على رغم أنّ ما سأكتبه مطلوب أخلاقياً، والمفترض ألا يعد التصرف (غريباً ولا عجيباً) الا أنني لا أتمكن دوماً من منع بعض الدموع والقشعريرة التي تصيبني لا إرادياً عندما أصادف موقفاً من هذا النوع... أفرح بشدة عندما أجد بطاقة صغيرة على سيارة زوجي وكُتب عليها (أنا آسف صدمت سيارتك وهذا اسمي ورقم هاتفي ومستعد باللي يرضيك) وغيرها مثل (ولدي قام بتشخيط سيارتكم وقمت بتوبيخه وهذا اسمي ورقم هاتفي وعنوان منزلي) مع الاعتذار الشديد. يعجبني كثيراً كثيراً من يتمكن من مواجهة الأمر، وهذا أصادفه من بعض عمال النظافة الذين يعملون في مكان عملي، والذين يحاولون بكل الطرق تقديم اعتذارهم على فقدان كوب أو كسر إناء الزرع أثناء عملية التنظيف)، وأسعد كثيراً باعتذارهم لسبب واحد (أنه كان يمكنهم التغاضي عن ذلك وعدم الاعتراف، خصوصاً والمكان مفتوح للكثيرين) لا مجال لاتهامهم بمفردهم، وأؤمن أن الذي يدعوهم الى ذلك (أخلاقهم فقط لا غير) مثلهم مثل الذي يضع بطاقته ورقمه على سيارة صدمها ولم يره أحد الا الله... ما الذي يجبره على التحلل الا أخلاقه وخوفه من الكريم. أسعدني بشدة الخبر الذي قرأته في صحيفة «سبق» عن شاب سعودي ظل يسأل عن صاحب المطعم حتى وجده، وعندما انفرد به قدم له الكثير من الاعتذارات عن سلوك خطأ قام به قبل أربع سنوات تمثل في سرقة أدوات تراثية من فوق مائدة الطعام وظل طوال أربع سنوات يعاني من الندم حتى تشجع وذهب الى الرجل واعترف وأعاد ما قام بسرقته ورفض أن يأخذ (ما سرقه) هدية من الرجل عن طيب خاطر وغادر وهو يردد أنا لا أستحقها، بالطبع موقف رائع وجميل على رغم أنه مطلوب دينياً وأخلاقياً والعودة الى الحق لا يمنعني أن أثمن كثيراً موقفه وموقف الرجل الكريم الذي قبل اعتذاره ولم يفضحه، فهو بأسلوبه عزز سلوك الشاب وأزال عن كاهله عذاباً كبيراً وخلصه من تأنيب الضمير. وضعت الخبر على صفحتي الخاصة على «الفيس بوك»، ووجدت رسائل عدة توجه لي نقداً لاذعاً عن سبب فرحتى بسلوك من (أطلقوا عليه لقب حرامي وان تاب)، اليوم أقول لهم شكراً لأنهم حفّزوني لأن أكتب المقال لأشكره ولأشكر الرجل الكريم صاحب الأغراض على الملأ وأذكرهم بخطورة معايرة الانسان بموقف خاطئ قام به ثم تاب عنه الله سبحانه وتعالى، وهو أكرم الأكرمين يقبل التوبة ويمحو الذنب، ونحن البشر نرفض ذلك ونوصم الرجل الشريف والشجاع ونستغرب ان قام أحدنا بتثمين موقفه ومدحه. الزوج الصالح الذي يرعى ابناءه ويقوم بالصرف عليهم (من واجباته ذلك) فهل لأنها من واجباته لا يشكر عليها؟ الزوجة التي تقوم بأعباء منزلها ألا تستحق كلمة شكر ودعاء يريحها من التعب والعناء فهل لأنها من الواجبات نحرم هؤلاء من كلمات الشكر والثناء والتقدير؟ مجرد امثلة لتقريب الصورة التي تحتاج الى مراجعة انفسنا لنقوم بشكر من يعودون عن أخطائهم ومن يقومون بأعمالهم خير قيام حتى ولو كانت من واجباتهم الأساسية. همسة: البخل لا يعني البخل بالمال فقط، بل البخل حتى بكلمة شكر لمن يستحقها في زمن الجفاف العاطفي. [email protected]