أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الدولية لحماية الطبيعة    «أسعار شحن الغاز المسال».. لأعلى مستوى مع شحّ الناقلات    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود «هدف»    الذكاء الاصطناعي يقود ثورة التعليم    108.5 آلاف وحدة سكنية فرزتها الهيئة العامة للعقار خلال عام    تداول يعوض خسائر أسبوع    وقف النار «ساري المفعول»    لغة الحوار    تقرير استخباري أميركي يشير إلى أن الضربات لم تدمّر البرنامج النووي الإيراني    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    إنتر ودورتموند لتجنب المواجهة في ثمن النهائي    بايرن يتخلى عن التحضير للموسم المقبل    مدرب الوداد يتعرض لحادث سير    مبادرة السلامة المرورية على طاولة نائب أمير الرياض    حوافز ومزايا لرفع نسبة مستخدمي مشروعات النقل العام    الجوازات تواصل إنهاء إجراءات مغادرة الحجاج    أمير الشمالية يكرّم الطلبة المتفوقين    «الرواشين».. فن العمارة الخشبية في المدينة    حرفة تُعيد الآبار إلى الواجهة بالجوف    الكعبة المشرفة تتزين بكسوتها الجديدة لعام 1447ه    الشؤون الإسلامية بالمدينة تكثف جهودها التوعوية    خدمات نوعية لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    إعلان نتائج القبول في البورد السعودي    جمعية لدعم المباني المتعثرة في الأحساء    أقوى كاميرا تكتشف الكون    انحسار السحب يهدد المناخ    العثور على سفينة من القرن ال16    البرتغالي"أرماندو إيفانجيليستا" مدرباً لضمك    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    الطائف تستضيف انطلاق بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة 2025    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فيصل بن خالد    قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم على قاعدة العديد الجوية    47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس    برامج التواصل الاجتماعي.. مفرقة للجماعات    بعد حلوله وصيفاً ل" الرابعة".. الأخضر يواجه نظيره المكسيكي في ربع نهائي الكأس الذهبية    سمو ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية    امتدادا لإستراتيجيته التمويلية المرنة.. صندوق الاستثمارات يؤسس برنامجه للأوراق التجارية    أشاد بالتسهيلات خلال المغادرة.. القنصل العام الإيراني: ما قدمته المملكة يعكس نهجها في احترام الشعوب وخدمة الحجاج    المملكة تنضم إلى توصية منظمة "OECD".. السعودية رائد عالمي في تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي    ولي العهد لأمير قطر: عدوان إيران سافر لا يمكن تبريره    الإطاحة ب 4 أشخاص لترويجهم أقراصاً خاضعة للتداول الطبي    شدد على تطوير "نافس" وحضانات الأطفال.. "الشورى" يطالب بربط البحث العلمي باحتياجات التنمية    أسرة الفقيد موسى محرّق تشكر أمير المنطقة على مشاعره النبيلة وتعزيته    نائب أمير منطقة جازان يتسلّم التقرير السنوي لسجون جازان للعام 2024م    أول ورشة متنقلة لصيانة مساجد وجوامع مكة في "جمعية تعظيم"    صور إنسانية من الماضي عن مدينة أبها    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    42.5 مليون عملية إلكترونية عبر "أبشر" في مايو 2025    اعلان نتائج القبول لبرامج البورد السعودي في الاختصاصات الرئيسية والدبلومات 2025    أمين منطقة القصيم يوقع عقد مشروع صيانة الشوارع غرب مدينة بريدة بأكثر من 17 مليون ريال    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    محمد بن سلمان: رؤية تُحوِّل الأحلام إلى حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوبرا «فاوست» لشارل غونو: رهان مدمّر في زمن الحب
نشر في الحياة يوم 20 - 06 - 2011

من المؤكد أن العرض المقبل، خلال مهرجان البندقية السينمائي في إيطاليا للفيلم الجديد للمخرج الروسي ألكساندر سوكوروف، سيكون مناسبة للعودة الى هذا العمل المسرحي والأسطوري الكبير الذي – ومنذ مسرحة كاتب ألمانيا ومفكرها الكبير غوته – لم يكفّ عن إلهام المبدعين في مجالات الأدب والموسيقى والرسم والسينما وغيرها من ضروب الإبداع. ولعل في مقدم ضروب الإبداع هذه، فن الأوبرا الذي استلهم العمل مرات ومرات لعل أشهرها تلك المرة التي حولت فيها على يد الموسيقي الفرنسي شارل غونو. هذا العمل الضخم الذي نعود اليه مراراً وتكراراً في كل مرة كان فيها فن الأوبرا هو الموضوع.
