موقف استئناف الهلال بشأن عقوبات الانسحاب من كأس السوبر السعودي    دعم المملكة مثّل حوالي 60% من جملة الدعم المقدم للسودان    رئيس البرلمان العربي يرحب بإعلان رئيس وزراء أستراليا عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية    نونيز ينسجم سريعًا مع «الزعيم»    حرس الحدود بمنطقة المدينة المنورة ينقذ طفلة من الغرق    أوروبا تطالب بمشاركة أوكرانيا في لقاء بوتين وترمب    الجنيه الإسترليني ينخفض مقابل الدولار الأمريكي ويرتفع مقابل اليورو    دمشق تتعهد بمحاسبة المسؤولين عن عملية مستشفى السويداء    نتنياهو يصف مأساة غزة بحملة أكاذيب وأستراليا تدعم الدولة الفلسطينية    اكتشافات أثرية جديدة القرينة    ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس أوكرانيا    في منافسات بطولة الماسترز للسنوكر.. أرقام استثنائية وإشادات عالمية بتنظيم المملكة    لجنة التحكيم بمسابقة الملك عبدالعزيز تستمع لتلاوات 18 متسابقًا    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025| الهولندي ManuBachoore يحرز لقب EA SportFC 25    وزير البيئة يتفقد مشاريع المنظومة بتبوك ويلتقي بالمستثمرين    340 طالبا وطالبة مستفيدون من برنامج الحقيبة المدرسية بالمزاحمية    إنقاذ مقيمة عشرينية باستئصال ورم نادر من فكها بالخرج    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية الصومال لدى المملكة    فريق طبي سعودي يجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية    "انطلاق دورة صقل وترفيع حكام التايكوندو بجدة"    "المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور" منصة عالمية للشراكات الإستراتيجية    نائب أمير الرياض يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    ملتقى أقرأ الإثرائي يستعرض أدوات الذكاء الاصطناعي وفن المناظرة    أخصائي نفسي: نكد الزوجة يدفع الزوج لزيادة ساعات العمل 15%    وزير الشؤون الإسلامية يوجّه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة عن بر الوالدين ووجوب الإحسان إليهما    الدمام تستعد لزراعة 100 ألف شجرة باستخدام المياه المعالجة ثلاثياً بالربع الأخير من 2025    البركة الخيرية تواصل دعم الهجر وتوزع السلال الغذائية والأجهزة في هجرة الوسيع    جامعة جازان تطلق برنامجًا تدريبيًا في الذكاء الاصطناعي    بدء استقبال الترشيحات لجائزة مكة للتميز في دورتها السابعة عشرة    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة قاع الثور    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    النيابة العامة: رقابة وتفتيش على السجون ودور التوقيف    «منارة العلا» ترصد عجائب الفضاء    منى العجمي.. ثاني امرأة في منصب المتحدث باسم التعليم    تشغيل مركز الأطراف الصناعية في سيؤون.. مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية في درعا والبقاع    أخبار وأرقام    أمير القصيم أكد أهميته الإستراتيجية.. طريق التمور الدولي.. من السعودية إلى أسواق العالم    شدد الإجراءات الأمنية وسط توترات سياسية.. الجيش اللبناني يغلق مداخل الضاحية    أكدت أن النووي «حق أصيل».. إيران: التفاوض مع واشنطن ليس تراجعاً    النصر يسعى لضم لاعب إنتر ميلان    عبر 4 فرق من المرحلتين المتوسطة والثانوية.. طلاب السعودية ينافسون 40 فريقاً بأولمبياد المواصفات    رانيا منصور تصور مشاهدها في «وتر حساس 2»    كشف قواعد ترشيح السعودية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم    مقتل واعتقال قيادات إرهابية بارزة في الصومال    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    إطلاق مبادرة نقل المتوفين من وإلى بريدة مجاناً    ثمن جهود المملكة في تعزيز قيم الوسطية.. البدير: القرآن الكريم سبيل النجاة للأمة    حسام بن سعود يطلع على برامج جامعة الباحة    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي 7.9 %    الإفراط في استخدام الشاشات .. تهديد لقلوب الأطفال والمراهقين    ضمادة ذكية تسرع التئام جروح مرضى السكري    185% نموا بجمعيات الملاك    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    نائب أمير جازان يزور نادي منسوبي وزارة الداخلية في المنطقة    جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن مساحات جديدة للسرد الحرّ
نشر في الحياة يوم 20 - 02 - 2011

نبيل سليمان علامة ثقافية فارقة في السجل الروائي العربي المعاصر. ناهيك عن كونه روائياً يصنع في كل نص عالماً جديداً يضعنا وجهاً لوجه أمام تاريخنا المخفي، الفردي والجماعي، فهو ناقد متميز يضع يده في كل لحظة تاريخية على الإشكاليات الحية التي يتوجب علينا الاهتمام بها جدياً.(...)
