أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على صاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن خالد بن عبدالله بن محمد آل مشاري آل سعود    الرياض تستضيف تجمعا عالميا لحوكمة الشركات الخميس المقبل    ولي العهد يستقبل رئيس وزراء بريطانيا ويعقدان لقاءً موسعًا    رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن يدشن الندوة السنوية 16 للأبحاث الانتقالية ويطلق هوية مركز أبحاث العلوم    العيسى: حل الدولتين هو الخيار الوحيد والعادل لسلام المنطقة    شراكة تاريخية وآفاق واعدة: زيارة رئيس الوزراء البريطاني تعزز التعاون السعودي-البريطاني    "واعي جازان" تشارك في ملتقى التطوع    استشهاد عشرة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على وسط قطاع غزة وشماله    تعليم الطائف ينظم ورشة بعنوان معاً لمكافحة الفساد لمنسوبيه    «صيدنايا».. السجن الأكثر رعباً في العالم    هيئة حقوق الإنسان يستعرض خدمات الأشخاص ذوي الإعاقة في العديد من القطاعات    أمانة القصيم تشارك في ملتقى اليوم السعودي العالمي للتطوع    سعود بن بندر يدشن أعمال ملتقى صيانة الطرق بالخبر ويستمر يومين    الكرملين يرفض تأكيد وجود بشار الاسد في روسيا    نائب أمير منطقة جازان يُدشن فعاليات "لقاءات جازان 2024"    ارتفاع طنيَّات المناولة بالموانئ بنسبة 4.29% خلال نوفمبر 2024م    "إرادة":الدعم الأسري والمجتمعي مهمان لعلاج المصابين باضطراب ما بعد الصدمة    الزميل مصلح في ذمة الله    أكثر من 100 فرصة عقارية بمزاد فرص المملكة    تحت رعاية الملك.. «التخصصات الصحية» تحتفي بأكثر من 13 ألف خريج من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2024    ارتياح سعودي للخطوات الإيجابية لتأمين سلامة الشعب السوري    في الشباك    الاستضافة إنجاز لو تعلمون عظيم    الأخضر يبدأ معسكره لكأس الخليج الخميس المقبل    الانحراف المفاجئ يتصدّر مسببات الحوادث في الحدود الشمالية    في مسار الجهات الحكومية.. «العدل» تحقق جائزة العمل التطوعي    المعازيم    جائزة محمد بن سلطان تشارك في الاحتفال بتكريم الطلبة ذوي الإعاقة الموهوبين    مركز الملك فهد الثقافي بالأرجنتين يكرم السفير العسيري    منى زكي: «الست» يمثل تحدياً كبيراً في مسيرتي    سعود بن جلوي يُدشّن الكلية التطبيقية بجامعة جدة    فيصل بن بندر يطلع على جهود مطارات الرياض    5 أطعمة غنية بالكالسيوم لصحة العظام    يدخل غينيس بتفجير البالونات!    قوة الشعار    زواجاتنا بين الغلو والفخامة والتكلف والبساطة «2»    الشباب : باعتراف لجنة الحكام .. أخطاء الحكام أثرت في نتيجة مواجهتنا أمام الهلال    النصر يعود للتدريبات .. والبحث عن مباريات "ودية"    ثلث الكائنات مهددة بالانقراض    أهمية الانضباط في استخدام المترو    الصمت.. دروس من أعلى القِمم    كانت مجرد مصادفة لكنها حياتك التي تغيرت    تصاميم مبتكرة    آثار أخلاقية للذكاء الاصطناعي وتأثيراته    في مختلف الفعاليات والمناطق المتنوعة.. موسم الرياض يستقطب 10 ملايين زائر    تطبيق الدنيا حياة وموت    سعود بن جلوي يُدشّن الكلية التطبيقية بجامعة جدة وفروع الكلية بمحافظتي خليص والكامل    من هي المرأة في تمثال الحرية ؟    عصير البنجر.. لخفض ضغط الدم وصحة القلب    تطوير خاتم ذكي يكشف الأمراض التنفسية    براز الإوز مضاد للسرطان    مصر: غرق ميكروباص بداخله 14 راكباً في «ترعة» بأسيوط    نسخة محدثة من كما وصلني (حدثني ثقات)    مثمنًا الثقة الملكية بتجديد تكليفه نائبًا لمفتي المملكة.. "العواد": وسام فخر أعتز به    الأمير سعود بن نهار يتفقد المراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    «مشاهير العالم» يوثقون معالم قبلة النور    العلاقات واختلاف وجهات النظر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة نجلاء بنت سعد بن محمد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجارب المبدعين ومحاولات الهامشيين

يتاح لعدد كبير من المحسوبين على الثقافة والإعلام توجيه النقد اللاذع لفئات من المجتمع، ووصمها بأبشع الصفات التي تخرج عن باب اللياقة. ويندر أن تجد من هؤلاء مدحاً أو ثناء على مجتمعه أو رفعاً لمعنوياته. حيث يعتقد بعض المثقفين وكذلك بعض أطياف المجتمع بأن المثقف إنسان دائماً يجنح نحو الرفض والتمرد. فيما يغرق آخرون من المثقفين والإعلاميين، في المصطلحات والتفنن بها وتركيب الجمل الرنانة الغامضة، حيث يعتقد كثيرون بأن الثقافة أو اللغة الإعلامية هي هذا النمط من الحديث، فيفرط فيه ليخفي سوءته وضحالته الفكرية.
