بدت قاعة العرض الصغيرة أشبه بفضاء فسيح تحلّق فيه كائنات معدنية شديدة الغرابة. كائنات بلا أجنحة، تتسلق الهواء وتحارب الجاذبية بمهارة. لم تفلح الجدران الملساء، المطلية باللون الأبيض، في إعاقة صعودها وتسلقها. ولم تستطع ملامح وجه قاتم متجهم كبح جماحها. هذا الوجه الذي يراقب المشهد في صمت، محاولاً فرض سيطرته، لكن بلا جدوى، فالكائنات المعدنية مازالت تحلق في فضاء القاعة في تحدٍٍّ لإرادته. يُداعب المشهد حلماً قديماً لدى البشر بالتغلب على الجاذبية الأرضية. غير أن تلك الجاذبية ليست وحدها التي تأسر البشر وتعيق تطلعاتهم، فثمة أشياء أخرى تقوم بالدور ذاته. خليط من الأوهام والأفكار المشوهة تأسرنا وتحد من تطلعاتنا وأحلامنا. أو هكذا بدت فكرة العرض كما يراها الفنان المصري علاء عبد الحميد في معرضه المقام حالياً في قاعة «آرت اللوا» في القاهرة ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري تحت عنوان «الحل هو الحل». ويستغل عبدالحميد إمكانات القاعة الضيقة لخلق تشكيل في الفراغ باستخدام مجموعة من الأشكال المجسمة المصنوعة من قطع الخردة وخامة الحديد، معتمداً على فكرة التحليق كنقطة ارتكاز لتقديم مفهومه الخاص عن التحرر من الأفكار المقيدة للبشر، كما تعد مقاومة الجاذبية إحدى الأفكار الملهمة لأعماله. ويعكس عبدالحميد في أعماله، محاولات الإنسان للهروب من إيقاع العصر الحديث الذي وجد نفسه متورطاً فيه بكل أشكاله، بدءاً من اعتماده المتزايد على بطاقات الائتمان، إلى نظم التقسيط، وطوابير السيارات في انتظار حركة السير البطيئة، حتى باتت فكرة التحرر هذه، مع الوقت، حلماً بعيد المنال. أما عنوان المعرض «الحل هو الحل» فهو جملة يحاول عبد الحميد من خلالها إعادة صوغ أو إيجاد بديل لشعار «الإسلام هو الحل»، موضحاً أن أي مشكلة يكمن حلها، ببساطة، في الحل الخاص بها كمشكلة ذات حيثيات معينة، وليس في أي شيء آخر! يقول عبد الحميد: «في هذه التجربة أركز على محاولات الإنسان الخروج من سيطرة أي قوة تقيد حريته الفكرية وانطلاقة عقله. فإذا كان التحليق هو حلم الإنسان بالتحرر من أسر الجاذبية، فالتحليق هنا هو رفض لأي تفكير متطرف يذهب بنا بعيداً من جوهر الدين، ورفض كل التطرف». ويضيف الفنان الشاب: «فكرة العرض هي رد فعل لما ظهر على السطح، خلال الفترة الماضية، من تبنّي بعض القوى والجماعات الدينية آراء بعينها، تحاول فرضها على الناس وتدفعهم إليها دفعاً باسم الدين. وما حدث خلال الاستفتاء الأخير على الدستور المصري هو نموذج فج لهذه الأساليب التي يستخدمها البعض لفرض الهيمنة والوصاية على عقول الناس. ورمزت إلى هؤلاء بهذا الوجه القاتم المتجهم المرسوم على أحد جوانب القاعة». وعلاء عبدالحميد من مواليد1981، نحّات وكاتب، يعيش ويعمل في القاهرة، تخرّج في قسم النحت في كلية الفنون الجميلة العام 2008، وله العديد من المشاركات الفنية والنشاطات الثقافية المختلفة، من أهمها معرض «واقعية سحرية» (2010). حصل على العديد من الجوائز، منها الجائزة الأولى في سيمبوزيوم النحت في جامعة أسيوط (جنوب مصر)، وله تحت الطبع رواية عنوانها «فرد آمن». ويعتمد عبدالحميد في أعماله التشكيلية على خامة الحديد وقطع الخردة المهملة، وهو الأسلوب الذي استهواه أخيراً لما ينطوي عليه من متعة الاكتشاف، على حدّ قوله.