مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    أبها يتغلب على الاتحاد بثلاثية في دوري روشن وينعش آماله في البقاء    المملكة وأذربيجان.. تعاون مشترك لاستدامة أسواق البترول ومعالجة التغير المناخي    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام أبها    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    قصة القضاء والقدر    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربع كاتبات ينتصرن بالخطأ... للرجل
نشر في الحياة يوم 12 - 10 - 2009

هذا كتابٌ عنصريّ. ولئن تكن العنصريةُ مذمومةً فلسفياً وعقائدياً واجتماعياً وسياسياً، فإن لها بعض الشرعية عند الكلام على الأدب والفن. بل لعلّني أتجاوز وأقول إن الفنَّ في جوهره العميق قائمٌ على العنصرية، وإن لم نتهمه بذلك صراحةً في محكمة الأخلاق. فلم يتهم أحدٌ الرسام الفرنسي رينوار بالعنصرية لأنه قَصَرَ عصارةَ ريشته على أجساد النساء، ولا أحد رمى مودلياني بها حين تخصص في رسم وجوه النساء، حتى وإن انتزع منهن عيونهن، وكذلك نجيب محفوظ لم نره عنصريّاً لأن الحارةَ الشعبيةَ المصرية كانت بطلة رواياته الوحيدة. الفنُّ إن لم يكن عنصريّاً، غدا حياديّاً باهتاً لا طعم له مثل الماء الفاتر. ثمة خيطٌ من العنصرية واللاحياد ضروريٌّ في نسيج الفنّ خليقٌ له أن يحقق الصدمةَ اللاذعة التي تجعل منه أدباً أو فنّاً أو موسيقى أو قطعةً نحتية مائزة.
وصلني هذا الكتاب «العنصري» بالبريد، ممهوراً بإهداء موقّع بأسماء أربع نساء: نعمة ناصر، فاطمة هميسة، دينا يسري، ريهام زينهم. انهن مؤلفات متن الكتاب «التخلّص من آدم» - خواطر نسائية جدّاً، الصادر حديثاً عن دار «أكتبْ» المصرية، وكتبت له مقدمةً قصيرة امرأة خامسة هي عبير سليمان. يضم الكتاب قصصاً ونصوصاً مفتوحة وقصائدَ نثريةً وخواطر. والكتاب غُفلٌ من نبذات عن المؤلفات أو سير ذاتية لهن؛ ولذا يحقُّ لنا أن نظن أنهن فتياتٌ صغيراتٌ، أو شابّاتٌ يافعات، أو نسوةٌ ناضجاتٌ، أو كهلاتٌ طاعناتٌ في العمر. كلُّ قارئ سيضع لكل كاتبة منهن تصوّراً يستخلصه من روح كتابتها وكلماتها ومدى امتلاكها أدواتها الوجودية والتعبيرية واللغوية. على أنني لم أرم الكتاب بالعنصرية، لأن مؤلفاتِه جميعهن نساء، ولا حتى لأن العنوان يشي بإقصاء الرجل «آدم» من الحياة، أو حتى تصفيته، لمصلحة بقاء جنس المرأة، كما فعل الياباني كاواباتا في «بيت الجميلات النائمات» مثلاً، بل جاءت عنصريتُه على عكس ما وشى العنوان. هذا كتابٌ عنصريٌّ لمصلحة «الرجل» وحده، وليس لمصلحة المرأة كما حاول العنوانُ أن يوهمنا، وكذا الغلافُ الذي شطرتْ فيه رصاصةُ مسدس كارتَ الورق الحامل صورة الملك «الرجل». فالرجلُ موجودٌ بكامل ثِقله في أذهان أولئك النسوة الأربع، حتى بات حلمُ التخلّص منه لوناً من الحَّج إليه. وهنا، لم أُدهش حين صدّرتِ الكاتباتُ كتابَهن بمقولة «رجل» هو أبو حيّان التوحيديّ: «القلبُ ذهنٌ يحوم حول معنى مستحيل».
