نائب وزير الخارجية يلتقي المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط    القبض على 12 وافدا لممارستهم الدعارة بنجران    أول تصريح لجيسوس بعد تدريب النصر    قرار ريال مدريد يُقرب فينيسيوس جونيور من دوري روشن    "بيئة الباحة" تطلق مبادرة إعادة حرث الأراضي الزراعية    إحباط تهريب 16.5 كلجم من الحشيش و6,510 أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية النور لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الباحة    الفاخري يثمّن اعتماد قرار حماية حقوق الأطفال في الفضاء السيبراني    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا    القوات الحكومية السورية ستباشر الدخول إلى مركز مدينة السويداء    استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.3% في يونيو 2025    عودة جديدة .. الفتح يبدأ تدريباته بقيادة قوميز استعدادًا لموسم أقوى بدوري روشن    جمعية المودة تطلق دليل قياس كفاءة ممارس الإرشاد الأسري    ارتفاع المؤشر الياباني    معرض "فنون تحكي قصص" يجسّد التراث السعودي في المدينة المنورة    جامعة جازان تفتح باب القبول في برامج الدراسات العليا.. التقديم يبدأ 27 يوليو    4.2 مليار ريال استثمارات صناعية جديدة    (6,551 ميجاواط) سعة المشاريع.. 19.8 مليار ريال استثمارات "المتجددة"    "سدايا" تعزز الحراك التنموي بتقنيات الذكاء الاصطناعي    القيادة تعزّي رئيس نيجيريا في وفاة محمد بخاري    الهلال.. ريادة تتجاوز الميدان إلى ضمير الإنسانية    الفيفا يختار بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    في ختام الأسبوع الأول من منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق VK Gaming يتوج بلقب لعبة Apex Legends    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    اليابان وأوروبا تطوران شبكة أقمار صناعية    عرض صخرة مريخية للبيع    "اعتدال و تليجرام" يزيلان 30 مليون مادة متطرفة    موجة حر قاتلة بإسبانيا    بدء التسجيل لاختبار القدرة المعرفية الورقي    أمانة جدة تباشر 167 حالة إنقاذ على الشواطئ    منصة القبول الموحد.. تحديات الواقع وحلول مقترحة لتحسين التجربة    عراقجي: لن نقايض قدراتنا العسكرية.. طهران تستعد ل«رد مناسب» على آلية الزناد    الإناث يتفوقن كما ونوعا بمعرض تشكيلي    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    مريضة سرطان تفتتح مقهى لتوظيف أصحاب الهمم    يا فرصة ضائعة    تصاعد الخلافات حول خطة إسرائيل المستقبلية في غزة.. ساعات «حاسمة» ونتنياهو يلوح باستئناف الحرب    استقبل وفداً من هيئة الأمر بالمعروف.. المفتي يثني على جهود«نعمر المساجد»    سماعات الرأس تهدد سمع الشباب    نصائح طبية لتقليل التعرق    فوائد الخبز الصحية يوميا    الربو وفسيولوجيا التنفس عند الحوامل    مرآة المشاعر    مدير الأمن العام يزور المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر ويبحث سبل تعزيز التعاون الأمني الثنائي    «المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    ثلاثي الهلال ضمن التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    الأسواق السعودية بين مكاسب النفط وضغوط التضخم    المزاد الدولي نخبة الصقور ينطلق 5 أغسطس في الرياض    رواد التأثير والسيرة الحسنة    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    ترجمة مسرحية سعودية للغتين    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أزرار» فلسفية في آلة موسيقية
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 2010

انفتحت السدود على بحر الفلسفة، أبحرت في محيطها مجالات كثيرة جديدة، في المطبخ والأزياء والعادات والأساطير صارت ضمن الاهتمام والخطاب الفلسفي المعاصر. هذا فضلاً عن ارتباط موسيقيين كبار من عظماء الموسيقى الكلاسيكية بنظريات فلسفية، وهو تطور حدَثي، صرنا نجد رأياً فلسفياً في سيمفونية، ونجد رأياً موسيقياً بنظرية فلسفية، كما نعثر على دراسات حول أفلام سينمائية، أو تحليلات تتناول شؤوناً رياضية أو إعلامية. إنه خرق السدود الذي تتنفسه الفلسفة بغية إثبات حيويتها وحياتها. يكتب نيتشه: «من يرد أن يتعلم الطيران يوماً فعليه أن يتدرب أولاً على الوقوف فالركض فالقفز فالتسلق فالرقص». استوحى نيتشه نبض نظرياته من إيقاع آلات الموسيقى، بفضل الموسيقى تتحول فوضى الأصوات إلى لحن يكون محط إنصات، من إيقاع الصمت تولد القوة التصويتية المؤثرة التي تسمى «سيمفونية» تولد قوة القوى.
