لا أحد يقّر في طهران بأن العقوبات لن تؤثر علي الآلية الاقتصادية الاجمالية الايرانيه، لكنّ الايرانيين يعتقدون ان بلدهم الذي خضع لأشكال متعددة من العقوبات منذ قيام الجمهوريه الاسلامية عام 1979، يستطيع ان يستوعب اي عقوبات جديدة، بناء علي الامكانات المتوافرة علي الصعيدين المحلي او الدولي، اضافة الي الخبرة التي اكتسبها المسؤولون في ادارة مثل هذه الازمات. فالولاياتالمتحدة فرضت العقوبات علي العديد من المجالات بعد حصار السفارة الاميركية عام 1979، بما في ذلك النقل الجوي، فيما اصدرت عام 1995 قانون داماتو الذي حظر علي الشركات الاجنبية العمل في مجال النفط والغاز في ايران بعقود تزيد علي 20 مليون دولار، في الوقت الذي تخضع ايران الي عقوبات اقتصادية من نوع آخر أصدرها مجلس الامن الدولي منذ عام 2006 علي خلفية برنامجها النووي. واثبتت العقوبات التي اصدرها مجلس الامن الدولي في اكثر من بلد، اخفاقها في تحقيق النتائج المتوخاة. فخلال السنوات الاربع الماضية لم تستطع العقوبات التأثير علي الحكومة الايرانية لتعليق التخصيب، بل علي العكس اذ زادت من كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، فيما نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسبة وصلت الي عشرين في المئة، وهي تتحدث عن قدرتها في زيادة هذه النسبة وانتاج الوقود النووي الذي تريد استخدامه في مفاعلاتها التي تعمل لانتاج الطاقة الكهربائية. وتقول دراسة اصدرها مركز الابحاث الاستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ان ايران نجحت في استقطاب المزيد من الاستثمارات في مجال النفط والغاز علي رغم المقاطعة التي تفرضها الولاياتالمتحدة، اذ ارتفعت صادرات النفط الايرانية للصين علي سبيل المثال»، اكثر من 11 في المئة في الاشهر الاربعة الاولي من عام 2007، قياساً على الاشهر نفسها في عام 2006. اما في مجال الغاز، فان الصين وقعت مع ايران في تشرين الأول (اكتوبر) 2004 اتفاقاً بمبلغ 100 بليون دولار لمدة 25 عاماً. وتعتقد الدراسة ان الولاياتالمتحدة تهدف استراتيجياً الي فتح المجال النفطي الايراني أمام الشركات الاميركية، وانهاء القلق الذي ينتاب هذه الشركات من سيطرة منافسيها علي السوق الايرانية. ويستبعد الايرانيون ان تكون المقاطعة مقدمة لاستخدام الخيار العسكري، كما حدث في العراق، لأن «اي حرب تشن علي ايران سوف تنسحب علي انسيابية مرور الطاقة من مضيق هرمز الذي يؤمن 40 في المئة من مجموع الصادرات النفطيه للسوق العالمية». وعلي رغم ان ايران لم تستخدم الى الآن النفط كسلاح ضد الدول الغربية، لكن انخفاض الصادرات النفطية الايرانية لاي سبب سيرفع اسعار النفط في السوق العالمية، وما سيحمل المزيد من المشاكل للاقتصاد العالمي في وضع لا يحسد عليه. وفي ظل العقوبات الاقتصادية الحالية، فان الارقام تتحدث عن استيراد ايران أكثر من 5800 نوع من البضائع والخدمات من اكثر من 150 بلداً، في الوقت الذي تصدر بضائعها وخدماتها الفنية لاكثر من 140 بلداً، وهذا ما جعل المسؤولين الايرانيين لا يخشون عقوبات اقتصادية. وقد اصدرت السلطات الايرانية قراراً يقضي بتعويض الشركات الخاصة التي تتضرر من العقوبات الاقتصادية، الا ان منظمة تنمية الصادرات الايرانية لم تتحدث عن خسائر في هذا المجال. وتعرض الاقتصاد الايراني خلال السنوات الاخيرة لنوعين من