوجدان الذي تبقى مساحته متوهجة دائماً في الفكر".
ميشيل خضر شاه اجابت: "على رغم شعوري الكبير بالانتماء الى لبنانيتي وحضارتي العربية لا اشعر ان لبنان هو الوطن الذي يجب ان أحيا على ارضه واتوجه بأفكار القيمين على الامور فيه، بل هو مجموعة أحاسيس تشكل لي حنيناً ناعماً لاشياء ورثتها في المخيلة اكثر منها انتماء لوطن نهائي، كذلك استراليا ليست البديل قدر ما هي مكان اتحرك فيه بحرية محدودة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.