أمير حائل يشهد حفل التخرّج الموحد للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني    أمير المدينة يكرم الطلاب الحاصلين على جوائز محلية وعالمية    وزير الاقتصاد والتخطيط يبحث مع الوزيرة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية العلاقات الثنائية بين السعودية والنمسا    رونالدو يعلق على انجازه في الدوري السعودي    رياح مثيرة للأتربة على الرياض    ارتفاع أسعار النفط إلى 84.22 دولارا للبرميل    "البحر الأحمر" تسلم أول رخصة ل"كروز"    المملكة تفوز بجوائز "WSIS +20"    الدوسري: التحديات بالمنطقة تستوجب التكامل الإعلامي العربي    الهلال يمًدد تعاقده مع جورجي جيسوس    القادسية يتوج ب"دوري يلو"    إضافة خريطة محمية الإمام لخرائط قوقل    وزير الداخلية يدشن مشروعات حدودية أمنية بنجران    "الشؤون الاقتصادية": اكتمال 87% من مبادرات الرؤية    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    للمرة الثانية على التوالي.. إعادة انتخاب السعودية نائباً لرئيس «مجلس محافظي البحوث العالمي»    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    70 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الحلال    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    سعود بن نايف: الذكاء الاصطناعي قادم ونعول على المؤسسات التعليمية مواكبة التطور    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    ولاء وتلاحم    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    إخلاص وتميز    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرسام السوري ناصر حسين يعيدنا إلى زمن الأوهام السعيدة
نشر في الحياة يوم 11 - 04 - 2011

حين سألت الرسام السوري ناصر حسين: «من تهوى من الرسامين السوريين؟»، قال على مضض: «في وقت ما أوهمت نفسي بضرورة أن أكون مثل الآخرين فأظهرت اعجابي بتجربة فاتح المدرس ولكن ذلك لم يستمر طويلاً. لقد عدت إلى نفسي ولم أصدق الكذبة. لا شيء يربطني بالرجل. بذلك الرسام بالذات»، «لن تكون سورياً إذاً»، قلت له مستفزاً. قال بهدوء واستسلام: «ليكن». هذه الواقعة لا تحدد موقف ناصر من رسوم الآخرين بقدر ما تلقي الضوء على علاقته برسومه. فهذا الرسام ينتمي إلى القلة التي لا تزال تجد في التعبيرية نوعاً من الغنى الخيالي. في إمكان رسومه التي تذكر بزمن الرسم السعيد أن تستفز الذاكرة لتنفتح على فضاءات كان فيها الجسد الانثوي يلهم شعوراً نادراً بقيمة الجمال. نتذكر ديغا، مودلياني، ماتيس من غير أن ننسى النمسوي ايغون شيلا. غير أن ناصر وهو الأكثر تقشفاً واقتضاباً حرص على أن يقبض على حساسيته الجمالية في موقعين متناقضين: يود لو أنه اختفى من غير ان يتركك وحدك. وهذا ما تفعله رسومه بالضبط، حين تبدأ علاقتها بمتلقيها من لحظة حسية صادمة لتتخطى بعد ذلك لذة النظر المباشر ولتستقر في منطقة عميقة من الروح التي تناور من أجل ألا تكون هدفاً.
فتاة وحيدة تكفي. منسية على السطح. عالقة بهواء اللوحة. هي وذلك الهواء شيء واحد. هناك المدينة التي لم تُرسم. دمشق هي بيت فتيات هذا الرسام المنسيات. يتنفسن هواء المدينة العتيقة. يذبلن ويشحبن ويتعففن عن ذكر غذائهن الارضي، غير أنهن لا يتنازلن عن الوهم: كونهن العلامة الوحيدة التي تشير إلى حياة غنية بخفائها، بظليّتها وبترفعها. العالم كله هامش لشخص وحيد. يرسم ناصر نصف ذاته الانثوي. تلك الذات الهاربة من كل تصنيف. فالرسام لا يرسم مشاهد يلتقطها من محيط مرئي، بقدر ما يتماهى مع قوة لا مرئية ليحيلها من خلال الرسم إلى مشاهد يمكنها أن تكون مرئية، وإن لمرة واحدة. تلك المشاهد لا تخضع للبصر إلا بصفته فعل تأمل غيابياً. مشاهد ليست مشتقة من واقع عياني بل هي لذاتها تشكل عالماً نافراً ومتمرداً يرث ذاته وينفيها.
