مبادرات وخطة عمل..اتحاد الغرف ومجلس الأعمال: زيادة التعاون (السعودي – الأمريكي) في التجارة والاستثمار    2.9 مليار ريال أرباح "السعودية للكهرباء"    انطلاق "هاكاثون الابتكار الصحي الرقمي الأول"    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ.. طرابلس تتنفس بعد مواجهات عنيفة    في الجولة ال 32 من دوري روشن للمحترفين.. الاتحاد لحسم اللقب أمام الرائد.. والهلال في ضيافة الفتح    ولي العهد يهنئ ألبانيزي بتنصيبه رئيسًا لوزراء أستراليا    أسرار رونالدو!!    برشلونة في مهمة حسم اللقب أمام الجار    أفراح الزواوي والتونسي بعقد قران عبدالرحمن    كفيف.. فني تصليح أجهزة كهربائية    إغلاق موقع عشوائي لذبح الدجاج في بوادي جدة    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    الملا يكرم العنود وحصة والصحفي في "رواية وفيلم"    الأغذية المعالجة بوابة للإصابة بالشلل الرعاش    «الغذاء والدواء»: ضبط 1621 منشأة مخالفة خلال شهر    نباتات عطرية    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    عظيم الشرق الذي لا ينام    الإسناد المجتمعي ومعادلة التنمية    كوستا الاتفاق يخضع للجراحة    تصريح الحج حماية وتنظيم    من أجل حج مبرور    ماركا: لابورت يعود للدوري الإنجليزي    من دمشق إلى الرّياض.. حوّل    تدخل نادر ينقذ مريضة من استئصال الكبد    فعالية «تراثنا» تبرز الهوية الثقافية للمدينة المنورة    واشنطن تعاقب شركات تنقل نفطاً إيرانياً إلى الصين    حزمة عقوبات أوروبية جديدة على روسيا    لا حج إلا بتصريح    لجنة الاستئناف قبل"استئناف"نادي الوحدة وتعيد قضية احتجاجه ضد النصر إلى لجنة الانضباط    «فهارس المخطوطات الأصلية في مدينة حائل»    أدبي المنطقة الشرقية يُكرّم الأمير عبدالعزيز بن سلمان والسفير المعلمي بجائزة «الموقف الأدبي»    تعليق الحياة ليوم واحد    94% زيادة سياحة الأعمال بالأحساء    القبض على (4) مقيمين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بإيهام ضحاياهم بذبح الهدي عنهم مقابل مبلغ مالي    أمير الشرقية يرعى حفل تخريج 4966 طالباً وطالبة في جامعة حفر الباطن    مطار المدينة يستقبل أولى رحلات الحجاج النيجيريين    الأسهم تنتعش والذهب ينخفض مع تراجع التوترات التجارية..    الشورى يطالب بتفعيل الأطر التشريعية للمحتوى التعليمي الإلكتروني    صحف وقنوات عالمية تبرز مخرجات القمة السعودية الأمريكية    برامج توعوية وإرشادية    الوساطة السعودية تنتصر لسوريا برفع العقوبات    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    عماد التقدم    26 مليارا حجم الاستثمارات الحكومية في قطاع التصنيع الذكي    أمانة القصيم تكثّف أعمالها لتحسين جودة الطرق ورفع كفاءة البنية التحتية في مدينة بريدة    جامعة أم القُرى تكرِّم 27 فائزًا بجائزة جامعة أمِّ القُرى للتَّميُّز لعام 1446ه    مجمع الحباب بن المنذر يدشن شركات مع عدد من الجهات الصحية    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد‬⁩ يستعرض مع ولي عهد أبوظبي العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بين البلدين    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    أمير الشرقية يطلع على إنجازات وزارة الموارد في المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الحوار العربي في صدد العولمة
نشر في الحياة يوم 17 - 01 - 1998

ما زالت العولمة الموضوع الأشد سخونة واغراء للمناقشة وتبادل الرأي عربياً وعالمياً. وانعكس هذا الامر في الندوة التي عقدت في بيروت بمبادرة من "مركز دراسات الوحدة العربية" للبحث في هذه الظاهرة الخطيرة وتداعياتها على الاقطار العربية. وشارك فيها عدد كبير من المثقفين العرب من تيارات ومدارس فكرية متنوعة.
