تقصت الدكتورة علياء العمري ملامح خطاب الاغتراب في عدد من الروايات السعودية، من خلال قراءة الخطاب وتحليله في عدد من الاقتباسات لمجموعة من الروايات السعودية، وانصب اهتمام الباحثة في هذه الزاوية على فهم أبعاد الاغتراب وملامحه في ضوء عدد من الأطر النظرية الاجتماعية، التي تهتم بالنص وصناعة المعنى، وما إذا كان الاغتراب حالة ذهنية تسيطر على النص ومؤلفه والعقل الجمعي في آن واحد. وأكدت العمري في ورقتها التي قدمتها في الجلسة النقدية بنادي جدة الأدبي أخيراً، وكانت بعنوان «خطاب الاغتراب في الرواية السعودية» أن مفهوم الاغتراب يعد أحد المفاهيم الشائكة والمثيرة للجدل في التراث المعرفي والنظري المعاصر لعلم الاجتماع وفي تاريخ الفكر الاجتماعي، لما يعتريه من لبس وغموض وتضارب في التفسيرات والمقاربات والدلالات، مشيرة إلى أن الاغتراب من المفاهيم المحورية في الفكر الاجتماعي، إذ يتناول ماهية وإشكالية الفكر الإنساني مع الذات والحقائق المحيطة بها من حولها، ويحتاج إلى الكثير من الإيضاح والبحث والتأطير والنحت لفهمه وتحليله وتأويله وتحديد مضمونه وملامحه، ومن هذا المنطلق تعنى الورقة الحالية. وتطرقت الباحثة إلى ثلاثة محاور، فبدأت بمعالجة خطاب الاغتراب كحالة اجتماعية وجدانية، بعنوان «خطاب النفي والمنفى»، وأبرزت بعض ما ينتجه من خطابات أو يضفيه من معاني على البناء الاجتماعي، ثم ناقشت بعنوان «خطاب النكوص»، وفهم الاغتراب العقائدي كمفهوم إجرائي للردة والتراجع في الخطاب الديني، وانطلق تحليلها من السياق الزمني والتاريخي للوقائع الاجتماعية، وانتهت بمناقشة الكيفية التي تتم بها صناعة المعاني داخل الخطاب، متعرضة لخطاب الصدمة الاجتماعية ودوره في صناعة الهوية المشكلة لملامح الاغتراب. وأوضحت العمري أن التغير الاجتماعي الذي حل بالقرى الجنوبية وما صاحبه من مدنية فرضت على النساء التزام المنزل وعدم المشاركة في الفضاء العام، كما كان متاحاً لهن سابقاً بالعمل في الحقل ومشاركة الرجل في الأنشطة الاجتماعية والاحتفالية، إذ طرأ هذا التغير على بنية الحياة الاجتماعية الريفية منذ 30 عاماً تقريباً، الأمر الذي دفع إلى خلق خطاب الانتماء وفقدان الهوية، كحالة تجسد الحنين لحياة سابقة في زمن آني مستلب، زمن كان عرضة للتغير الاجتماعي والثقافي وجاء محفزاً على الاغتراب والفقد في متن الخطاب الروائي. وقالت إن «ظلام الجاهلية» المحملة بالسخرية ترمز إلى وصف القرى الجنوبية التي كانت تتمتع بانفتاح ثقافي مغاير ذي خصوصية تميزه عما كان سائداً في المجتمعات المحيطة، إذ كان يرتبط هذا الانفتاح، كما تذكر الباحثة، بنمط الحياة الاجتماعية والبيئة الجغرافية السائدة. وأن الحنين لجماليات القرية بما تحويه من ملامح ثقافية متنوعة يكاد يكون حكراً على زمن سالف، تختلف بواعث الاحتفاء به والحنين إليه باختلاف الوعي والطبقة الاجتماعية. وذكرت علياء العمري في الأمسية التي شهدت حضور عدد من النقاد والمهتمين، أنه إذا ما عدنا إلى خطاب الاغتراب بصوره المتعددة في الروايات التي تم تناولها في هذه الورقة، «فيمكن لنا فهم الكيفية التي تمت بها صناعة المعنى من خلال ارتباطها بالتاريخ والواقع الاجتماعي، إذ تنتج الخطابات خطابات مضادة للسلطة المهيمنة على المجتمع، سواء كانت تتمثل في الأفراد أو الجماعات أو البناء الاجتماعي ككل»، لافتة إلى أن الهجرة أو الهرب المؤقت شكلا أحد الخيارات التي اتجه لها بعض أبطال الروايات لمواجهة حالة الاغتراب المتمثل في فقدان الهوية وفقدان السيطرة على الواقع. وقالت إنه على رغم أن بعض الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن الهجرة مقترنة بالأزمات الاقتصادية والسياسية والطبيعية، الأمر الذي يخلق حالة من الاغتراب في مجتمع المقصد، «إلا أن النصوص الروائية تنتج خطاباً مغايراً تصاغ فيه المعاني بعكس نتائج الدراسات الإمبيريقية، فالرحيل والهجرة يعبران عن حالة وجدانية فردية لأفراد يشعرون أن استحالة العيش في مجتمعهم قوة يفرضها عليهم واقعهم الاجتماعي بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والسياسي». وقالت إن الهوية تلعب دوراً محورياً في صناعة المعاني لتمثيلات الاغتراب، فهي المحدد لحالة الاغتراب سواء لمن انتموا للفكر المتشدد، أم لمن عانوا من التشدد والإقصاء، أم لمن عانوا من العزلة الذاتية، أم فقدان السيطرة على الواقع في النصوص الروائية.