نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    ارتفاع أسعار الذهب    إسرائيل تشرِّع الفوضى المُقنَّعة    جلسة طارئة لمجلس الأمن اليوم    أمير المدينة المنورة يتسلّم التقرير الختامي لتوصيات الحلقة النقاشية والمناقشات العلمية حول المزارع الوقفية    المختبر المتنقل.. نقلة نوعية لتعزيز أعمال التشجير ومكافحة التصحر    ولي العهد للشيخ تميم: نساند قطر وإجراءاتها لحماية أمنها    محمية الإمام تركي تُشارك في معرض كتارا الدولي    الدبلوماسية البرلمانية في الشورى.. حضور فاعل عالمياً    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 يسجّل أرقاما قياسية ويستقطب ملايين المشاهدين حول العالم    أمير منطقة القصيم يزور المعرض التفاعلي "روايتنا السعودية"    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    "الملك سعود الطبية" تطلق خدمة تخطيط القلب لمرضى الرعاية المنزلية    عيادة متنقلة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية الناتج عن السكري    ولي العهد لأمير قطر: نقف معكم ونضع إمكاناتنا لمساندكم في حماية أمنكم    المملكة تدين وتستنكر الاعتداء الغاشم والانتهاك السافر لسيادة قطر.. إسرائيل تستهدف وفد حماس في الدوحة    أكد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهته.. رئيس وزراء قطر: العدوان الإسرائيلي «إرهاب دولة»    السعودية: ندعم الحكومة السورية في إجراءات تحقيق الاستقرار.. قصف إسرائيلي لمواقع في حمص واللاذقية ودمشق    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    «براق» تحقق ثاني كؤوس مهرجان ولي العهد للهجن للسعودية    ولي العهد وملك الأردن يبحثان الهجوم الإسرائيلي الغاشم    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    رقابة مشددة على نقل السكراب    التعثر الدراسي .. كلفة نفسية واقتصادية    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    رئيس موانئ يزور جازان للصناعات    اليابان.. استئجار المرعبين لحل المشاكل    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين بناء على ما رفعه ولي العهد.. نائب أمير الرياض يسلم وسام الملك عبدالعزيز للدلبحي    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. سمو ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى غدًا الأربعاء    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    تاريخ وتراث    القبض على مروّج للقات    ضبط 20882 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    الاتفاق يجهز ديبملي    قطر تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها لن تتسامح مع «السلوك الإسرائيلي المتهور»    رجوع المركبة للخلف أكثر من 20 مترًا مخالفة    فرنسا تهزم أيسلندا بعشرة لاعبين وتعزز حظوظها في بلوغ مونديال 2026    شراكة سعودية - صينية في صناعة المحتوى الإبداعي بين «مانجا» للإنتاج و«بيلي بيلي»    منح العلا    إدانة سعودية وولي العهد يهاتف أميرها.. الإرهاب الإسرائيلي يضرب قطر    الاثنين انتهاء حظر العمل تحت أشعة الشمس    نائب أمير تبوك يستقبل مساعد وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للخدمات المشتركة    رسالة من رونالدو إلى أوتافيو بعد رحيله عن النصر    بي أيه إي سيستمز تستعرض أحدث ابتكاراتها في معرض DSEI 2025    تعزيز الابتكار في خدمات الإعاشة لضيوف الرحمن    مجلس الوزراء: نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر تخطت مستهدفات 4 سنوات متتالية    ‏أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لأعمال الجوازات بالمنطقة    أمير المدينة يفتتح ملتقى "جسور التواصل"    فييرا: "السعودية مركز عالمي للرياضات القتالية"    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    عندما يكون الاعتدال تهمة    يوم الوطن للمواطن والمقيم    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    صحن الطواف والهندسة الذكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باليه «بياض الثلج» في مهرجان بيت الدين: دراماتوجيا الجسد والحب

تمازج ضباب جبلي كثيف مع ضوء قمر باهت، اتكأ على كتف جبل شوفي كثيف الأشجار. حمل الهواء الساكن برداً. وبدت بلدة «بيت الدين» وكأنها تشارك في تجهيز المسرح. وبضربة رعد مفاجئة مع صوت مطر ورياح، اهتّزت لها بعض أجساد الجمهور، ابتدأ عرض بالية معاصر يروي إحدى قصص السحر الأكثر شهرة، هي «بياض الثلج». وهجر الباليه ورقصاته النسق المعروف لهذه القصة الفائضة بالسحر، ليقدّم رؤية معاصرة ترتكز الى تحليل نفسي معمّق. ففي الشكل التقليدي، تروي القصة صراعاً بين زوجة الأب الشريرة والساحرة، مع البنت الكاعب «بياض الثلج» التي يغيظ جمالها المتفتح تدريجاً المرأة التي تفترض في نفسها أنها مركز الأنوثة والفتنة والسحر. في عين التحليل النفسي، هناك بُعد جنسي قوي في قصة الأطفال «بياض الثلج». هناك الصراع بين امرأتين على امتلاك الجسد الأجمل والأشهى والأشد أسراً للذكور. حتى في شكلها التقليدي «الطفولي»، ينتهي الصراع بمشهد جنسي (قبلة الحبيب التي تنتشل «بياض الثلج» من غيبوبة السحر)، يليه مشهد أكثر إضماراً للجنس هو الزواج الذي يكرس أن الطفلة الكاعب أضحت أنثى تتملك ذكراً.