الرسم لدى ناصر حسين هو فعل تقطير. تلك المرأة الوحيدة هي إذاً نوع من خيال قطرة عطر. ستفوز الفتاة وحدها بالرؤية، بل بالحواس كلها وهي التي تتشبه بقطرة عطر. تنساب وترتخي وتنتشر وتتهادى وتفوح وتتسلل خفية مثلما يفعل العطر تماماً. التقطير ينتهي إلى تكثيف. خفة تنطوي على كثافة هي مزيج من القدرة المتخيلة على ابتكار مادة جديدة ومن مجاراة الواقع في احتفائه بانتقاله من حال إلى حال. الحياة نفسها تتغير حين الرسم. مادة تفصح عن رغائبها المتقاطعة والمتشظية. ضحكة الفتاة مسموعة. دمعتها مرئية. لكن أين يقع وجهها؟ ذلك الوجه المحلق لا يقع في مكان بعينه. الوجه الهارب الذي لا يكف عن التدفق. لا ينقطع عن سيرته، لكنه يتمها بطريقة سحرية: يلهمها ضربة فرشاة واحدة.
يضع ناصر حسين الرسم موضع الكلام المفقود. «هناك صمت كثير» ولكن الرسام لا يفارق عاداته الصامتة. في الرسم يحل صمت من نوع آخر. صمت كثيف هو عبارة عن غلالة شفافة يلهم النظر إليها الرغبة في تلمس الطريق إلى ألغاز كامنة، هي بقايا ذلك المزيج الساحر من النظر المباشر إلى موديلات حية ومن تخيل هيأة المرأة المثالية. «هي ذي» سيقول كما لو أنه يحلم. هو لا يرى إلا خيطاً من دخان. كائنات خفيفة قادمة من نوم عميق. ظليات تنتمي إلى عالم يتوارى لا يزيده مظهره إلا غلواً في الخفاء. لذلك تبدو فتيات الرسام متمنعات لا يسرهن أن يكنّ موضع استفهام. ما أشد الشبه بين الرسام وبين ما يفعل. يدير الرسام ظهره لحياة ممكنة. تبرع الرسوم في الاخلاص لخيالها. في المسافة بين الرسام ورسومه تنشأ حياة برية يغلب عليها طابع الافتراض. حياة تتلفت في اتجاهين: الرسام وما من رسوم، الرسوم وما من رسام. فتاته وحيدة مثل تلك الحياة.
هذه رسوم تحيطنا بترف اسطوري على رغم زهدها وعدم اسرافها. وهنا بالضبط يكمن سر التعبيرية الجديدة. لقد عرف ناصر حسين ما الذي يتعلمه من الألمان (أكمل دراسة الرسم في المانيا): شحنة اليأس الغاضبة التي لا تكف عن التماهي مع حيويتها الكامنة. كان التعبيريون الجدد في المانيا دعاة مستقبل لا يقبل التسويات التي تتستر على الألم. لذلك راهنوا على الخط عنصر تعبير حاسماً ولم يهتموا باللون ولم تغرهم مساحاته البهيجة. كما لو أنهم كانوا يكتبون، انغمست أياديهم في تفكيك أسرار ذلك الحد الوهمي الذي يتساقط من الجسد، الاثر الذي يخلفه الجسد في الهواء. ولأن الخط في الرسم لا وجود له في الواقع، فقد كان العالم الذي يشير إليه وهمياً، على رغم أنه يستطيع أن يجسد أشكالاً ندركها بصرياً. تظل تلك الأشكال التي هي هبته جزءاً من لعبته التي لا تكف عن تغيير تقنياتها. ناصر حسين لا يرمم خطوطه بل يرعى فوضاها الداخلية. ولعله يعرف أن كل مليمتر منها هو كنز من العاطفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.