هل هناك فوارق بين «استديو الفنّ» في رحلته الطويلة السابقة، وبرامج الهواة الأخرى؟ وهل صورة الهواة في تلك البرامج من صورة لجان التحكيم حقاً؟ لقد تغيّر الزمن الفنّي من ضمن سلة كاملة من المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في العالم العربي. وإذا كان التغيّر في كل هذه النواحي الأساسية في حياة المجتمع في المنطقة قد جعل بعض الأفكار «السابقة» وأساليب التعبير عنها في خانة سقط المتاع أحياناً، فإنّ التغير على الصعيد الفني لم يكن أقلّ، فمجرّد نظرة متأنية الى ذلك التراكم الغنائي والموسيقي المتواصل منذ سنوات عدة والذاهب عميقاً في البهتان، كافية لتقديم البراهين التي لا تنازع على ذلك. وليس هنا مجال للقول أكثر. ذلك أن ما نصوِّب عليه في هذه المقالة هو التغير القاتل الذي حصل في مستوى لجان التحكيم في البرامج الفنية الفضائية التي تنجب نجوماً من... هواة غناء - فضلاً عن اللجان التي تتولى الحكم على النتاج الغنائي في بعض شركات الإنتاج العربية هذا إذا وجدت! بدايةً، نفرغ من الكلام على لجان الرأي في شركات الإنتاج عبر جملة قصيرة هي أن الشركة تكلف مدير إنتاج موظفاً لديها لمتابعة نجم أو أكثر تتعامل معه، ويقتصر دوره على بعض الحسابات المادية وبعض الملاحظات الفنية العابرة على بعض الأغاني التي يختارها النجم من دون تحديد أي معايير أو اعتبارات فنية واضحة. المزاج هو الغالب مع بعض الخبرة «الميدانية». أما لجان التحكيم في برامج هواة الغناء المتكاثرة كالفطر حيناً وكالعشب حيناً آخر، فقد انقلبت حيثياتها، وتبدّلت المعطيات التي تفرض عناصرها بناءً على خبراتهم وإنجازاتهم العالية لمصلحة معطيات «العلاقات العامة والادّعاء» و «الاستعراض» في غالبية الحالات. في ذاكرة الجمهور اللبناني، هناك لجنة تحكيم واحدة لها صورة وَقُورة، هي لجنة برنامج «استديو الفنّ»... البرنامج التلفزيوني اللبناني الذي امتدّ في تلفزيون لبنان الرسمي منذ 1973 حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي وأنجب وليد توفيق وماجدة الرومي وراغب علامة وعدداً كبيراً من المواهب الحقيقة التي ثبتت في «الزمن» الفني وتكرَّست... ثم أنجبَ البرنامج في مرحلة تالية مواهب أخرى حقيقية مثل وائل كفوري و نوال الزغبي وأليسا وآخرين... حققوا حضوراً متميّزاً بعد انتقال البرنامج إياه إلى «المؤسسة اللبنانية للإرسال». لجان التحكيم في «استديو الفن» على تعدد مراحله وسنوات عمره السابقة، كانت مزيجاً من التجارب الفنية القديمة والجديدة ممثلة بشخصيات مؤثرة... الدكتور وليد غلمية وروميو لحود مثلاً كانا في الأربعين من عمرهما لا أكثر عندما جلسا في اللجنة إلى جانب الموسيقي المعتق عبد الغني شعبان. وعندما أضيف مارسيل خليفة الى اللجنة كان في مطلع اشتغاله بالموسيقى. أما لجان التحكيم المنتشرة اليوم فبعضها غث وبعضها سمين، بعضها يعرف ما يقول وبعضها يقول ما لا يعرف، بحيث ضاع المشاهد في تحديد رؤيته وتظهير حكمه على أعضائها نظراً للبروباغندا الإعلامية التي ترافق البرامج عادة وتحول في ماهية الأشخاص ومستواهم من درجة واقعية الى درجة أخرى وهمية وأسطورية أحياناً. لم يكن المطلوب من عضو لجنة التحكيم في برامج هواة الغناء يوماً أن يصرخ بأعلى صوته كالمجنون وليس في كلامه إلاّ نبرة التهريج وانفعالاته! ولا كان المطلوب أن يطلق عضو اللجنة، أي لجنة، العنان لأوصاف وتشابيه كواكبية وفضائية ما أنزل الله بها من سلطان على موهبة عادية لا تكاد تتجاوز مرتبة الوسط، ولا ضمن المطلوب تحويل منصة لجنة التحكيم الى منابر لمدّعي المعرفة الفنية ومنتحلي الصفات الموسيقية والمسرحية. كان ولا يزال المطلوب تقديم تحليل لمستوى كل صوت ونقاط ضعفه وقوّتِه، وإسداء النصح الفني لكل محتاج، والهواة محتاجون. أما أن ينقلب أعضاء اللجان إلى «ممارسي» نجومية، وجلاوزة رأي، وفرق إعدام على الفور، وعارضي أزياء وعارضي مواقف وعارضي ثقل دم، فذلك ما لا يُحتمل. ذلك أن وضعاً كهذا، لا يقدّم صورة ممجوجة أو هابطة لهذا وذاك ممّن يتصدّرون الشاشة فقط، بل ينعكس سلباً جداً على البرنامج ككل فيعطيه صورة مماثلة في الرعونة والمجاجة والهبوط. لقد قدَّم «استديو الفن» في الماضي نجوماً للأغنية اللبنانية والعربية، وكانت صورة الهواة من صورة لجنة التحكيم أحياناً، فكان جيل جديد للغناء عرفنا ماذا فعل، وكيف استمرّ أكثر من ثلث قرن في الواجهة. لهذا السبب ربما ننظر حولنا فلا نجد هاوياً متخرّجاً أو قد يتخرَّج من البرامج المتوالية استطاع أن يكون... أو لا يكون حقاً، إلاّ في ما ندر.