نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    كأس العالم للرياضات الإلكترونية شاهد على ريادة المملكة والنهضة الشاملة فيها    نظام موحد لإدارة وصيانة الطرق    «المصافي الآسيوية» تتجه لشراء النفط من خارج الشرق الأوسط    ارتفاع سوق الأسهم    إيداع مليار و42 مليون ريال في حسابات الدعم السكني    آفاق جديدة للطلاب في الذكاء الاصطناعي    رغم موافقة حماس على صفقة جزئية.. نتنياهو يصر على التصعيد العسكري    وهم الديموقراطية    12 قتيلاً في هجوم استهدف قائد ميليشيا في ليبيا    114 طفلاً قتلهم الجوع في غزة    تسلما تقريرها السنوي.. أمير الشرقية ونائبه يثمنان إنجازات"مدن" الصناعية    وزير الاستثمار يبدأ زيارة رسمية إلى بكين.. السعودية والصين تعززان الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية    تداعيات السوبر لم تهدأ.. الأهلي.. طلبوه فعاد بطلاً وكان صمته ذهباً    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس المصري    أزمة ايزاك تسيطر على مواجهة ليفربول ونيوكاسل    وجه رسالة للطلاب مع انطلاقة العام الدراسي.. البنيان: منظومة التعليم تواصل تجديد التزامها بقيم الانتماء الوطني    فهد بن سعد: حملة «الدم» تجسد أسمى معاني التكافل والمسؤولية الاجتماعية    62 مليون ريال لنظافة أحياء بريدة    "سعادة" تقدم 19 جلسة نفسية    «الحرس»: إنقاذ مقيمين من «غدر» البحر    «النيابة» : نظام حماية الطفل يكفل صون جميع حقوقه    أمير الباحة: مستقبل الأوطان يُصنع بعقول أبنائها    وفد طلابي صيني يزور قرية جازان التراثية    المواهب الحرة بين الحلم والواقع    «بلد سوشل» ينطلق في «جدة التاريخية»    ناهد السباعي بين «هيروشيما» و«السادة الأفاضل»    المسافر سفير غير معلن لوطنه    نصح الطلاب باستثمار الوقت.. المفتي: التعليم أمانة عظيمة.. كونوا قدوة صالحة    بريطاني.. لم ينم منذ عامين    عروس تصارع الموت بسبب حقنة تجميل    أول علاج من نوعه يتم اعتماده..«الغذاء والدواء»: تسجيل«تيزيلد» لتأخير مرض السكري من النوع الأول    غدًا.. ختام المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    الأنظمة التصحيحية تغلق 120 ألف منشأة    بلغ السيل الزبا!    ولي العهد يُتوّج "فالكونز" بلقب كأس العالم للرياضات الإلكترونية للمرة الثانية    روسيا تتهم أوكرانيا: مسيراتكم استهدفت محطة نووية    كيم جونج أون يشرف على اختبار صواريخ دفاع جوي جديدة    هجمات إسرائيل تلاحق الجوعى    مركز الملك سلمان للإغاثة يختتم مشروعَين طبيَّين تطوعيَّين في دمشق    منسوبو إمارة جازان يشاركون في الحملة الوطنية السنوية للتبرع بالدم    موسم العمرة يشهد تدفقًا متزايدًا للمعتمرين والقاصدين للمدينة المنورة    جيسوس يريح لاعبيه    تعليم جازان يستقبل أكثر من 351 ألف طالب وطالبة مع بداية العام الدراسي 1447ه    توثيق أكثر من 84 ألف طائر و 1200 كائن بحري في المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة السابق    نجاح عملية تحويل مسار نوعية لمريضة بسرطان متقدم في تخصصي بريدة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تترجم 24 قصة للأطفال إلى 3 لغات عالمية    الصندوق العقاري يودع مليارا و42 مليون ريال في حسابات مستفيدي برنامج الدعم السكني لشهر أغسطس    تجربة طبية في ملبورن تقلّص أورام الدماغ منخفضة الدرجة بنسبة 90%    برعاية وزير الداخلية.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 208 متدربين من الدورات التأهيلية    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    وزارة الشؤون الإسلامية واثقة الخطوات    محمد أسد بين النسخة الأوروبية والتجديد الإسلامي    6808 قضايا نفقة خلال شهرين.. المحاكم تنصف المطلقات وتحمي الأبناء    نائب أمير الشرقية يعزي الشيخ عبدالرحمن الدوسري في وفاة شقيقه    أحداث تاريخية في جيزان..انضمام جازان للحكم السعودي    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أوديب» وجدي معوض لا يريد سوى البكاء على أثينا
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2017

نادراً ما تنتهي مسرحيّة من دون أن يصفّق الجمهور مباشرة. نادراً ما يسود صمت لدقائق عند نهاية العرض قبل أن يعلو التصفيق. وهذا ما حصل في عرض مسرحيّة «دموع أوديب» في باريس، للكاتب والمخرج الكندي- اللّبنانيّ المبدع وجدي معوّض. احتاج الجمهور إلى لحظات يستعيد فيها رشده، احتاج إلى لحظات ليلتقط أنفاسه ويعود إلى الواقع، إلى مقاعد مسرح لا كولّين (La Colline- Theatre National) الغارق في الحمرة. لم يتمكّن المتفرّجون من الخروج بسهولة من العتمة التي كانوا ملتحفين بها لمدّة ساعة وأربعين دقيقة استمرّ فيها العرض. عتمة مؤطّرة بستارة حمراء وضوء داكن يحوّل الممثّلين إلى أطياف، إلى ظلال عائدة من التاريخ لتخبر قصّتها، قصّة أوديب الملعون الذي حكمت عليه الآلهة الإغريقية منذ ولادته بمصير مشؤوم.
