صورة سيف الإسلام معمر القذافي تلعب في فضاءات الشاشة الصغيرة، فهذا الشاب الذي جرى تسويقه خلال العقد الفائت باعتباره رجل العولمة والتحديث في ليبيا، وجد نفسه وجهاً لوجه أمام استحقاق بالغ الحدّة: هل يستطيع أن يقدِّم نفسه للشعب الليبي من خارج انتمائه العائلي؟ وبكلام أوضح، هل يستطيع سيف الإسلام أن لا يكون قذافيّاً؟ في المشهد التلفزيوني الليبي رجل يدافع بشراسة تفوق شراسة أبيه عن «العرش» الذي يهتزُّ تحت ضربات الثورة وصيحات متظاهريها. ولأنه يفعل ذلك بشراسة عالية، انهارت صورته القديمة بسرعة لافتة لتحل مكانها صورة «الوريث»، الذي يجد أن عليه أن يقود شخصياً الثورة المضادة من أجل استعادة ملك أبيه، ولو كلَّف الأمر عشرات الآلاف من الضحايا في صفوف المواطنين الليبيين ومن كل الأعمار. الصورة التلفزيونية ليست بالتأكيد وجهاً واحداً، فهي إذ تسمح لسيف الإسلام ببث رأيه وشكاواه، ومحاولة رسم المشهد الليبي كما يشتهي، إلا أنها في الوقت ذاته تسمح للمُشاهد المراقب للأحداث بأن يلحظ انعدام الفوارق الحقيقية بين الطاغية الكبير وولي عهده و «قرّة عينه»، الفتى الذي جرى تلميعه، ثم نراه اليوم مطلوباً للعدالة الدولية، بل الذي راحت حصونه تتساقط بسرعة مدهشة، حتى وصلت الى شهادته العلمية، التي باتت على المحكّ بعد تسرُّب الأنباء عن منحة مالية مجزية سبق له أن قدمها للجامعة التي نال منها شهادة الدكتوراه. في الإعلام عموماً، وإعلام الصورة التلفزيونية خصوصاً، يجري الحديث كثيراً عن «صناعة النجم»، وهي مسألة معروفة ودارجة في بلدان العالم كلها، ولكن على وقع أحداث الثورة الليبية، تتأكد لنا مجدداً حقيقة أن صناعة النجم يصعب أن تنجح وأن تستمر طويلاً إن لم تتأسس منذ البدايات الأولى على شيء حقيقي يجري البناء عليه. في حالة سيف الإسلام معمر القذافي، تبدو المسألة معكوسة تماماً، فالصورة كلها جرى تأليفها وفبركتها، ولم تلبث أن تبددت بسرعة لافتة عند أول ارتطام حقيقي لها ولصاحبها بالواقع. التلفزيون يستطيع أن يلمّع... ربما، لكنه بالتأكيد لا يستطيع أن يصنع أبطالاً من لا شيء.