25 مليون مسافر عبر مطار المؤسس خلال نصف عام    البيئة تشارك في دورة تقنيات حصاد مياه الأمطار بالصين.. السعودية نموذج في مكافحة التصحر وتعزيز الاستدامة    "الضمان": مراجعة طبية مجانية للمستفيد خلال 14 يوماً    غزة بين نيران التصعيد ومفاوضات الدوحة.. هدنة على وقع المعارك وتلويحات بالتهجير    إسرائيل تواصل غاراتها رغم وقف النار.. اغتيال قيادي في «قوة الرضوان» جنوب لبنان    نفت طلب لقاء مع واشنطن.. طهران تربط استئناف المفاوضات النووية ب«استعادة الثقة»    في ثاني مواجهات نصف نهائي كأس العالم للأندية.. قمة مرتقبة تجمع ريال مدريد مع باريس سان جيرمان    بحثا العلاقات الثنائية وجهود تحقيق الاستقرار.. وزير الخارجية ونظيره الإيراني يناقشان تطورات المنطقة    تغطية إعلامية غير مسبوقة من قلب الرياض| كأس العالم للرياضات الإلكترونية يبث إلى 140 دولة حول العالم    11 مليون"تبليغ" إلكتروني لأطراف القضايا في 2025    إقرار تنظيم المؤسسة العامة للري.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظام تملك غير السعوديين للعقار    عمليات أمنية ب 4 مناطق تستهدف "تجار السموم"    عباقرة سعوديون ينافسون 90 دولة في أولمبياد الكيمياء    الفيلم السعودي "الزرفة" يتصدر شباك التذاكر    6 فعاليات كبرى تعزز حضور إرث الصقارة    دراسات حديثة: الكركديه ليس آمناً للجميع    لقاء "حديث الإعلاميين" بجازان يستضيف المعشي ومهاب    السياحة في الباحة.. إقبال متزايد    الذهب يستقر وسط مكاسب الدولار.. والحرب التجارية تؤجج مخاوف التضخم    بدء التسجيل العقاري بالشرقية ومكة    خالد بن سلمان وعراقجي يبحثان تطورات الأوضاع في المنطقة    فهد بن سلطان يثمن دعم القيادة للقطاع الصحي    فهد بن محمد يقلّد مدير «شرطة الخرج» رتبته الجديدة    هلال مكة الأحمر: تقديم 30 ألف ساعة تطوعية    «الشورى» يطالب بمعالجة تأخر تصريح إقامة الجمع وتعيين الأئمة    نائب أمير الرياض يستقبل السفير البريطاني    الحباك الذهبي.. مهندس الأعشاش    الذكاء الاصطناعي بين الأغنياء والفقراء    أمين التحالف الإسلامي يستقبل النائب الأول لوزير الدفاع الأذربيجاني    جيلنا وشغف الابتكار والإبداع    «الريزن».. حرفة تحاكي حائل ومعالمها    فيصل بن مشعل: الرس تحظى بمشروعات تنموية وخدمية    إطلاق مبادرة "إثراء قاصدينا عِزُّ لمنسوبينا"    مذكرة تفاهم تجمع جمعية حوكمة الذكاء الاصطناعي وجمعية الذكاء الاصطناعي للأشياء بالكويت    مستشفى الملك فهد الجامعي يدشّن "صوت المستفيد"    أخضر الناشئات يواصل استعداداته في معسكر البوسنة استعداداً لتصفيات آسيا    أخضر السلة يدشن البطولة الخليجية بفوز كبير على الإمارات    ولي العهد يلتقي وزير خارجية إيران    نائب أمير مكة يستقبل نائب وزير الحج    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة الريث    الشؤون الإسلامية في جازان تختتم الحملة الترشيدية لاستهلاك المياه    ليفربول يعود إلى التمارين للمرة الأولى بعد وفاة جوتا    رئيس جامعة الإمام عبد الرحمن يزور برنامج "موهبة" ويلتقي بالطلاب والطالبات    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق قافلة "صيف بصحة" في الخرج    تركي آل الشيخ يعلن "The Ring IV" بنزالات عالمية في "موسم الرياض" على أربعة ألقاب كبرى    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة الريث    357 ألف موعد في عيادات "سعود الطبية" خلال 6 أشهر    بلدية محافظة أبانات توقع عقدًا لصيانة الإسفلت بأكثر من 3 ملايين ريال    أكثر من 88 ألف مستفيد من خدمات "المودة" خلال النصف الأول من العام 2025    أمير تبوك يطلع على التقرير الاحصائي لمديرية مكافحة المخدرات بالمنطقة    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    الجراحات النسائية التجميلية (3)    لسان المدير بين التوجيه والتجريح.. أثر الشخصية القيادية في بيئة العمل    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة.. عنوان خطبة الجمعة المقبلة    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمّتان في سرت... والمحصلة هزيلة
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2010

في آذار (مارس) الماضي شهدت مدينة سرت الليبية قمة عربية بحثت في قيام الاتحاد العربي وتطوير عمل الجامعة العربية وإنشاء رابطة جوار عربي، وكالعادة جاء الأداء العربي في القمة متعثراً ومنقسماً على نفسه ومن ثم كان الحصاد هزيلاً، لكن العقلية العربية في العمل العربي المشترك ودهاقنة الجامعة العربية رفضوا التسليم بالفشل وإن اعترفوا بأن الأوضاع العربية متردية إلى الحد الذي أصبح غير محتمل، لذلك اخترعوا آلية جديدة هي القمة الاستثنائية لمتابعة ما سيجري في الشهور الست التالية لدورة انعقاد القمة.
هكذا شهدت سرت قبل أيام أعمال القمة الاستثنائية أو الآلية الجديدة التي جاءت أقرب ما يكون للطالب الضعيف الذي عجز عن إصلاح سلوكه والقيام بواجباته، في امتحان القمة الدورية التي تعقد في آذار من كل عام، فلما رسب تحايل، وتلاعب بالكلمات حتى يسمح له بإعادة الامتحان بعد ستة شهور، لعله ينجح في تعديل سلوكه وإنجاز بعض الواجبات، لكنه رسب للمرة الثانية في الامتحان نفسه، فقرر تأجيل الامتحان لمرة ثالثة. والمفارقة أن الطالب هنا هو الذي يضع نظام الامتحان، ويضع لنفسه المهام والواجبات التي ينبغي القيام بها. والغريب أن الطالب المتعثر دراسياً والضعيف بنيوياً يضع لنفسه مهمات مستحيلة في ضوء قدراته وموارده.
الطالب هنا يجسد دوره ومأساته النظام الإقليمي العربي بنخبته الحاكمة، بما فيها دهاقنة الجامعة العربية من محترفي صوغ المهام والقرارات العامة التي تحاول إرضاء كل الأطراف، وتجتهد في التسويف وعدم الاعتراف بالفشل، واعتماد منهج القفز إلى الأمام والالتفاف على القضايا الحقيقية، وهو ما جسدته أعمال ومقررات قمة سرت الاستثنائية والقمة العربية الأفريقية:
1- ضعف الاهتمام بالمخاطر الحقيقية التي تهدد بانهيار الدولة في اليمن والسودان والعراق بعد أن انهارت في الصومال، مقابل التمسك بمهام هي أقرب إلى أحلام اليقظة، كقيام الاتحاد العربي، على رغم عدم توافر شروط قيامه. لذلك كلفت القمة الاستثنائية الامين العام للجامعة عمرو موسى إعادة صوغ البروتوكول الخاص بتأسيس «اتحاد جامعة الدول العربية» ودراسة التبعات المترتبة على عملية التطوير وعرض الموضوع على القمة المقبلة. أي أن الاستثنائية كسابقتها العادية لم تحسم شيئاً وأجلت الحسم للقمة التالية.
