على مدار أعوام نجح معرض الرياض للكتاب في توفير هامش من الحرية للمؤلف وعلى صعيد حركة الزوار داخل المعرض، إلا أن الملاحظ في معرض كتاب جدة أن هناك من يتعمد التضييق على الكتاب والزوار، وكأنه يحيل المعرض للبداية من الصفر، وليس ما انتهى عنده معرض الرياض بصفته مكتسبات للمثقفين في شكل عام. وبحسب ما لمسته «الحياة» من أقوال وعتب مثقفين، فإن معرض جدة لم يتجاوز أخطاءه، وما يزال يمارس مهماته بارتجال، ولعل آخر هذه الأمور منع المؤلفين من التصوير مع زوجاتهم فكيف مع الزوار من النساء؟ فوبيا الخوف من الصورة يشير الروائي عمرو العامري إلى أنه بغض النظر عن التقاط الصور مع الزوجة أو الحاضرات، فإن تعامل بعض رجال الآمن كان مستفزاً وغير مبرر. وزاد: «في ظني أن لرجل الأمن دوراً معروفاً وواضحاً، وهو الحفاظ على الأمن ومنع التجاوزات، عدا ذلك فهو شأن يخص اللجان المختصة، وتواصلت بعد هذه الحادثة مع المشرفة على منصات التوقيع وسألتها إن كان هذا دور الجهات الأمنية، وأبلغتني أن هذا ليس من صلب عملهم بتاتاً، وأنه تجاوز منهم، وأن دورهم أمني فقط واعتذرت لي شخصياً عما حدث». وتابع: «هنا نعود لفوبيا وقلق الخوف من الصورة في محفل ثقافي، تشكل الصورة جزءاً كبيراً منه في عصر السناب وأدوات التواصل الفوري، وأرى أن من غير المبرر بتاتاً اعتبار الصورة والتصوير عملاً يخدش الذوق العام أو يهدد الأمن. وسأعتبر ما حدث وسأنظر له على أنه اجتهاد فردي في غير مكانه وغير مبرر من شخص ليس ذلك من أولويات عمله. ولكن هذه التجاوزات تكررت للأسف وحدثت في العام الماضي مع الروائي عبده خال، الذي اقتيد لمخفر الأمن وكاد أن يرحل للتوقيف والحكاية سمعتها منه. ما أود قوله هو أننا نتمنى مستقبلاً اختيار رجال أمن يتفهمون تماماً خصوصية الحدث كمحفل إعلامي، وأن تتم توعية المشاركين باستخدام لغة ودية ومقنعة، وهم هنا لا يتعاملون مع خارجين على القانون ولا مشتبه بهم، وإنما مثقفين وكتاب وسيدات ووجوه مجتمع». عدم اكتمال الإجراءات فيما قال الكاتب والقاص محمد قدس: «الحقيقة لا نعلم السر وراء إخفاق اللجنة المنظمة لمعرض كتاب جدة في تجاوز ما لوحظ عليه من إجراءات تنظيمية تمثلت في الإجراءات الأمنية المشددة، وفي عدم توفر مواقف منظمة لزوار المعرض وصعوبة وصول كبار السن من الزوار لأبواب المعرض الرئيسة». وأضاف: «ثم نأتي للبرنامج الثقافي المصاحب للمعرض الذي اتسم هذا العام بالارتجالية وعدم اكتمال الإجراءات، يضاف إلى ذلك منصات توقيع المؤلفين لكتبهم، إذ بدا أنها لا توزع توزيعاً عادلاً ولها شروط غير مقنعة، إذ يفترض أن المعرض اكتسب خبرة من تنظيمنا لمعرض كتاب الرياض، وعاماً بعد عام نكون صححنا الأخطاء وتداركنا الصعوبات، ولكن يبدو أن الحقيقة تؤكد أن هناك محسوبيات، وأخشى أن أقول شللية تعوقنا في تحقيق النجاح المطرد الذي ننشده». كتب تنظر إلينا بخيبة أمل أما الشاعر حسن القرني فذكر: «علينا الاستغراب أولاً، أو التوقف عنه، كون الاستغراب في حد ذاته يعد جهلاً بالثقافة العامة لهذا الإقليم