ثلاثة ممثّلين هم باتريك لو موف (أوديب)، وشارلوت فارسي (أنتيغون)، وجيروم بيلي (شاعر أثينيّ) قدّموا عرضًا مسرحيًّا باهرًا سواء من ناحية الأداء أم الحركة على المسرح، عرض مسرحيّ ترك الجمهور معلّقًا ومبهورًا بين أثينا أوديب وأثينا القرن الحادي والعشرين.
تراجيديا البحث عن الحقيقة
أتت مسرحيّة «دموع أوديب» لمؤلّفها وجدي معوّض سابعة مسرحيّات تراجيديّة مستقاة من التراجيديا اليونانيّة. وقد أعاد معوّض كتابة نصوص سوفوكليس وأخرجها بطريقة حديثة عصريّة من حيث الحبكة كما من حيث الإخراج المسرحيّ. وعُرضت هذه المسرحيّات السبع في السنوات السابقة على المسارح الباريسيّة وعلى عدد من خشبات المسارح العالميّة ثمّ عاد معوّض لعرض مسرحيّة «دموع أوديب» أوائل الشهر الجاري ولليالٍ قليلة على المسرح الفرنسيّ لا كولّين الذي يديره.
ويقدّم معوّض في عمله هذا ثلاث شخصيّات تملأ فضاءه المسرحيّ وتنقل زمانين ومكانين وضحيّتين. فالقصّة الأولى والأساس هي قصّة أوديب في أثينا العتيقة. قصّة الطفل الذي يكتشف أنّه متبنّى ويحاول الهرب من مصيره إلاّ أنّه يجد نفسه هاربًا إلى حتفه. قصّة أوديب هي قصّة البطل التراجيديّ بامتياز، قصّة البحث عن الحقيقة ثمّ الاحتراق بنارها. فيجد المتفرّج نفسه أمام أوديب العجوز الأعمى وابنته أنتيغون، طيفين تائهين، طيفين لعنهما التاريخ وحكم عليهما بالطوفان العبثيّ الأبديّ. فيصل الاثنان إلى أثينا القرن الحاد ي والعشرين. يصلان إلى أثينا الأزمة الاقتصاديّة العام 2008، أثينا الثورات والتظاهرات والاعتقالات. يصل مشرّدا التاريخ إلى أثينا التي تتخبّط هي الأخرى بأزماتها الاجتماعيّة وحروبها الداخليّة وضائقاتها الماليّة والسياسيّة.
يدخل أوديب التَعِبُ وابنته إلى مسرحٍ عتيق في أثينا وهما لا يعرفان في أيّ مكان هما ولا في أيّ زمان. ثمّ لا يلبث أن يدخل عليهما شاعر شاب من أثينا يسألهما عن نفسيهما ويخبرهما قصّة أثينا وألكسندروس.
