أعربت بعثة الأممالمتحدة في العراق (يونامي)، ومفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان عن «قلقها الشديد من تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين وحقوق الإنسان في العراق». وعزت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان السابق استمرار الانتهاكات الى «نقص التشريعات القانونية والى غياب ثقافة حقوق الإنسان لدى أجهزة الأمن والمجتمع»، فيما رأى «ائتلاف العراقية» أن «جرائم الحكومة المنتهية ولايتها أكثر من جرائم نظام (الرئيس العراقي الراحل) صدام (حسين)». وأشاد التقرير الأممي ب«التحسن الأمني»، لكنه اعتبر أن «الحالة العامة لحقوق الإنسان في البلاد لا تزال تشكل مصدراً للقلق». وجاء في التقرير الذي غطى النصف الثاني من عام 2009 وأعدته بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن «معدل الهجمات العشوائية التي تستهدف دور العبادة، والموجهة ضد الجماعات العرقية، ارتفع في شكل ملحوظ خلال الفترة الممتدة بين الأول من تموز (يوليو) و31 كانون الأول (ديسمبر) عام 2009». وأضاف أنه «وفقاً لإحصاءات قدمتها حكومة العراق لبعثة يونامي، فانه تعرض ما لا يقل عن 4068 شخصاً من المدنيين للقتل و15935 شخصاً للإصابة في العراق في عام 2009». وأوضح أنه «وفي حين انخفض عدد الوفيات بين المدنيين في شكل طفيف في النصف الثاني من العام، إلا أن عدد الجرحى من المدنيين ارتفع في شكل كبير، إذ بلغ عدد الجرحى المدنيين في الهجمات 9747 جريحاً مقارنة ب6188 جريحاً خلال الأشهر الستة الأولى». وأضاف أن «الهجمات ضد الجماعات الدينية والعرقية استمرت بلا هوادة، وتلقت البعثة تقارير عن وقوع أعمال قتل وخطف وابتزاز وغيرها من الهجمات العنيفة التي تستهدف المسيحيين، وشهدت الفترة المشمولة بالتقرير أيضاً هجمات تستهدف الشبك». وأشار التقرير الى أن «مسلحين شنوا هجمات بالقنابل على خمسة مساجد للشيعة وهجمات مماثلة على ما لا يقل عن 11 كنيسة في الفترة المحددة بالتقرير». ولاحظ التقرير الأممي تواصل عمليات الاغتيال التي تستهدف المسؤولين الحكوميين والشخصيات البارزة طوال الفترة المشمولة بالتقرير، ولا سيما القضاة ورؤساء العشائر والوزراء وأعضاء مجالس المحافظات والأشخاص المنتمين إلى كيانات السياسية وغيرهم من المدنيين من الشخصيات البارزة، فضلاً عن مسؤولي الأمن الرفيعي المستوى. وانتقد التقرير «عجز الحكومة عن وقف العمليات التي تستهدف الصحافيين»، مؤكداً أن «الصحافيين والإعلاميين ما زالوا يتعرضون إلى الاعتقال التعسفي والاحتجاز والمضايقات والرقابة». ولفت تقرير الأممالمتحدة إلى أوضاع حقوق الإنسان في السجون وأماكن الاحتجاز في العراق، فضلاً عن مواجهة أكثر من 12 ألف سجين لعقوبة الإعدام في البلاد حتى تاريخ 31 كانون الأول عام 2009. وحضت المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة نافي بيلاي الحكومة العراقية على «التحقيق في ادعاءات السجناء بتعرضهم الى التعذيب وإحالة المسؤولين عنها إلى العدالة وإلا فإن ممارسات من هذا النوع من شأنها أن تؤثر في انتعاش العراق». وأشار تقرير الأممالمتحدة إلى «إعدام 93 شخصاً بينهم ثلاث نساء خلال النصف الثاني من العام مقارنة ب31 شخصاً (بينهم امرأة واحدة) في الأشهر الستة الأولى». واعتبر أن «هذه زيادة كبيرة ومثيرة للقلق». ولفتت بيلاي الى أن «القانون