«حجر السرائر» (دبي الثقافية 2010) رواية عربية في امتداداتها وإشكالياتها المثارة، لكنها دمشقية بامتياز. دمشق الخمسينات. تتداخل فيها الوقائع والأحداث في علاقات وشيجة بالتاريخ الخفي الذي يقربنا من الحاضر أكثر مما يقذف بنا نحو ماض ميت حتى ولو كانت الوقائع بعيدة نسبياً، وكأن الحاضر نفسه لا يتحرك إلا وفق اللحظة الخمسينية التي ثبت فيها: مقتل الغزي عام 1930، الانقلابات العسكرية المتتالية، نكبة فلسطين، سلسلة الخيبات المتتالية والرهانات الفاشلة التي أنهكت المجتمع السوري بين الأربعينات والخمسينات. فقد تحول المشروع القومي إلى مجرد حلبة للصراعات والاقتتال المتواتر في آلية مقيتة.
قوة نبيل سليمان الروائية تكمن في كونه لا يتوقف عند أي حد من الحدود. بل إن الممنوعات والمتداول خطأ، يصبح مادة أدبية مساعدة لتحرر النص الروائي من أسر أسئلة المنع والتاريخ، ما يمنحه قوة كبيرة في القول وتوسيع مساحاته بتفتيش الزوايا الأكثر ظلمة في ميراثنا السياسي والثقافي. كل ذلك يتم وفق لعبة زمنية ومكانية يتحكم فيها نبيل بحرفية الروائي الكبير. فالماضي في «حجر السرائر» لا يأتي إلا ليضيء تاريخاً فردياً أو جماعياً مطموراً. الشخصيات الروائية داخل هذا السياق، ليست مفرغة من الحياة بل هي في صلبها وحاملة لتاريخها وأساطيرها. إهداء الجدة الأحجار الكريمة لحفيدتيها نديدا وابتهال بنتي درة حفظي، هو استمرار لهذه الحياة التي تخترقها جراحات التاريخ وأساطيره. إضاءة حياة رمزي من خلال سرد أخيه الدكتور عبدالواسع الكهرمان الذي يبين كيف أن أخاه عاد من باريس بعد أن ظل وفياً حتى الموت لزوجته، قبل أن تنفيه السلطات الفرنسية بعد عودته إلى الحسكة، ولم تشفع له، لا ثقافته الفرنسية ولا تحضره، كلها علامات عن عالم تخترقه الرغبات الدفينة والجرائم المعطلة والمظالم القاسية.
لا يتوقف نبيل عند حدود السياسي في «حجر السرائر»، ولكنه يدخل في عمق شجن المجتمع السوري الذي لم يحل قضاياه الكبرى التي شغلت تاريخه وتشغل حاضره، وظل رهين أزمات تتكرر باستمرار، تحتاج إلى قراءات مجردة تخرج عن الفهم الجاهز والمسبق للتاريخ. فقصة الحب المأسوية التي جمعت مثلاً المحامي المسلم منذر كتو وزميلته المسيحية ميريل جميرا التي دفعت بهما إلى الهرب من دمشق إلى اللاذقية، بسبب التهديدات ورقابة عيون القتلة، هذه القصة وغيرها ليست إلا استعارة عميقة معبرة عن اختلالات مجتمعية بنيوية عمقها سلباً حاضرنا بدل أن يغنيها بحيث تستجيب حاجات مجتمع مدني في طور التكوين. هناك حالة تراجع كبيرة أمام مكاسب الماضي الذي لم يكن كله نوراً ولكنه لم يكن أيضاً ظلاماً دائماً.
ايحاءات متعددة
يتبدى المشروع السردي الذي بناه نبيل سليمان في «حجر السرائر» من عنوانه المملوء بالإيحاءات الكثيرة. الكهرمان الذي اصطبغت به كل الأسماء، يتجاوز الصفة المباشرة له والتسطيحية، ليتحول إلى خيط من النور متحكم في مسار الرواية وأحلام وأوهام الكثير من شخصياتها. فهو الذي ينظم شبكة القص ويتحكم بخيوطها المعقدة. ليس حجراً عادياً ولكنه حجر تتعلق به حيوات الناس وأوضاعهم وأحياناً حتى سيرهم ومساراتهم المختلفة التي يتحكم فيها الحظ أو سوء الحظ المرتبط بالحجر الكريم الناطق بالأسرار.