ومع ان تلاقيا عاماً قد أسفرت عنه المناقشات حول اهمية العمل العربي المشترك لمواجهة الاخطار الناجمة عن العولمة والاشارة الى عدد من التدابير، الا ان الخلاف او التباين في فهم هذه الظاهرة وتحديد معالمها وجذورها وآثارها كان مهيمناً على جو المناقشة.
ولعل اهم ما يستدعي الانتباه والقلق هو منحى التفكير الذي ينزع الى تجريد ظاهرة العولمة من سياقها التاريخي والموضوعي وتصويرها على انها امتداد للسياسة الامبريالية او انها نتاج مؤامرة خارجية على شعوب البلدان النامية. ويتسلّح اصحاب هذا الرأي بكل ما حوته الادبيات الايديولوجية والسياسية التقليدية عن الاستغلال الرأسمالي والغزو الكولونيالي عبر التاريخ. وهو منطلق، من الناحية المنهجية، آحادي الجانب ونابع من اعتبارات ذاتية وانعزالية ولا ينسجم مع حقائق العصر ومنطق التطور الواقعي في العالم. فالعولمة والتكنولوجيا ظاهرتان مترابطتان لا فكاك بينهما. ولا يمكن فهم العولمة بصورة سليمة من غير ان نتلمّس الاثر الاهم والاكثر جوهرية للتقدم العلمي والتكنولوجي في خلق هذه الظاهرة بكل ما تحمله من ثورات وقفزات في تطور القوى المنتجة والقدرات الانسانية التي اتاحت وتتيح حركة ميسورة للبشر ورؤوس الاموال والخدمات والسلع ومجمل ثمار العلم والتكنولوجيا عبر الحدود الوطنية وضمن شبكة كونية معقّدة من الاتصالات والترابطات.
وهنا يصبح التعايش مع هذه الظاهرة الجبّارة وتوجيه آلياتها ووسائلها لخدمة الانسان والتقدم الاجتماعي وازالة التفاوت والظلم بين الشعوب، أمراً لا مناص منه، ويشكّل المدخل الموضوعي السليم لبرنامج عمل حقيقي وفعّال للحدّ من الاخطار والاضرار الناجمة عن استخدام الشركات الرأسمالية الكبرى لوسائل العولمة من ناحية والافادة من الفرص والفوائد التي توفرها هذه العملية الكونية المتنامية من ناحية ثانية.
اما "الرفض" او "التنديد" بالعولمة فلن يلغيا ولن يجديا نفعاً في مواجهة او تقليل آثارها السلبية، لا سيما تهميش البلدان النامية ومنها الدول العربية في مسار التطور العالمي. ولعل هذا الموقف الرفض والتنديد الأحادي والتجزيئي Partial قد تولد من وحي المرارات والمعاناة التي تقاسيها الشعوب من سياسات وممارسات الشركات متعدية الجنسية TNCs واستغلالها لثروات وموارد البلدان النامية وفرض سياسات تجارية غير متكافئة، مما اوجد تحليلات ايديولوجية قاصرة تخلط بين الجانب التاريخي والموضوعي المتطور لعملية العولمة وبين سياسات وممارسات الشركات متعدية الجنسية.