وفي عين التحليل النفسي، يمكن اختصار قصة «بياض الثلج» إلى تملّك المراهقة لمسار بلوغها وأنوثتها، في صراع مع أنثى منافسة ممتلئة شراً وغيظاً من الأنثى- المنافسة، التي تريد إزاحتها عن عرش الأنوثة ومضمراتها ومكوّناتها. واستطراداً، فمن بداهات مدرسة التحليل النفسي تناول المضمر جنسياً في العلاقة بين الأب والابنة، ويُشار إليها ب «عقدة إلكترا»، التي تشابه وتعاكس العلاقة المضمرة بين الابن والأم المعروفة ب «عقدة أوديب». وفي كلا العلاقتين، هناك أيضاً علاقة الفرد مع السلطة أيضاً، إذ يتصادم الابن مع الأب كرمز للسلطة، وكذا تفعل البنت، وإن بصورة أشد رهافة وخفاء. وتُكثّف المسرحية الإغريقية «أوديب ملكاً» لسوفوكليس (ترجمها الى العربية طه حسين) هذه الأمور، في بعديها الجنسي والسلطوي.
وفي مهرجان «بيت الدين»، لم يتأخر المخرج الفرنسي أنجلين برليوستش (من أصول ألبانية) في نظم رؤيته عن «بياض الثلج»، سيراً على نسق التحليل النفسي لها، خصوصاً لجهة صراعي الجنس والسلطة، مع تركيز أكبر على الجنس. إذ تفتح الباليه على ولادة «بياض الثلج» وموت أمها في القصر والتقاط أبيها للمولودة، في مشهد يذكّر بولادة أوديب ورميه في الصحراء والتقاطه من حاشية تحمله الى القصر.
وفي دورتي رقص سريعتين، نصل الى «بياض الثلج» الشابة اليافعة، بجسد يفيض أنوثة. ثم تجلس على العرش (= السلطة) إلى جانب أبيها، في إزاحة رمزية واضحة لموقع الزوجة، ولكنها تخالس اللمسات بيديها شاباً وسيماً. وفي ظل رقص بهيج، يهدي الشاب وشاحاً أحمر، للحبيبة. ولا يكتمل اللقاء الإنساني.
وتظهر زوجة الأب (وهو سيد القصر أيضاً)، فتمزج الحضور القمعي للسلطة، مع الصراع على الأنوثة والجسد. وترافق قطط تلك المرأة التي تمارس سحراً شريراً، مع كل ما تحمله القطط من دلالات جنسانية، ومع ظهور السحر بوصفه تمازجاً للشر في الكون والفساد في الإنسان. هناك نوعان من الجنس يتصارعان: أحدهما يحمل الإنسان على التكامل مع ذاته وكينونته ووجوده ويتمازج مع الحب؛ والآخر جنس ممزوج بشهوة التسلّط والقتل، ما يجعله نقيضاً للحب الإنساني.
وبعروض أدتها أجساد 26 راقصاً وراقصة، جاء بالية «بياض الثلج» في نسق من الرقص المعاصر، مع شيء من الكلاسيكية (الأصح أنها تمثّل الطريقة الرومانسية) في الأداء. وهكذا، تنوّعت الملابس الى حدّ الفردية، حتى عندما تتقلص الأردية ويُحمل الرقص على الجرأة في أداء الأجساد. واستطراداً، فلربما يصعب على كثير من الدول العربية استضافة هذه الجرأة القوية في الرقص، والتي لا تعتبر غريبة عن مخرج فرنسي تتلمذ في نيويورك على يد أستاذين في الرقص المعاصر هما ميرس كوننغهام وزينا رومييه.