ويجنح بعضهم إلى التنظير للمجتمع وأعماله والعاملين فيه (ينبغي كذا، ولا ينبغي كذا، يجب هذا، ولا يجب ذاك) فيما تقل مشاركة هؤلاء في الأعمال الميدانية الاجتماعية، فتجده فقط ينظر من وراء مكتب حشر نفسه فيه، وكاد لا يصدق أن المكتب والكرسي من الخشب الذي يسوس، أو من الحديد الذي يصدأ!
وهذه اللغة في تناول المثقف للحوار أو التخاطب مع القارئ، تسمى لغة «النخبة»، وهي مصطلح يطلقه عادة المثقف الافتراضي كنوع من الترفع عن القارئ أو حتى على زميله في المهنة، الذي هو من وجهة نظره لا يزال يراوح في اعتماده على لغة خطابية تجاوزها الزمن. وتُشكل هذه المرحلة التي يكتب فيها هذا «المثقف النخبوي»؛ ويترفع عن الآخرين في مصطلحه وإدارته لمفاهيمه وتداوله لقضايا الأزمة الحقيقية التي تتيح لمثل هؤلاء الهامشيين فرض محاولاتهم بين تجارب المبدعين.
وفي الحقيقة، فإن الأزمة تتفاقم مع بروز ظاهرة التدجيل والتنظير في تناول الأدب والفكر، الذي جعل غالبية الناس عندنا، «نخبويين»، على حسب فهم كل واحد منهم لهذا المصطلح الافتراضي، بحيث لم تعد هناك حدود تفصل أو تفرق بين تجارب المبدعين ومحاولات الهامشيين، الذين يحاولون إثارة الانتباه بإلغاء رموز رجالات الفكر والأدب «الحقيقيين»، من دون وجود مبررات موضوعية سوى الرغبة بالتشهير وتسجيل المواقف العشوائية، التي لا تقتل في النهاية سوى أصحابها.‏
ان «مثقف النخبة» هذا، عادة ما يمثل آمال «النخب» التي يطربها وتطرب له، بعيداً من المثقفين الحقيقيين «المبدعين»، الذين يتناولون آمال الأمة وتطلعاتها. فمثقف النخبة يحب نفسه، ولا يتطلع إلا إلى ذاته المريضة بهذا الوهم، ولا ينشط إلا بمقابل، مثل مثقف السلطة الذي يمثل السلطة، فهو منظّرها ومرشدها، يبرر لأخطائها، ويبحث عن مخرج لمأزقها، بعيداً من ضمير الأمة ونبضها، وهذه النموذج يبقى بريقه ما بقيت السلطة، وينتهي بانتهائها.
أما المثقف المبدع فهو مثقف الأمة، وقلبها النابض وضميرها الحي وعقلها المفكر،، يعمل لرقيها ونهضتها، فهو كالشمعة التي تحترق لتبدد ظلمة الأنانية والجهل والظلم والاحتكار والاستبداد، يمثل آمال الأمة وتطلعاتها، ويحفظ قيمها ومبادئها، يتصدى لهجمات الأعادي الفكرية التي تستهدف هوية الأمة، منافحاً ومدافعاً عن خصوصية الأمة وهويتها، فهو يتفانى للحرص على الوطن والمواطن معاً. والمثقف المبدع هو الذي يلتفت إلى مجتمعه وقضاياه وآلامه ويحمل خطابه الثقافي هوية المجتمع الذي ينطلق منه ويعالجه.