ان الاقرار بكون العولمة ظاهرة موضوعية قابلة للبقاء والتطور يطرح عدم حتمية ارتباطها دوماً بنظام اقتصادي وسياسي معين كالنظام الرأسمالي مثلاً. بل يمكن ان تكون العولمة آلية من آليات نظام دولي جديد بمضامين واهداف مختلفة تماماً. ويترتّب على ذلك تحديد وسائل الافادة منها ومن آلياتها لخدمة اهداف انسانية اكثر تقدماً وعدلاً وازالة فرص وعواقب تسخيرها لتهميش البلدان النامية ولتعميق التفاوت الاقتصادي بينها وبين البلدان الصناعية المتقدمة.
وهنا يجدر ان نستذكر من التاريخ. ففي بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، قام العمال بالتمرّد على استخدام الآلة وتحطيمها باعتبارها قد تسبّبت بتسريح العمال عن العمل وتوسيع البطالة. وكان هذا الموقف موضع نقد معروف من جانب المفكرين الاجتماعيين والاشتراكيين آنذاك لانه اخطأ في تحديد سبب البطالة المتمثلة بطبيعة علاقات الانتاج وأخفق في فهم القيمة التاريخية لاختراع الآلة كأداة مهمة لتطوير القوى المنتجة.
واليوم تأتي العولمة بقدرات وامكانات هائلة في ميادين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانماط الانتاج والتخصص وتقسيم العمل والميزات النسبية وغيرها وتشرع بتغيير وجه الكوكب، بل الكون، بمقاييس مدهشة من حيث القوة والسرعة. الا انها أدت من ناحية اخرى الى تعميق التفاوت الاقتصادي والثقافي في العالم وأفرزت ظاهرة "تهميش" البلدان النامية. وهذا التهميش يعود الى سياسات وممارسات الشركات متعدية الجنسية الامر الذي يدعو الى التركيز على نقدها ورفضها واستبدالها بإدارة ديموقراطية عادلة للاقتصاد الدولي واقامة علاقات متكافئة بين الدول. وهنا يتجلى المغزى التاريخي الهامّ لهذه المقارنة. فبالأمس كان الخطأ يكمن في محاربة الآلة وتحطيمها لأنها "سبب البطالة" واليوم يقوم الخطأ في محاربة العولمة ورفضها لأنها أدت الى "تهميش البلدان النامية".
وفي خضم هذا الخلط والتصورات الذاتية الضيقة انحرف الكفاح والعمل المطلوبان عن هدفهما الحقيقي والأساسي سواء بالنسبة لعلاقات العمل ورأس المال في القرن الثامن عشر أو بالنسبة لهيمنة الشركات المتعدية الجنسية في المرحلة الراهنة. واللافت أيضاً ان وجهة العمل في ظل العولمة وآثارها كانت هي الأخرى موضع تباين بين المثقفين العرب. وقد يكون الأمر طبيعياً نتيجة للاختلاف في فهم الظاهرة وسياقها العام، فتجد أن أصحاب "الرفض" و"التنديد" يركّزون على أسباب خارجية منها "المؤامرة" ويقترحون معالجات مكررة لا ترقى من حيث الفاعلية والواقعية إلى مستوى التحديات والمهمات الكبرى التي تواجه العرب في هذا المنعطف التاريخي الكبير. لا شك ان العديد من معضلات ومتاعب العالم العربي يعود إلى الاطماع الأجنبية والصراع بين القوى الكبرى على الثروات والموارد الطبيعية الكامنة فيه. إلا أن استمرار الضعف والتخلف والاعتماد على الخارج التبعية يكمن أساساً في وجود خلل داخلي في بنية وسياسات الأنظمة العربية. هذا الواقع المرير الذي كان وما زال مصدراً للكثير من المتاعب والانتكاسات، يؤلف قاعدة قوية لانكشاف Exposedness وهشاشة الاقتصادات العربية أمام التحديات الخارجية المتزايدة ولا سيما تحرير التجارة الدولية وأسواق المال والاستثمار وتعاظم الابتكارات العلمية والتكنولوجية. إن "التصدي" لاخطار العولمة، لا يتأتى من التنديد بها واعتبارها خطراً خارجياً داهماً، بل بالبحث في أسباب الضعف العربي الداخلي ومعالجته جدياً للنهوض بالقدرات والواقع العربي إلى مستوى التطورات الجديدة والتعامل معها على أساس من التكافؤ والاقتدار في الميادين المختلفة. وينبع من هذا الرأي التأكيد على ثلاثة عناوين رئيسية في أي برنامج عمل عربي: هي حماية الأمن العربي، والسعي للتكامل الاقتصادي وتحقيق تنمية مستدامة Sustainable على اعتبار ان هذه الغايات توفر أساساً قوياً للتعامل الناجح والفعّال مع المتغيرات الدولية ومن شأنها أن تصون مصالح الشعوب العربية.