تقول عبير سليمان في مقدمتها: «الكاتبات الأربع أحببن بشدّة، وكرهن من فرط الحب. لأن حبّهن كلفهن الكثير الكثير وأرهقهن فتمنين لو يتعذب مَن أحببن بمثل عذاباتهن. تمنت كل واحدة منهن أن يحترق مَن تحب ويمد يده لها لتنقذه. تمنت أن يكون على شفا الموت ويناديها وحدها. تمنت لو يعبدها وهي تتمنع عليه. إن مثل هذه العذابات جعلت مخيلتهن تموج بصور العداوة والانتقام والقتل والكراهية المعلنة، ذلك أنهن أحببن جدّاً، فكان حبهن قاسياً ولاذعاً في نفور وبغض بقدر ما فيه من عشق. إنها لعنة الحب».
وبعيداً من الإدانة الأخلاقية التي يمكن أن نصبَّها على تلك الكلمات، لأن الفنَّ ليس عليه بالضرورة أن يمرَّ من بوابة الأخلاق، وحتى بعيداً من هنات اللغة المفرطة التي كانت تستوجب أن يمرَّ هذا الكتاب الجميل على مدقق لغوي لكي يخرج كما يليق به، إلا أننا، بعدما نقرأ نصوص تلك الفتيات، لن نجد كراهيةً ولا عداوةً ولا رغبة في الانتقام أو القتل، لن نجد إلا عشقاً صافياً وتدلّهاً مفرطاً في الحب، حتى في لحظات مراودة الانتقام والقتل والتعذيب، الذي تودُّ البنت إذاقتَه لحبيبها الرجل.
تقول ريهام زينهم، في القصة التي تحمل عنوان الكتاب: «غداً يومٌ آخر، يعيدني لأكتب إليك من جديد، عن الطرق المشروعة لقتلك». ثم تستعرضُ مزايا او عيوب بعض أدوات القتل المعروفة من رصاص، إلى أنشوطة خنق، حتى تقرّر في الأخير أن تتبنى أسلوبَ انتحار كليوباترا فتقتل حبيبها بسم الأفعى، لنكتشف أن الرغبة في الانتقام من الحبيب قادتها إلى منتهى العشق الأسطوريّ، ذاك الذي خلّدته حكاية كيلوباترا وأنطونيو. وتقول دينا يسري: «دونك، هي نصفُ امرأة ترقد في زاوية مهملة من الليل، وتسألني عنكَ في وهنٍ...، وقبلَ أن تعودَ حبراً على ورق ورماد ذكرى، تُرسلُ لها قبلةً أخيرة، عبر الهواء وبخيبة واضحة توليها ظهرك، تاركاً إياها في حالة غضب». وتقول نعمة ناصر: «سيدي وحبيبي، ضياعي لديك، على رغم كونه غايتي، إلا أنه محيط ألمي، عشقي الأبدي». أما فاطمة هميسة فتقول: «أستيقظ كل صباح بذات النشوة التي أحسستها عندما كنتَ معي. ألامسُ وسادتك بدفء، برفق، أبحث عن بضع شعرات قد تناثرت منكَ عليها».
وهكذا خرج الكتابُ الذي افتُرِضَ له، عبر عنوانه كعتبةٍ أولى للكتاب، أن يخرج كبيان ضدٍّ للرجل، بيان تصفية وإقصاء وقتل، لم يكن إلا وثيقة اعترافٍ بالعشق والتدلّه في ساحة الحبيب «الرجل»، ليس إلا قرباناً تقدمه النساءُ على مذبح الرجل، واعترافاً أبديّاً بديمومة حاجتها إليه. اللهم إلا إذا تحليّنا ببعض السماحة النقدية وسعة الأفق التي تجعلنا نفكّر أنه لونٌ من التطهر الأرسطيّ من عشق الرجل؛ من طريق جلد الذات بمزيد من سياط العشق له. تماماً مثلما يفعلُ المَصْلُ الطبيُّ بحقن المريض ببذور من خلايا المرض، لكي تفرزَ خلايا المريض مقاومات طبيعية للمرض، من لدن الجسم البشري ذاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.