المختلف عن أقاليم الأرض كلها، ثم علينا أن نتساءل عمن كان خلف هذا القرار الغريب أو (الطبيعي)، وعمّا إذا كان قراراً في أصله أو اجتهاداً من أحد المسؤولين عن المعرض، وبعد ذلك نقول: البيئة الثقافية عندنا غير مشجعة ولا رافدة ولا رائدة نحو مجتمع وسطي طبيعي كمجتمعات الأرض، فما زال المسؤول والمثقف (والمطوّع) يحملون الجينات وردات الفعل ذاتها تجاه كل ما يتعلق بالمرأة». ولفت إلى أن ذلك التصرف يغدو مسخاً بين ملايين الكتب التي تنظر إلينا بخيبة أمل، وكأني بمؤلفيها من فلاسفة وحكماء وعلماء يتمتمون بحديث غير مفهوم، تماماً كإقامة معارض للكتاب في مكان تُسن فيه قوانين بهذا الشكل، ثم دعونا نتوجه باللوم للسيدة التي لم يظهر منها سوى عينيها، ونسألها عن جدوى التقاط صورة مع مثقف أو شخصية عامة، ومدى استيعاب ذلك التصرف منطقياً، ولولا أنها تكتب اسمها إلكترونياً على تلك الصورة، لما عرفت بعد أيام، لماذا يلتقط المشاهير صوراً مع مجهولة. المثقف المعني الأول بهذه القضايا في حين قال القاص كفى عسيري: «في الحقيقة لم أشهد مثل هذه الملاحظات التي أراها لا تشكل الهم الأساسي لنجاح المعرض من عدمه، فتجدنا دائماً نشتغل على الأساسيات ثم نناقش هذا المحور. أنا شخصياً لم تصادفني هذه المشكلة، إذ حضرت توقيع أصدقاء عدة وحصلت على نسختي وانصرفت فوراً، وما أراه يستحق النقاش هو موقع المنصة، فوضع المنصات أمام ممر لا يتجاوز عرضه 200 سنتيمتراً، ثم يحتشد كل من رجال الأمن والمنظمين وطالبي التوقيعات في هذه المنطقة ما بين منظم ومستاء من التنظيم، وفي الواجهة أصحاب الدور الذين يعانون من حجبهم عن المارة». ونوه إلى أن مناقشة هذه المعضلة وما تفضلت به وغيرها مهم لنجاح المعرض في الأعوام المقبلة، لاسيما وهو يخدم منطقة حيوية اقتصادياً وسكانياً، والمعني الأول بهذه القضايا ونقاشها هو المثقف قبل المنظم وقبل الإمارة أو الجهة المسؤولة عن المعرض، لأنه أي المثقف هو المستفيد الأول وأيضاً المتضرر في حال وجد الضرر. أمر شخصي في السياق ذاته ذكر الشاعر ماجد بن سفران: «أعتقد أن قرار منع التصوير أمر يخص إدارة المعرض والمسؤولين عن التنظيم ومدى صلاحياتهم الممنوحة لهم من قانون البلد، والسماح أو المنع كلاهما بالنسبة إلي سيان، فأنا أراه أمراً خاصاً وشخصياً جداً وليس لأحد الحق في التدخل فيه بالسماح أو المنع، سوى من بداخل الصورة، فهما أعرف بحدود المسموح والممنوع في أعرافهم وتقاليدهم». تصرف فردي بدورها، أوضحت رئيس لجنة توقيعات الكتب الأديبة حليمة مظفر أن ما حصل يعد تصرفاً فردياً ومن شخص ليس له علاقة بوزارة الثقافة والإعلام، وتم اتخاذ الإجراء اللازم حيال ذلك، مؤكدة استمتاع المؤلفين والمؤلفات المشاركين بحفلات تدشين توقيعاتهم، ولديهم حرية أخذ الصور التذكارية مع أقربائهم ومعارفهم. وزادت: «حساب المعرض بتويتر ممتلئ بالصور التي تؤكد تميز وإيجابيات منصات التوقيع تنظيماً ومشاركةً وما رافقها من سلاسة وسهولة، على رغم العدد الكبير للموقعين الذي تخطى حاجز 200 توقيع للكتب».