2- أقرت استثنائية سرت غالبية التوصيات الصادرة عن اللجنة الخماسية التي تضم زعماء مصر وليبيا والعراق واليمن وقطر الذين اجتمعوا في ليبيا في حزيران (يونيو) الماضي لدراسة « تطوير منظومة العمل العربي المشترك»، مع ترحيل بعض النقاط الى القمة المقبلة في آذار المقبل! مما يعني عدم حسم نقاط الخلاف واعتماد آلية التأجيل، وهذا المنهج لا يتعاطى مع حقائق السياسة العربية ووجود خلافات عربية تتطلب عملاً جاداً من أجل تصفيتها وتنقية الأجواء العربية والتي تعتبر شرطاً ضرورياً لإصلاح العمل العربي المشترك وتطويره.
3- بدلاً من التركيز على احتواء مخاطر الفتنة الطائفية واحتمالات اندلاع حرب أهلية في لبنان والعراق والسودان، يتمسك أمين الجامعة العربية بفكرة غامضة ومراوغة هي رابطة الجوار العربي. من الصعب تماماً في ظل الظروف العربية المتردية تبنيها لذلك قررت القمة مواصلة دراسة الفكرة من كافة جوانبها، ولعل الصياغة العامة والغامضة هنا توضح للقارئ نمط الصياغات المعتمدة في هذه القمة وغيرها من القمم العربية.
4- حازت الأوضاع في السودان اهتماماً خاصاً سواء في ما يتعلق بدارفور أو مصير جنوب السودان، وأكدت القمة التزام الجامعة العربية بالعمل والتعاون الوثيق مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لمساعدة السودانيين على وضع الترتيبات لإجراء الاستفتاء، وشددت على ضرورة أن يعكس إرادة مواطني جنوب السودان وفي منطقة أبيي بعيداً من أي ضغوط لاستباق نتائج الاستفتاء. وأعتقد أن الاهتمام بالشأن السوداني يأتي متأخراً ومشكوكاً في جدواه بل وفي إمكان تنفيذه.
5- يحسب لاستثنائية سرت النجاح في عقد قمة عربية أفريقية ثانية بعد غياب 33 عاماً لوضع شراكة استراتيجية بين الطرفين، والاتفاق على مشروع خطة عمل 2011 -2016، وآليات للتنفيذ ممثلة في ضرورة عقد القمة العربية الأفريقية كل ثلاث سنوات بالتناوب بين البلدان العربية والأفريقية على أن يعقد المجلس المشترك لوزراء الخارجية كل 18 شهراً. وقد تبدو هذه الصياغات واضحة ومحددة لكن العبرة بالتنفيذ، بخاصة أن هذه الاستراتيجية افتقرت للتحديد في كثير من جوانبها كما لا تتوافر لها مصادر التمويل الكافية. إضافة إلى أن تردي العمل العربي المشترك واحتمالات انفصال جنوب السودان أو الدخول في حرب بين الشمال والجنوب قد تنعكس بالسلب على الشراكة الاستراتيجية المقترحة بين العرب والأفارقة والتي جاءت متأخرة للغاية. ولا شك أن تعثر العمل العربي المشترك لن يسمح بتطوير التعاون أو الشراكة سواء مع دول الجوار أو مع الدول الأفريقية.
الحصاد الهزيل لقمتي سرت يجسد ضعف العقل السياسي العربي وجموده والذي يعتمد منهجاً يهيمن على العمل العربي المشترك منذ قمة بغداد عام 1978، ويتسم باللاواقعية والتحايل على الشعوب العربية، والعيش في الماضي، والبحث المستمر عن انجاز أو انتصار ما حتى لو جاء في شكل بيان للقمة أو تصريحات صاخبة.
