من بين التراث الضخم الذي تركه لنا شكيب أرسلان، يختار الباحث قاسم الرويس إسهامات هذا النهضوي الكبير في جريدة «الشورى» القاهرية، التي أصدرها صديقه الأديب المناضل العربي الفلسطيني محمد علي الطاهر بين عام 1924 وحتى 1931. وخلال السنة والنصف الأخيرة من عمر هذه الجريدة ارتأى أمير البيان أن ينشر فيها خواطر حرة بعنوان «سوانح أفكار». وقد جمعها الباحث ووثقها هنا لتكون متن كتابه. ولكن قبل الوصول إلى هذا المضمون الغني يعرّف كتاب «سوانح أفكار لأمير البيان شكيب أرسلان، مع موجزٍ من سيرته» (الصادر عن دار جداول) بشخصية الأمير شكيب أرسلان وأهميته ودوره، منذ ولادته عام 1869 في الشويفات، مركز الأسرة الأرسلانية العريقة بلبنان، وحتى وفاته في وطنه عام 1946، بعد أن عاد إليه بحوالى 40 يوماً فقط، إثر حياة طويلة من النضال والدفاع عن القضايا العربية في أنحاء أوروبا. ويعدّ أرسلان من كبار الكتاب العرب في عصر النهضة الحديث، حتى لقب ب«أمير البيان». وعرف بثقافته العريضة التي اكتسبها من نشأته في عائلة سياسية أدبية، وتلقيه العلوم في المدارس المنشأة حديثاً في ذلك الوقت، ثم من القراءة والاطلاع الواسع بلغات عدة، وصلاته الوثيقة بكبار رجالات عصره من ساسة وأدباء ومفكرين. ثم ينتقل إلى الحديث عن العلاقة التي جمعت بين الأمير وبين الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي سجل انطباعه عن أرسلان في رسالة إلى الشيخ النهضوي محمد رشيد رضا قال فيها: «أنِسنا بلقاء صديقكم وصديقنا الأمير شكيب أرسلان، وهو كما وصفتم إخلاصاً وعلماً وأدباً». وكان أرسلان قد زار الحجاز عام 1929 وتعرف على الملك المؤسس، ولقي حفاوة كبيرة من رجال الدولة والأدباء والمثقفين، إلى درجة الطلب منه أن يكتب افتتاحية أحد أعداد الجريدة الرسمية «أم القرى». أما سوانح أفكاره التي جُمعت هنا فهي تداعيات عفوية منوعة في فقرات قصيرة أشبه ما تكون بالومضات الذهنية، بخلاف أسلوبه المسترسل في مقالاته الجادة الطويلة. وتراوحت مضامين هذه السوانح بين المواضيع الفكرية والأدبية والسياسية والاجتماعية والتاريخية والدينية والحضارية، فمن كل بستان زهرة خلابة، ومن كل شجرة ثمرة يانعة. ومن الأمثلة على ذلك، قوله في المجال السياسي: «أخوف ما يُخاف على الأمة ابتلاء أفرادها بحب الرئاسة. وكلما نزل الأفراد عن رئاستهم صعدت الأمة في رئاستها». وكذلك: «السياسي الماهر لا يكفيه الدهاء الشخصي إن لم تتهيأ لديه الفرص، كالصياد الماهر لا تكفيه جودة الرمي إن لم يسنح أمامه الطير والوحش». ومن خلاصة تجربته في الحياة يكتب: «يطلب الناس الشهرة، ولو تأملوا لعلموا بأن الشهرة تهرب ممن يطلبها وتتبع كالظل من يهرب منها». وقوله أيضاً: «لذة الشيخ بنتائج العقل أشد من لذة الشاب بنتائج البدن». وعن المطالعة والثقافة يكتب: «إذا قرأت كتاباً وأنت شابٌّ فلا تحتقر أن تراجعه وأنت شيخ. فإن الكتاب ينمو وينضج بنموك ونضجك. وقد ينقص بكمالك بعض الأحيان». وكذلك قوله: «ما أحببتُ طول الحياة في وقتٍ مثل الوقت الذي أطالع فيه. هناك يعز الفراق». وبعد الجولة الماتعة في حياة الأمير وعصارات أفكاره يأبى الباحث الرويس إلا أن يُلحق بكتابه مادةً جميلةً غنيةً هي الأخرى، من الوثائق التي تتضمن صوراً عن نسخ جريدة الشورى وسوانح الأمير فيها، وبعض صوره الشخصية في أماكن عدة وخلال مراحل مختلفة، مع مشاهير ونوابغ عصره من السياسيين والكتاب.