إلا أن الكلام في هذه الأمور يبدو مثالياً وغير قابل للتطبيق، كما علمت التجربة السابقة والراهنة. فالكثير من الاتفاقات والمشاريع العربية المشتركة المبرمة سابقاً لم تر نور الحياة بسبب غياب الإرادة السياسية. وهنا يصبح الحديث عن معالجة مشاكل النظام السياسي وضرورة اصلاحه في الأقطار العربية الحديث الأهم والأصدق في هذه المرحلة الحساسة. فلو توفرت أنظمة حكم قائمة على مؤسسات تمثيلية وديموقراطية حقة، لكان الالتزام بالاتفاقات والمشاريع المشتركة أكثر جدية وأهلية للتنفيذ ولكانت الإرادة السياسية المغيبة متاحة وفعالة. فتحقيق اصلاحات ديموقراطية في العالم العربي هو المهمة الأولى في أي برنامج حقيقي لتحقيق نهضة عربية شاملة تتماشى مع روح العصر ومتطلباته وتقوم على قوائم أساسية: حكم القانون والمؤسسات واحترام حقوق الانسان والتعددية.
وإلى ذلك هنالك بُعد مهم للبرنامج العربي المنشود في مواجهة تحديات العولمة، وهو البعد العالمي الذي يغيب عن أجندة الحوار العربي. وأعني به النهوض بمسؤولياتنا، إلى جانب الشعوب الأخرى، في التعامل الايجابي مع هذه الظاهرة، على نحو يصون المصالح المشتركة للشعوب ودرء المخاطر التي تواجهها. ولعل أبرز ما يرد في هذا الصدد هو إقامة نظام إدارة حكم للعالم Global Governance وليس حكومة من شأنه أن يؤمن إدارة سليمة ونزيهة للشؤون العالمية. أو بكلمة أخرى إقامة نظام دولي عادل ومتكافئ. وهذا النظام - الإدارة - يستهدف الإحلال محل الشركات متعدية الجنسية وبعض القوى الكبرى المتنفذة في إدارة العولمة، واستخدام آلياتها ووسائلها لصالح الشعوب وتنوعها الثقافي والعرقي. إن أهم أسس هذه الإدارة تقوم على:
توفير وسائل فعالة من أجل بقاء البشرية.
احترام وحماية التنوع Diversity على أشكاله الذي تتميز به الإنسانية.
خلق البيئة الملائمة للتعايش البناء والسلمي بين الشعوب.
ضمان حكم القانون دولياً وفي كل مكان.
اجراء اصلاحات مؤسسية للهيئات الدولية.
هناك مسؤولية مشتركة لشعوب العالم لمواجهة الأخطار الطبيعية كتلوث البيئة والأمراض، واجتماعية - اقتصادية كالفقر والجوع والظلم وعدم التكافؤ. ولا شك ان اداء هذه المهمة يتطلب مستوى عالياً من التعاون بين جهات عدة منها الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات المتعدية الجنسية، وذلك بهدف تحقيق حياة ديموقراطية وآمنة ومستدامة Sustainable لشعوب العالم وللأجيال القادمة. أي اننا بحاجة إلى أممية إنسانية جديدة ذات برنامج عمل مشترك وشامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.