تدخل السردَ قصّةُ ألكسندروس المراهق الذي يدافع عن أثينا، فهو يعشقها ويشعر بها في خطر فيفديها بحياته. ألكسندروس هو أوديب الجديد، أوديب القرن الراهن. المراهق الذي يقدّم نفسه ذبيحة للسفينكس sphinx التي تلتهم كلّ من يعجز عن حلّ لغزها. لتتحوّل الأزمة الاقتصاديّة إلى سفينكس القرن الحادي والعشرين، أبو هول جديد يهدّد أهل المدينة وسلامتهم في لعبة مرايا زمانيّة متقنة ومحكمة السبك. ضحيّتان اثنتان قدّمتا حياتيهما من أجل أثينا. أوديب الأعمى الأبديّ، وألكسندروس المراهق الذي يموت برصاصة شرطيّ. إنّه اليوم الأخير لطيفين يحاولان إيجاد الحقيقة، يحاولان إيجاد الخلاص.
المسرح داخل المسرح
تمكّن معوّض من إتقان لعبة التبئير المسرحيّ (la mise en abyme) فهو قدّم مسرحيّة تدور أحداثها داخل مسرح عتيق. وعدا عن اللعب على المفارقات الزمانيّة والتماهي المُقام بين أثينا أوديب وأثينا ألكسندروس، تمكّن معوّض من إدخال المسرح داخل المسرح ليصبح المكان علبة بداخلها علب تشبهها، فيخبر الشاعر اليونانيّ أنّ قصّة أوديب تُلعب على مسارح أثينا والجميع يعرفها. وتكتمل هذه الصورة في أواخر المسرحيّة عندما يستلقي أوديب ليموت بهدوء، فيطلب من أنتيغون ألاّ تنقله إلى مكان آخر ويقول في جملة زاخرة بالمعاني والرموز «فليكن المسرح مثواي الأخير». وكأنّ أوديب حكم على نفسه بالطوفان الأبديّ على مسارح العالم، وكأنّه حكم على قصّته بالتحوّل إلى حوارات وجُمل يحفظها الممثّلون ويلقونها إلى ما لا نهاية.
وأوديب الحزين المفجوع لا يرغب سوى في البكاء. البكاء هو طريقته لتطهير نفسه من الأوساخ التي علقت فيها. وكما هو المسرح مكان لتطهير الذات والتحرّر، أصبح البكاء مرادفًا له. ومن بعد أن فقأ أوديب عينيه هو الذي رأى الحقيقة واحترق بسعيرها، طاف المدن لقرون كثيرة وجاء ليموت على خشبة مسرح يونانيّ مهمل. فكانت رغبة أوديب الأخيرة هي البكاء، البكاء على المسرح والموت فيه، ما يبرّر عنوان التراجيديا «دموع أوديب» ويمنحه ألقه.
وما أضاف إلى لعبة الظلال والأضواء المزيد من السوداويّة والتراجيديا، ما منح صمت الأموات هيبة وملأ فراغ الموسيقى، هو غناء الشاعر اليونانيّ (جيروم بيلي) الذي يلتقيه أوديب في المسرح. غناء فخم قويّ يثير الرعشة والرهبة في نفس متفرّج هو في الأساس مقطوع الأنفاس يراقب ويحلّل ويرتمي في شباك نصّ متوهّج أقلّ ما يُقال عنه أنّه إبداع صرف.
لعبة الظلال
أخذ بعضهم على معوّض البطء الذي سارت عليه مسرحيّته. أخذ عليه بعض آخر العتمة التي أغرق فيها مسرحه وجمهوره. لكنّ أناقة النصّ لم تكن لتحتمل نمطًا أسرع ولا ضوءًا أقوى. إنّ ما حبس أنفاس المتفرّجين هو لعبة الظلال الصينيّة التي أتقن معوّض الإمساك بحبالها. تحكّم بالأضواء، بالظلال، بالآثار الجانبيّة. لم يفضح أوديب. لم يفضح التاريخ. لم يقع في فخّ المسرح السهل. أراد للمتفرّج أن يكون هو الآخر أعمى، على غرار البطل، فأسدل ستارة خفيفة وتحكّم بالأضواء وجعل المتفرّج مساويًا لأوديب في يومه الأخير. لقد برع معوّض في خلق أوديب الطيف العابر للأزمنة والأمكنة، جعل صوته وانحناءة ظهره وطيفه الملتبس أمارات موت ونهاية لعنة. وأوديب هذا الإنسان الأسطوري الذي احترق بنيران الحقيقة لم يكن ليظهر ببساطة أمام جمهور يستحمّ بضوء جهوريّ. لقد منح معوّض أوديب سلامه والدموع التي كان يتوق إلى إنزالها لقرون خلت وذلك بأناقة مسرحيّة وحنكة مميّزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.