ألّف نيتشه كتابه «ولادة التراجيديا» متأثراً بموسيقى الألماني ريتشارد فاغنر، صديقه الذي سيتحول إلى أقنوم النقد الموسيقي في فلسفة نيتشه بعد أن يكره موسيقاه في الثلث الأخير من حياته، ويعزو بعض الباحثين نفرة نيتشه أخيراً من موسيقى ريتشارد فاغنر بسبب كون: «المشروع الفاغنري في الموسيقى عجز، أو أنه لم يسع إلى أن يكتب الفن/ الإرادة القوية، بل كتب الفن الذي هو العزاء عنها بها. كان فن فاغنر شبنهاورياً أكثر منه نيتشوياً، كانت موسيقى فاغنر تحاذي إرادة القوة من دون أن ترفضها أو تقبلها».
لم يكن خلاف نيتشه مع فاغنر شخصياً بسبب عشقهما المشترك للفتاة «لو أندريا سالومي» التي فضّلت فاغنر عليه، بل كان نقداً فتاكاً يريد من خلاله نقد تاريخ ألمانيا الموسيقي من خلال أسطورة «ريتشارد فاغنر»، في كتابه «هذا هو الإنسان» يضع نيتشه معايير تدور حولها ممارساته النقدية الحربية، وهي باختصار: لا أهاجم إلا ما هو مجلبة للنصر، وإن اقتضى الأمر، أنتظر حتى يصبح بإمكانه أن يكون مجلبة للنصر ... لا أهاجم إلا ما لا حليف لي عليه، حيث أقف وحيداً في المعركة، وحيث لا أورّط إلا نفسي .. لا أهاجم البتة الأشخاص كأشخاص، بل أستعمل الأشخاص كزجاج مكبر، يمكن للمرء بواسطته أن يجعل كارثة عمومية مراوغة مستترة مستعصية على الإدراك أمراً واضحاً للعيان... هكذا هاجمت فاغنر، أو بصفة أدق الطابع المزيف والهجين لثقافتنا. 4- لا أهاجم إلا ما هو خالٍ من كل خلاف شخصي ومن كل خلفيات التجارب السيئة».
تلك هي مبادئ وممهدات نيتشه الذي طالما هاجم كل المبادئ، في سياق هجومه ذاته على موسيقى فاغنر، هاجم نيتشه دافيد شتراوس أيضاً بفظاظة، وبرر هجومه الضاري عليه بأنه كان ينتقده بوصفه رمز «الثقافة المهترئة». ارتفعت الموسيقى الحديثة مدّكرة مالنخوليا الفلسفة، مستمدة مفهوم الموسيقى من أرضها الصامتة، إذ الموسيقى قوة تصويتية مرتبطة بالزمن، والفراغ هو ميدان حركة الموسيقى، والسيمفونية أصوات فوضوية منظّمة، وقوة الموسيقار من قوة الفيلسوف، فصناعة السيمفونية هي إبداع توزيع تصويت الأزرار، هكذا هو مفهوم دلوز الفلسفي. كان العدم قبل الموسيقى، كان الفراغ أرضها، لهذا ولدت كأداة لاكتشاف فراغات الإنسان، وكوامنه، وجيوب مآسيه وأحزانه. اكتشف الإنسان «الناي» – بحسب ديورانت - قبل كل الآلات، ولا تزال هي أحزن الآلات الموسيقية على الإطلاق. بدأ الإنسان موسيقياً بإرادة مالنخولية، لهذا لم يتسع كل الكون لأن يكون صدى مكانياً لمأساته، لا يمكن لأكوان متعددة أن تكفي للإنصات إلى عمق تصويته. لا تستطيع كل آلات الموسيقى ولو مقاربة التعبير عنه. أعنف الموسيقى التي يريد الإنسان التعبير عنها هي تلك التي عجز عن صياغتها، وكل تجربة موسيقية عظيمة، هي تجربة مالنخولية عظيمة. وكل موسيقي عظيم هو باحث عن تلك الجرثومة التي تحرك إرادته للعزف، إنه لا يمكنه أن يجدها، إنها المحرك الخفي لكل انفعالاته.
نحن أمام تحالفات جديدة تضعها الفلسفة على دروبها المتعددة - كما يصفها هيدغر - بعد أن ضاقت بالدروب المحددة الضيقة وملّ الناس منها، بل وأعلن البعض موتها. بانكسار السدود التي كانت تحدّ من حركة الفلسفة صار التفلسف شكلاً من أشكال التعبير الجميل، والأسلوب الخلاّق، انفتحت الفلسفة على الموسيقى والشعر والأزياء والرياضة ومختلف دروب الحياة، ألم يدعُ فوكو طلابه إلى أن يفكّروا بشكل فنّي؟ إنه أوان التفلسف بشكل فنيّ وجمالي بعيداً عن سدنة الفلسفة وحرّاسها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.