الدولي لا يسمح بتطبيق عقوبة الإعدام إلا في ظروف محدودة جداً، تتمثل بارتكاب أشد الجرائم خطورة، وفقط بعد إجراء محاكمة واتباع إجراءات الاستئناف التي تحترم بدقة مبادئ المحاكمة العادلة كافة». ودعت عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان السابق والقيادية في «جبهة التوافق» شذى العبوسي الى «الإسراع في مصادقة العراق على المعاهدات والمواثيق الدولية كافة الخاصة بحقوق الإنسان». ورأت العبوسي في اتصال مع «الحياة» أن «استمرار الانتهاكات يعود الى قلة الوعي وغياب ثقافة حقوق الإنسان لدى أجهزة الأمن وحتى المجتمع». وأقرت ب«وجود انتهاكات كبيرة ليس فقط لحقوق السجناء، ولكن حتى حقوق المواطن، ولا سيما في ظل البطالة وصعوبة الحصولة على فرصة عمل وارتفاع معدلات المعيشة وأزمة السكن، وتردي الواقع التعليمي وعدم وجود الضمان الاجتماعي للعاجزين عن العمل». لكنها أعربت عن تفاؤلها في «التقدم في مجال احترام حقوق الإنسان، ولا سيما أن العراق خطا الخطوة الأولى في هذا المجال ويحتاج الى إكمال تشريعاته القانونية، والى تعزيز هذه الثقافة ونشرها بين شرائح المجتمع. وهذا يحتاج الى وقت طويل لتترسخ هذه الثقافة لدى الناس سواء الأشخاص العاديين أو المسؤولين الأمنيين والحكوميين». ويعاني العراقيون من غياب للخدمات الأساسية مثل الماء الصالح للشرب والكهرباء. كما يواجهون أزمة حادة في السكن ما أدى الى ارتفاع معدلات الإيجار الى مستويات عالية جداً، يصعب على ذوي الدخل المحدود دفعها. وما زالت معدلات البطالة في ارتفاع، إذ تؤكد الاحصاءات الحكومية الرسمية أن معدل البطالة وصل إلى أكثر من 40 في المئة، على رغم أن اللجنة المالية في البرلمان السابقة تقول إن «موازنة العراق خلال الأربع سنوات الماضية وصلت الى حوالى 400 بليون دولار». ورفضت كل الأطراف الحكومية التعليق على التقرير الأممي، إذ حاولت «الحياة» الاتصال بوزارة حقوق الإنسان العراقية والناطق باسم الحكومة وأحد مستشاري رئيس الوزراء للحصول على رد منهم، لكنهم تذرعوا بذرائع مختلفة للتهرب من التعليق على الموضوع. بدورها، اتهمت «القائمة العراقية» بزعامة اياد علاوي الحكومة المنتهية ولايتها بأنها «لم تعر أي اهتمام لحقوق الإنسان». واعتبر القيادي في القائمة شاكر كتاب في تصريح الى «الحياة» أن «العراق يقع في مقدم الدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان». وحذر كتاب من أن «بعض المسؤولين الحاليين يحاول تقليد النظام السابق في هذا المجال»، مؤكداً أن «الجرائم التي ارتُكبت في ظل الحكومة المنتهية ولايتها هي أكثر من الجرائم التي ارتكبها نظام صدام السابق». ودعا كتاب الحكومة المقبلة إلى «تحسين سجل حقوق الإنسان في العراق وتطبيق المعايير الدولية في معاملة السجناء، وفتح تحقيق مع جميع الذين انتهكوا هذه الحقوق». ورأى النائب عن «العراقية» حسين الشعلان أن «الأممالمتحدة تأخرت كثيراً في إدانة الانتهاكات في العراق، وهي أكدت ما كنا نقوله». وقال ل«الحياة» إن «الأممالمتحدة هي آخر من تكلم، وهذا الموضوع يحدث منذ أكثر من سبع سنوات. وحقوق الإنسان العراقي منتهكة». وأضاف أن «الانتهاكات ليست في السجون بل هناك تمايز في تعامل الحكومة مع العراقيين. وفشلها في تقديم الخدمات التي أدت الى حرمان المواطن من أبسط حقوقه هي أكثر الانتهاكات التي تحصل يومياً في حق جميع العراقيين».