والحقيقة أن لا يمكن من يشاهد أوبرا «فاوست» كما لحنها غونو، وقدمت للمرة الأولى في شهر آذار (مارس) 1859، إلا أن يسعى الى البحث – من خلال ميتافيزيقية الموسيقى هذه المرة - عن المعاني الفلسفية والإنسانية التي حمّلها غوته للأسطورة الشهيرة، محوّلاً إياها إلى عمل مسرحي لا يزال يعتبر إلى اليوم واحداً من أهم وأضخم الأعمال الأدبية في تاريخ البشرية. مع أننا ندرك بسرعة حين نشاهد هذه الأوبرا أو نستمع إليه أن شارل غونو، كان يعرف محدودية فن الأوبرا بالنسبة الى نقل عمل أدبي تأملي يقع في مئات الصفحات الى عمل مسرحي غنائي يشغل ساعتين من الزمن على الأكثر.
من المعروف أن غونو ظل يحلم طوال سنوات بأن يموسق نص غوته، وبالتحديد منذ اكتشف النص وتعلق به خلال إقامته لفترة في روما في مستهل شبابه، وكان عليه أن يختار فوقع اختياره على الجزء من «فاوست» المتعلق فقط بحكاية الغرام العنيف بين فاوست ومرغريت، جاعلاً من هذه الحكاية عماد أوبراه. غير أن هذا الاختيار المحصور لم ينقص من قيمة إبداع غونو الموسيقي الذي طلع على المتفرجين والمستمعين في زمن لم يكن فيه لفن الأوبرا، في فرنسا، باع، هي التي كانت عاجزة في هذا الفن، عن مجاراة جارتيها الكبيرتين ألمانيا وإيطاليا، حيث فن الأوبرا في ازدهار، وحيث ينكب كبار الموسيقيين على الإبداع في هذا النوع، وحيث الجمهور يتابع ويندفق من دون هوادة.
قبل «فاوست» غونو، كان فن الأوبرا في فرنسا مستورداً تماماً. ولكن، منذ ذلك الحين بدأ المؤلفون الفرنسيون يبدعون بدورهم في هذا الفن، وهكذا خلال عقدين أو ثلاثة من السنين، بات في استطاعة عالم الموسيقى الفرنسية أن يفخر هو أيضاً بأن له أوبراته ومؤلفيها، وكانت قد نسيت تماماً حقيقة أن غونو إنما اعتمد على نص ألماني، واستلهم كبار الموسيقيين الإيطاليين، إذ كان يقيم في إيطاليا كما أشرنا. لم يكن هذا كله مهماً. المهم كان أن فن الأوبرا الفرنسي بات يعرف مذاك نهضة تأسيسية ستكون ذات شأن لاحقاً. تماماً كما ان «فاوست» غونو ستكون ذات شأن، ليس في فن الأوبرا الفرنسي وحده، بل في الأوبرا العالمية، وحتى اليوم لا يزال ذلك العرض الذي قدمت فيه أوبرا «فاوست» للمرة الأولى - غناء وأيضاً مع حوارات منثورة - يعتبر منعطفاً تاريخياً، تماماً كما أن تاريخ الموسيقى لا يفوته أن يذكر أن السوبرانو كارولين ميولان - كارفاليو، التي قامت بدور مرغريت في ذلك العرض، كانت الأولى - تاريخياً - بين عشرات سيقمن بالدور بعدها.