فمن هنا تكمن معاناة المثقف والمفكر في مجتمعاتنا، من أنانية هذا «المثقف الأناني» ومن التسلط العام والشامل في تلك المجتمعات، فأصبح من الطبيعي جداً أن تجد مثقفين وإعلاميين مكبلين فكراً ومقيدين منهجاً.
لقد قيل إن «الإنسان ابن بيئته»، لذلك أفرزت تلك البيئة نماذج من مثل هؤلاء، منهم «مثقف السلطة، ومثقف النخبة؛ ومثقف الحزب، ومثقف السلطان. ومثقف القائد»، ولكن؛ للأسف تم تغييب مثقف الأمة، الذي تتجسد في فكره وثقافته، آمال الأمة وطموحاتها، ومشاريعها، وهذه النوعية (أي مثقف الأمة)؛ لا تنشأ إلا في أجواء تنعم بالحرية والشفافية. وهذا النوع من المثقف يندر وجوده في مجتمعاتنا، فمثقف الأمة هذا يمثل بوصلة الاستشعار، فهو يعيش من أجل «فكرة» يسعى لنشرها، ويظل يقاوم من أجلها، وقد يموت لتحيا. إذاً، المثقف المبدع هو روح الأمة، وسر نهضتها، وقائد مسيرتها، فالأمة من دون ذلك المفكر والمثقف، كالقطيع من دون راع... المثقف المبدع يظل هو المفكر الذي يؤثر في وجهة الأمة وتطورها وقوة نهضتها.
إن ما تعج به الساحة العربية من أسماء تبرز على صفحات الجرائد والمجلات وفي الفضائيات، هم أشباه لذلك «المثقف النخبوي»، فهم يتأثرون بمن حولهم أكثر مما يؤثرون، ويغيرون خط سيرهم ونهج تحليلهم ألف مرة، ولا تجد لهم أثراً في نهضة الأمة ومجريات الأحداث، فهم أشبه بالراقصة التي تميل إلى التصفيق الآتي من جهة أكثر من جهة أخرى.
خلاصة القول إن الناس متساوون في تكوين الثقافة وصورة الإعلام العام، كل من خلال موقعه وتفاعله ودوره في الحياة الإنسانية، من دون النظر إلى الفوارق الأخرى المكتسبة. أما من جانب آخر عندما نتحدث عن المثقف المبدع في المجتمع، فإن الوضع يختلف، حيث لا بدّ في الأخير من اعتبار الفوارق المعرفية والفكرية والعقلية والسلوكية لتحديد المثقف الذي نقصده. فالناس سواسية أو شركاء في تكوين الثقافة، ولكن هذا لا يعني أنهم جميعاً مثقفون مبدعون، لأن المثقف الحقيقي (المبدع) هو الذي يتفاعل مع المخزون المعرفي والتراكمي الذي قامت عليه ثقافة المجتمع، وينقله من دائرة الخمول والجمود إلى دائرة الحراك والنشاط والتفعيل. فهذا المثقف دوره يتجاوز المساهمة في تكوين ثقافة المجتمع المسيطرة، فهو يمثل بوصلة الاستشعار للأمة وعنوان تعريفها وسط الأمم، وسر نهضتها، وخط دفاعها الأول. وهذه الأدوار لا يمكن أن تقوم بها «شريحة النخبويين» في المجتمع، كما يحلو لبعضهم أن يجمع أكبر عدد من الأسماء على صفحات جرائده، أو مواقعه الإلكترونية، هذا صاحبي وهذا مقرب مني، وهذا يخصني، وهذا بايعني، وذاك جاري، وتلك معجبة، وأحدهم نديمي، والآخر صهري أو نسيبي، من صفات التقرب والتحبب لنشر محاولات الهامشيين. ولعل سوء الحال الذي نعيشه في مجتمعاتنا؛ يعود إلى غياب المثقف النوعي الذي يحمي الأمة في فكرها وقيمها وأخلاقها وسلوكها، ولعلنا نصبح كالمثل القائل: «إذا غيبنا القط تركنا للفئران مجالاً واسعاً للركض واللهو في بيوتنا، مما سيسمم مأكولاتنا وأوانينا، وينغص علينا عيشنا».
ففي هذه الثورات التي تشتعل في الوطن العربي، وغياب المثقف عنها من دون مبرر مقنع: هل هناك من يشاركنا هذا الطرح الحيوي الذي يربط المثقف بهوية المجتمع، وبمسؤوليته التاريخية ودوره في الإصلاح السياسي والإداري، والتغيير الناضج والواعي لواقع الأمة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.