لا يعترف هذا المنهج بمعطيات الواقع ولا يتعامل مع التحولات في العالم أو في المجتمعات العربية، فقد تغير إدراك المواطن العربي لقضايا حقوق الإنسان والديموقراطية والحكم الرشيد، وأصبح يطالب بها ربما بدرجة تفوق مطالبته بالوحدة العربية، وترسخت لدى المواطن العربي من الخليج إلى المحيط أحكام سلبية ثابتة تجاه صدقية آليات العمل العربي المشترك كما تجسدها القمم العربية أو الجامعة العربية ومنظماتها، لذلك يتوسع دهاقنة الجامعة العربية في عقد مؤتمرات وقمم سياسية واقتصادية وثقافية من دون أن يدركوا أنهم بذلك يكشفون عجزهم وعجز النظام الإقليمي العربي، بحيث لا تنتهي هذه القمم بقرارات جادة تحقق منافع للشعوب العربية التي طال انتظارها، وملت من تكرار متابعتها لقمم المصالحة والتصدي والردع إلى آخر تلك المسميات التي تخلو من أي معنى حقيقي أو فعل مؤثر.
المشكلة أيضاً أن كثيراً من القادة العرب يتعامل مع القمم العربية بمعايير الستينات، وينظر إليها بوصفها سند مشروعية جماهيرية على المستوى القطري والعربي، من هنا يحرص كل زعيم عربي على استضافة القمم وإخراجها في أحسن صورة طالما أنها تعقد في بلاده. ولم يدرك معظم القادة العرب حتى اللحظة حرج مواقفهم عندما تنتهي القمم إلى مجرد صياغات عامة وعبارات إنشائية لا تشبع احتياجات الشعوب أو تلبي طموحاتها. ولعل أفضل نموذج يوضح ما أقصد يتمثل في حرص الزعيم الليبي - الذي اشتهر بغيابه عن كثير من القمم ونقده الدائم لها - على إنجاح قمة سرت في نسختها الأولى في آذار الماضي، ثم في نسختيها العربية والعربية - الأفريقية قبل أيام. اجتهاد القذافي وجرأته في التحدث باسم العرب وتقديم اعتذار مستحق عن ممارسة بعض العرب لتجارة الرقيق في أفريقيا لم يغيّر من نتيجتين: الأولى أنه يحكم ليبيا منذ 41 عاماً، وأن بعض القادة العرب ممن شاركوا في قمتي سرت يحكمون بلادهم منذ أكثر من ربع قرن. ولديهم جميعاً مخططات لتوريث الجمهوريات العربية التي يحكمونها. والثانية أن قمم سرت الثلاث فشلت في إحداث النقلة المطلوبة في العمل العربي المشترك، وإعادة الروح للنظام الإقليمي العربي عبر تحديث فكرة وآليات عمله حتى يتمكن من مواجهة التحديات التي تهدد استمراره.
أعتقد أن لا بديل من تخلي النخبة العربية عن منهج التفكير الماضوي وغير الواقعي الذي يحكم العمل العربي المشترك ويحدد مساراته الكلامية وآلياته في تأجيل الخلافات والقفز الى الأمام وطرح أهداف وهمية تضاعف من جمود النظام العربي وأزماته المزمنة. لا بد من التخلي عن هذا المنهج واعتماد مناهج وطرق جديدة في العمل تتطلب وجود جيل من الشباب في الجامعة العربية وغيرها من مؤسسات العمل العربي المشترك، جيل يجسد فكرة التغيير وتداول السلطة ويكون أكثر جرأة على طرح أفكار وتبني مشاريع جديدة، قد يكون من بينها - وعلى غرار الاتحاد الأوروبي - إدماج حقوق الإنسان والإصلاح الديموقراطي وآليات الحكم الرشيد ومحاربة الفساد ضمن العمل العربي المشترك، بل وربما في مقدم أولوياته، عوضاً عن أهداف وهمية كالاتحاد العربي ورابطة الجوار والقمم المتلاحقة التي تكرس الضعف العربي.
* كاتب وجامعي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.