تتألف أوبرا «فاوست» كما لحنها غونو انطلاقاً من تلخيص قام به جول باربييه وميشال كاريه للقسم الأول من «فاوست» غوته (كان ترجمه جيرار دي نرفال الى الفرنسية)، من خمسة فصول تتتابع أمام أنظارنا على النحو الآتي: تدور أحداث الفصل الأول في مكتب الدكتور فاوست الذي نرصد على الفور ضجره من حياة عقيمة يعيشها ويستعد للانتحار بتناول السم. وهنا يظهر له الشيطان تحت اسم مفيستو، ويقترح عليه أن يعيد إليه شبابه وبواعث اللذة في الحياة، في مقابل أن يسلمه روحه. وهو لكي يقنعه بالقبول يمكّنه من أن يرى طيف مرغريت، الشابة الحسناء التي ستكون له عما قريب، إن هو قبل. فيقبل ويوقع العقد. في الفصل الثاني نجدنا وسط احتفال عند أبواب المدينة، وإلى اليسار حانة يصخب فيها جمع من الجنود والبورجوازيين والطلاب وهم ينشدون أغنية «نبيذ أو جعة» التي ستصبح شهيرة لاحقاً وستكون واحداً من النماذج التي سيبني كارل أورف انطلاقاً منها عمله «كارمينا بورانا». ومن بين الحاضرين فالنتان، الجندي الشاب الذي سيرحل الى جبهة الحرب بعد قليل. وها هو الآن يطلب من صديقيه فاغنر وسيبل أن يسهرا على أخته مرغريت ويعتنيا بها. وهنا يظهر مفيستو وسط الاحتفال وينضم إليه فاوست. وحين تظهر مرغريت يحاول فاوست مغازلتها والدنو منها، ولكنها تصده مبتعدة عن المكان في سرعة. وفي الفصل الثالث ننتقل الى حديقة منزل مرغريت، حيث يدخل سيبل الموله بها ليضع باقة من الورد قبل أن يخرج من دون أن يتنبه إليه أحد. وبعد ذلك يدخل فاوست ومفيستو الى الحديقة، ويندفع فاوست منشداً: «أيها البيت العفيف النقي سلاماً»، فيما يترك رفيقه في المكان صندوقاً مملوءاً بالمجوهرات. وإذ تعود مرغريت الى المكان تجد باقة الورد وصندوق المجوهرات، وتسأل مربيتها مارتا من يكون ذلك العاشق الذي ترك لها كل هذا تعبيراً عن حبه. وهنا يظهر مفيستو وفاوست. مفيستو يمارس قواه السحرية على زهور الحديقة فيما تشعر مرغريت بانجذاب الى فاوست وتدعه يقبلها.
ويدور الفصل الخامس في غرفة مرغريت. وهذه وضعت لتوها طفلها الذي أنجبته من فاوست، غير أنها تبدو غارقة في أحزانها لأن حبيبها هذا قد آثر هجرانها. أما سيبل الوفي دائماً لحبه لها، فها هو بجانبها محاولاً مواساتها والتخفيف عنها. وإذ تنتقل الأحداث الى الساحة العامة تطالعنا مسيرة الجنود العائدين من الجبهة ومن بينهم فالنتان، شقيق مرغريت، الذي ما إن يدري بما حدث حتى يقرر الانتقام لشرف أخته. وهنا يظهر فاوست مجدداً ويتقاتل مع الجندي الشاب. ويصاب هذا الأخير، نتيجة التقاتل، بجروح مميتة، وفيما يكون في حال احتضار، يلعن أخته الى أبد الآبدين. تحاول مرغريت الصلاة والاستغفار بيد أن الشياطين تظهر لها مانعة إياها من ذلك، فتقاوم وتنهي صلاتها قبل أن تسقط مغشياً عليها.