وتألّقت براعة الكوريوغرافيا في تقديم مشهد حوار الزوجة- الشريرة مع مرآتها. إذ تلاعب المخرج على الظلام والإضاءة الباهتة، مع استخدام إطار فارغ، كي يقدم صورة المرآة ومشاهدها.
تألق الكوريوغرافيا وإرباكها
بعد تمهيد رسم إطار صراع الجنس والسلطة على الجسد الأنثوي وتفتحاته وحبه الإنساني. فتلاقي «بياض الثلج» حبيبها في حب معلن على الجماعة، يدخل بالفتاة الى علاقات الشباب أيضاً. ويصبح لقاء الأجساد تعبيراً قوياً عن العواطف الإنسانية الراقية والدافئة. وتحتضن الطبيعة تلك اللقاءات المشغوفة بالحرية والتطلّق من القيود والتحرر من السلطات. وأظهر الباليه شفافية التلاقي الإنساني، في رقص جريء ومتمكن في استعمال الأجساد لغة للرواية المسرحية، فلا يعود عريها إثارة ولا استثارة، بل حديثاً مسرحياً ينوب عن الكلام. إنه رقص يروي ويرتقي.
بعد مشاهد الحب في الطبيعة، تسير دراماتوجيا «بياض الثلج» لتلاقي الأحداث المعروفة في القصة التقليدية. ويبدو النصف الثاني من باليه فرقة برليوستش (على اسم المخرج)، وكأنه يلاقي الصيغة الشائعة التي صاغها الإخوة غرايم عن مرويات شفاهية ألمانية في عام 1912، والتي حوّلتها هوليوود الى شريط سينما للمخرج والت ديزني في 1937. لكن السياق الذي أرساه النصف الأول، بمشاهد مبتكرة للمخرج برليوستش تعطي للأحداث سياقاً ودلالة مغايرين.
إذ ترسل الساحرة الشريرة صيادين، في ملابس تذكر بالعسكر والميليشيات، كي يقتلوا الصبية. وتحمي الطبيعة، في ترسيمة مألوفة في الثقافة الرومانسية، الصبية وحبها وجسدها. ويخيب حاملي أسلحة السلطة في قتل الحب والأنثى.
وهكذا، فتح برليوستش مشهداً معروفاً في القصة التقليدية (الصياد الذي تطلب منه الشريرة قتل الصبية)، على سياق مغاير يحمل صراع الفرد من أجل امتلاكه جسده وعواطفه وحريته. وعلى غراره، يأتي مشهد لقاء الفتاة مع الرجال السبعة الذين يعملون في المناجم. لم يعد يهم إن كانوا أقزاماً أم لا، بل باتوا أقرب الى مشهد الناس العاديين والعاملين بكد، بعيداً من السلطة وسطواتها.
وتلاحق السلطة- الشريرة، بنفسها هذه المرّة، الفتاة التي باتت محتضنة من الشعب. وتنجح في إدخال السمّ إلى جسدها. ويجري ذلك في مشهد رقص تفيض الكوريوغرافيا فيه بقوة التجاذب والصراع، إلى حد أن تلقي السمّ جاء أقرب الى معنى الإخضاع.
إنه تقاطع هائل بين قوة الكوريوغرافيا الواسعة الخيال والتدبير، وبين دراماتوجيا المسرحية، في اللحظة الأشد تمثيلاً لمعنى الصراع على الجنس والحرية. ويأتي الحبيب. ويأتي لقاء الأجساد وقبلاته، ليحارب يأس الغيبوبة التي حملتها تفاحة حمراء مسمومة. وتنهض الحبيبة من غيبوبتها. ينجح الحب والجنس في رد تغريب الجسد عن حريته واستلاب السلطة لإنسانية البشر.
وعلى رغم تلك القوة، بدا خيط السلطة وكأنه أفلت من يد المخرج، قبيل ختام المسرحية، على رغم استمراره في إمساك خيط الجنس. وحتى مشهد قتل الزوجة الشريرة، جاء قريباً من مشاهد إحراق الساحرات (التي تذكر بمحاكم التفتيش وقمعها)، ما أوقع مشهد الختام في بعض الإرباك، على رغم قوة الأداء رقصاً وجسداً، وكذلك على رغم التألّق في اختتام الشق الجنسي من الصراع الضخم الذي رواه الرقص في باليه «بياض الثلج».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.