تسرق منيرة عبدالله الأنظار، ما أن تدخل إلى أي مكان، وهي تحمل في يديها طفلها الصغير، المفاجأة التي تصنعها هذه السيدة، تجعل كماً هائلاً من علامات التعجب والاستفهام، تملأ المكان، حيث أنها حولت طفلها الصغير إلى فتاة صغيرة، إيفاءً بنذرها الذي قطعته على نفسها، حين كانت حبلى به، ومنذ أخبرها الطبيب بأنها حامل، نذرت إن كان طفلاً، وبقي حياً، ستلبسه لباس الفتيات لمدة ستة أشهر، بعد أن مات لها قبله ثلاثة أطفال في يوم الولادة، وظناً منها أنها يجب أن تفي بنذرها، وإلا ستفقد طفلها كما فقدت إخوته قبله. وتقول منيرة: «حين فجعت بفقد أطفالي الثلاثة، اعتقدت أنه لن يعيش لي أطفال على الإطلاق، لذا قررت أن أنذر في داخلي إن جاءني طفل، سألبسه ثياب الفتيات لمدة ستة أشهر، وهذا ما قمت به الآن»، مضيفة «تلاحقني نظرات الناس أينما توجهت، لكن هذا لا يعنيني في شيء، حتى أنني قللت خروجي من المنزل، حتى تنتهي هذه الحكاية». ولم تكن منيرة الوحيدة في عالم «النذور» الغريبة، فحكاية سليمة أحمد، لا تقل غرابة ودهشة، ففي العام 1990، رزقت بطفلة ما أن وقعت عيناها عليها، حتى قطعت على نفسها عهداً أن لا يحيي حفلة زفافها، إلا أكبر الفرق الشعبية، وحين حدد يوم الزفاف بعد 21 عاماً، خرجت الأم لتخبر أهل العريس بشرطها الوحيد وتعهدها، وصادف أن عائلة الزوج من العائلات المتدينة والمحافظة جداً، التي ترفض الغناء تماماً، ليحتدم النقاش وتنتهي الزيجة قبل أن تبدأ بانفصال مبكر جداً. وبررت الأم سبب إنهاء زيجة ابنتها بهذه الطريقة بقولها: «لا يمكن إغفال تعهدي، والإخلال به سيجر على ابنتي الويلات طوال حياتها». وفي قائمة النذور أيضاً، تأتي قصة صالح عيسى، الذي قال بعد أن استجاب الله دعاءه ورزقه فريضة الحج، الذي كان ينتظره «لم استطع الحج بسبب ضعف الحال المادية، وكنت وفي كل عام أصاب بالإحباط، حين أرى وفود الحجاج تغادر قريتي، ونذرت لله نذراً إن وفقني ورجعت سالماً من الحج، سأسير حافياً لمدة ثلاثة أشهر، وهذا ما تحقق». ويسرق عيسى الأنظار وهو يجوب الشوارع حافي القدمين، إلا أن قصته باتت فاكهة المجالس والتجمعات، وقبل أيام أنهى نذره الذي قطعه على نفسه». وفيما يرى البعض أن النذور العشوائية «مبالغ فيها»، يراها البعض الآخر أنها «متنفس للضغوطات التي يعيشها أصحابها، وغالباً ما يكونون من البسطاء جداً، وتكون بعد حرقة وألم شديدين». ويؤكد الشيخ صالح الصالح أن «النذر لا يتم إلا بصيغة محددة، ولا يكون إلا في المباحات، فلا يجوز أن ينذر أحد مثلاً إن فاز في لعبة القمار، أن يحج بالمكسب أو يتصدق به على الفقراء، فالقمار أمر محرم، وقصة السيدة التي نذرت أن تحضر فرقة غنائية في عرس ابنتها، هذا أمر يدعو للضحك، فهذا ليس نذراً بل وعداً، وبمجرد تحكيم العقل والتفكير بصورة منطقية، سنجد أن هذا أمر لا يمكن أن يدخل ضمن النذر الشرعي، بل ولا يجب الإيفاء به لأنه محرم». وعن النذور العشوائية التي يطلقها الناس، يقول: «هذه ظاهرة، ومع الأسف موجودة وبكثرة، وأنا شخصياً مرت بي قصص مماثلة، وأغلبها يوضع ضمن خانة الطرافة، فمثلاً سيدة نذرت إن جاءها ولد، ستسميه باسم مقزز، لا يصح ذكره، لأنه جاء بعد انتظار وبعد خمس بنات في مجتمع يفضل الذكور، وفعلاً حين جاءتني بعد مشاجرات بينها وبين زوجها، ضحكت وأكدت لها أنه نذر باطل، ولا يجوز، ومثل هذه القصص الكثير والكثير».