ستارة الفصل الخامس والأخير تنفتح على كهف مزين، في وسطه مأدبة عامرة بأطعمة احتفال، والمائدة محاطة بوصيفات رائعات وكأنهن قادمات من عمق الأزمان القديمة. ومن فتحة عريضة في جدار الكهف يلوح جبل هارتس الأسطوري. وفجأة يظهر مفيستو وفاوست محاطين بالساحرات. لكن المشهد ينقلب فجأة الى داخل سجن لنكتشف ان مرغريت اذ قتلت طفلها اودعت هنا. لكن فاوست، ودائماً بفضل مفيستو، تمكن من الحصول على مفاتيح الزنزانة، وانضم الى حبيبته وراحا يغنيان معاً «دويتو» الحب، الذي يعتبر الأشهر في تاريخ الأوبرا الفرنسية. وعندما تنتهي الأغنية يسأل فاوست مرغريت ان تهرب معه، لكن هذه ترفض، لأنها تريد من العناية الإلهية ان تغفر لها بمعاقبتها على ما فعلت. ويدب اليأس هنا في أوصال فاوست الذي يخر مفجوعاً على ركبتيه، فيما تطير روح مرغريت نحو السماء.
واضح من هذا السرد ان غونو لم يقدم عمل غوته بأبعاده كلها، وإنما آثر أن يجتزئ منه ذلك القسم الأكثر رومانسية وامتلاء بالخبطات المسرحية، كما يجدر بالنص الأوبرالي ان يكون. ومن هنا يمكن النظر الى «فاوست» الأوبرا باعتبارها شيئاً آخر غير «فاوست» المسرح. وكذلك يمكننا ان نميز «فاوست» غونو، عن غيرها من الأعمال الموسيقية التي استوحت الأسطورة الشهيرة بدءاً من أول أوبرا استوحت «فاوست» وكانت للألماني لودفيغ سبوهر (1784 - 1859)، مروراً بالمقاطع السبعة التي لحنها ريتشارد فاغنر (1813 - 1883) وصولاً الى افتتاحية فون لند باتر الفاوستية، وإلى أوبرا «لعنة فاوست» لهكتور برليوز (1803 - 1869)، وسيمفونية «فاوست» لفرانتز ليست (1811 - 1886) بين أعمال اخرى.
مهما يكن فإن أوبرا «فاوست» تعتبر الأشهر والأكثر حياة بين أعمال شارل غونو (1818 - 1893) الذي ولد في باريس في بيئة منفتحة على الفنون. وهو بعدما درس في ليسيه سان - لوي، نال بكالوريوس الفلسفة في الوقت الذي درس الموسيقى مع الموسيقي انطونان ريشا، ثم اكتشف اعمال روسيني وموتسارت، قبل ان يشارك في مسابقة روما الشهيرة في عام 1837، ويحصل على الجائزة الثانية. ثم حصل بعد عامين على الجائزة الأولى بفضل «الكانتاتا» التي كانت من أوائل أعماله التي انتشرت بسرعة. وهو خلال إقامة تالية له في روما راح ينكب على الأدب (غوته ولارمارتين بين آخرين) مستلهماً منه مؤلفاته. وخلال الفترة التالية اهتم بالموسيقى الدينية. وفي عام 1843 عاد الى باريس مديراً للموسيقى في كنيسة البعثات الأجنبية. وكان في الثلاثين حين ابتعد عن الموسيقى الدينية لينصرف الى الأوبرا والموسيقى المسرحية. ثم عيّن مديراً لأوبرا باريس، ووضع النشيد الوطني الجديد المكرس لمجد «الإمبراطور» نابوليون الثالث. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف غونو عن الإنتاج. واضعاً أعمالاً باتت شعبية مثل أوبرا «روميو وجولييت» و «اليمامة» و «الطبيب رغماً عنه»، إضافة الى أوراتوريو «التوبة» و «موت وحياة»...
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.