مصير أسرة رمزي الكرمان رهين العلاقة بالأحجار الكريمة التي تتحكم ليس فقط بتأويل عنوان الرواية ولكن بمصائر العائلة المتناقضة والمتجاذبة بين الفرح والخوف والخسارات والأمراض. داخل هذه الأحجار والمهنة المتوارثة، تنمو المصائر القلقة والتراجيدية. حجر الحظوظ الغريبة الذي يسمح بالنفاذ إلى السرائر الخفية، الارتباط به هو ارتباط بالحياة. بل إن أحياناً نشوء البلد نفسه ومسار ساسته محكوم بتجليات هذا الحجر السحري الذي يقول حاضراً ولكنه يعلن أيضاً عن مستقبل متشائم أو مفرح للأفراد والجماعات. سورية نهايات الأربعينات وبدايات الخمسينات ارتبطت بهذا المظهر التراجيدي المتناقض الذي تتحكم به من جهة الاغتيالات والجريمة السياسية، ومن جهة أخرى نشوء الأحزاب والتنظيمات النقابية والفنية على رغم المرض الاجتماعي والسياسي المستشري. فقد كان المجتمع على جنونه وحساباته، أكثر انفتاحاً مما نعيشه اليوم عربياً من مشكلة القانون واستقلالية القضاء وصيانة الحريات الفردية. هذه التراجيدية طبعت المجتمع أيضاً بمنظومة من التصورات جعلت التخلف ينتصر على العقل في كل المجالات الحياتية. (...)
رواية «حجر السرائر» أكثر من جريمة قتل الأب الأساسي للدستور السوري، وأكثر من صراعات وانقلابات ملأت نهايات الأربعينات والخمسينات، فهي اندثار لمشروع كامل بدأ قوياً حتى في صوره الأصعب، وانتهى هزيلاً داخل السم والقتل والمكائد المختلفة. وكأن الرواية تقضي من خلال هذه اللحظة البدائية بأن كل ما يبنى على الغلط مآله الانهيار والاندثار مهما بدا قاراً وثابتاً. الجريمة ليست إلا ذلك الفعل الذي أوقف المنظومة المدنية وعوضها بدوار لم يتوقف أبداً منذ الأربعينات إلى اليوم. نحن أمام جريمة سياسية محبوكة الخيوط تشابكت فيها مصالح الكثيرين: الزوجة درة حفظي المتواطئة مع عشيقها خطيب حفظي، وابنتا الضحية ابتهال ونديدا، وأخوه الدكتور عبدالواسع الأليف الطيب لدرجة الرخاوة. وارتباط مسارات هذه الشخصيات الحياتية بمسارات الشخصيات الحاكمة السياسية والعسكرية المتصارعة على الحكم. والغريب في الأمر أن القارئ بمجرد دخوله في صلب الرواية، يصيبه دوار الحاضر ومآزقه أكثر من تاريخ الماضي، وكأننا منذ أكثر من نصف قرن نراوح زمناً لم يتحرك إلا قليلاً ليتقهقر أكثر. فالذي يشغل نبيل سليمان حكاية نسجها وشيدها من علامات القلق لتحمل حاضراً هشاً وتاريخاً لم يبح بكل أسراره. مآلنا اليوم كعرب، صنعه آخرون ونتلقاه بيأس ودوران مفرغ من كل معنى. ولهذا ارتكزت الرواية في العملية السردية على شخصيات نعرفها من كتب التاريخ أو ربما عايشنا بعضها، صنعت تاريخ الشام والتاريخ السوري تحديداً: حسني الزعيم، أنطون سعادة، أديب الشيشكلي وغيرهم، ولكن الرواية لا تتوقف عند حدودها إذ تتداخل مع أسماء صنعها فعل التخييل الذي يلاقي مصائر الجميع في لعبة أدبية معقدة ومركبة في شكل جرائم تتناسل بلا توقف، وهزائم وإخفاقات تتوالد باستمرار من دون أن يبرز أفق ما يفتح بوابات الأمل المغلقة منذ أكثر من نصف قرن. ما يحدث اليوم في الوطن العربي، في تونس ومصر والجزائر واليمن والأردن وغيرها، من هزات عنيفة أعادت الأسئلة القديمة إلى الواجهة، يجعلنا بالضرورة نصغي إلى رواية «حجر السرائر» في شكل مخالف وعلى غير ما اعتدناه، فهي تقوله بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.