المشاكل، الاول نتيجة قرارات مجلس الامن الدولي، والثاني نتيجة الضغوط السياسية للادارة الاميركية علي الدول التي تتعامل مع ايران في المجال الاقتصادي. لكن تنوع المصادر الاقتصادية الخارجية ساهم الي حد كبير في اعطاء ايران هامشاً اكبر من الحركة في السوق العالمية، خصوصاً مع رغبة العديد من الدول المستهلكة للنفط التعامل مع ايران، لأن تنفيذ المقاطعة علي القطاع النفطي الايراني سيرفع من اسعار هذه المادة، ويؤدي الي الاضرار باقتصاداتها. وفي ظل عدم وجود اجماع دولي على تشديد العقوبات علي ايران بسبب برنامجها النووي، فإن العقوبات الاقتصادية لا يمكن ان تتعدي خطوطاً معينة، ما اعطي السلطات الايرانية القدرة علي ادارة المقاطعة، والتقليل من نتائجها علي الاقتصاد. وساهمت المشاكل الدولية والاقليمية في معارضة دول عدة مقاطعة ايران اقتصادياً، باعتبارها سوقاً مهمة، أو استغلال طلب المقاطعة للمساومة علي قضايا اخري في علاقاتها الدولية. وتري منظمة تنمية التجارة الايرانية ان ايران نجحت في استبدال شركائها التجاريين بآخرين وفروا لها التقنية الصناعية الحديثة وخطوط الانتاج التي تحتاجها، من خلال مشاركتهم في العملية الانتاجية لهذه التقنية الي جانب المؤسسات الايرانية، وهذا ما وفر فرصاً افضل من نقل التقنية الجاهزة لايران. وتشير الدراسة التي انجزها مركز الابحاث الاستراتيجية الايراني الي 115 حالة مقاطعة في المجتمع الدولي، ظهر ان 41 حالة فقط (36 في المئة) نجحت في تغيير السلوك بسبب عامل المقاطعة. وبناء علي قراري مجلس الامن الدولي 1737 و 1747 بحق ايران، دعيت الدول الاعضاء في منظمة الاممالمتحدة الي ارسال تقاريرها الي لجنة العقوبات لتوضيح طبيعة علاقها بايران، الا ان اقل من 40 في المئة من هذه الدول ارسلت تقاريرها كما قال السفير البلجيكي يوهان فريكه الذي رأس اللجنة عام 2007، من دون معرفة طبيعة هذه التقارير والحالات التي عالجتها. وثمة اعتقاد، ان المقاطعة الاقتصادية الكاملة ربما تستطيع شل الحياة الاقتصادية وتؤثر في شكل كبير علي الأوجه المتعددة للاقتصاد الايراني، الا ان التجارب الدولية اثبتت ان المقاطعة ستضعف ايضاً في ما اذا انتهكتها جهة دولية. ويشير اقتصاديون الى ان ايران تستطيع التعاطي مع الشركات العالمية البعيدة من العقوبات والتي تبحث عن اسواق في ظل غياب الشركات الكبيرة. وتتحدث الارقام التي يوردها صندوق النقد الدولي عن زيادة حجم التبادل التجاري بين ايران ودول اميركا اللاتينية بنسبة ثلاثة اضعاف لتصل الي 9.2 بليون دولار عام 2008، منها علي وجه التحديد بليونا دولار من نصيب البرازيل التي يحتل اقتصادها واحداً من اكبر اربعة اقتصادات في العالم. ويقول مصطفي محمد خاني طهراني «17 سنة من العمل في مجال الانسان الآلي» ان فرض المزيد من العقوبات سيدفع الايرانيين الي المزيد من العمل والاعتماد علي الذات في الحصول علي ما يريدونه من اجهزة ومعدات. اما سعيد شيري قيداري الذي يعمل في جامعة شريف الصناعية فيلاحظ «عدم رغبة الايرانيين في فرض المقاطعة لانهم لا يريدون العمل في ظروف صعبة واستثنائية تُستنزف فيها الاموال الطائلة، لكن، اذا فرضت، فإن الشعب سيتجه لمعالجة المشاكل وهذا منطقي، وقد تؤثر المقاطعة علينا لكنها لن تتمكن من ايقاف عجله التقدم، ومن المحتمل تأثيرها علي سرعة العمل لكنها لن تستطيع التأثير في العمل بحد ذاته».