قطر تستضيف كأس الخليج العربي تحت 23 عامًا    حاضنة مأمني الإبداعية توقع اتفاقية تعاون مع جمعية "معًا" لإطلاق نادي إعلامي واحتضان الفرق التطوعية    أمانة جازان تنفّذ مبادرة للتشجير ضمن حملة "تطوّعك يبني مستقبل" لتعزيز جودة الحياة    الأسر النازحة في قطاع غزة تشكر المملكة على إنشاء مخيم آمن    خام برنت يستقر عند 63.10 دولار للبرميل    بلدية أبوعريش وجمعية أثر تنفّذان مبادرة لتطوير السلامة المرورية وتحسين المشهد الحضري    نادي ثَقَات الثقافي يُكرّم صحيفة الرأي الإلكترونية    «نور الرياض».. خمس سنوات من الإبداع    الأولمبياد الخاص السعودي يشارك في كأس العالم لكرة السلة الموحدة    أسماء عالمية تشعل ربع نهائي كأس الملك وتُبرز ثِقل المدارس التدريبية    تحت شعار "صحة روح"… جمعية روح الصحية تنفّذ برنامج الفحص المبكر عبر تحاليل الدم بمحافظة العارضة    «زاتكا» تُحبط تهريب أكثر من 52 ألف حبة إمفيتامين و3.8 كجم كوكايين    القيادة تهنئ رئيس ألبانيا بذكرى استقلال بلاده    أمانة الشرقية تنفّذ تجربة فرضية للتعامل مع حالات انهيار الأنفاق    اللواء محمد الهبدان يجري عملية قلب مفتوح ويشكر سمو وزير الداخلية على متابعته المستمرة    إيلارا... منصة عربية تحتفي بإبداعات الشباب وتطلق ست فئات للمنافسة    الأحساء أنموذجا للتنوع الثقافي عربيا    الشيخ أسامة خياط يدعو إلى الأخوّة واجتناب الإيذاء ولزوم القول الحسن    الشيخ خالد المهنا يبين منزلة الصبر وفضله في حياة المؤمن    زلزال بقوة 5.1 درجة يهز وسط إيران    سعر اوقية الذهب يرتفع الى 4189.61 دولار    الاتحاد يدخل صراع على جوهرة إسبانية    الشباب يُحدد موقف حمدالله    رحيل دوفرينيس عن تد ريب الباطن    نائب أمير حائل يرفع شكره و امتنانه للقيادة    وزارة الاتصالات تختتم هاكاثون الذكاء الاصطناعي التوكيلي agentx    بوتين: روسيا ستوقف القتال إذا انسحبت أوكرانيا من أراض تطالب بها موسكو    إجازة الخريف تسجل أسعارا فلكية للفنادق والطيران    الرياض تستضيف المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار في المتاحف    المنتخب البرتغالي بطلاً لكأس العالم تحت 17 عاماً    جازان تودع شاعرها المدخلي    أمر ملكي بتمديد خدمة نائب أمير حائل لأربع سنوات    مقاربة أمريكية إسرائيلية لتفادي الحرب المباشرة مع إيران    الأمين العام لمجلس الشورى يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أمينًا عامًا للمجلس    تجمع الرياض الصحي الأول يعزّز جاهزية الرعاية الصحية في معرض الطيران السعودي 2025    بدر الشهري مديرًا لإدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة    السيف العقارية تستحوذ على أرض صناعية في الظهران بمساحة مليون م2 وبقيمة تتجاوز 430 مليون ريال    حوارات تحت سقف واحد.. بين الفردية وشراكة الحياة الزوجية    هيئة تنظيم الإعلام تحيل 6 أشخاص إلى النيابة العامة بسبب نشر محتوى يؤجج الرأي العام    "التخصصي" يستضيف قمّة التعاون في الجراحة الروبوتية بالرياض    علماء صينيون يطورون لسانا اصطناعيا لقياس مستوى الطعم الحار    وسط خلافات مستمرة حول بنود حساسة.. الكرملين يؤكد استلام النسخة الجديدة من «خطة السلام»    تقمص هيئة والدته «المتوفاة» لأخذ معاشها    تشمل خمس قرى وتستمر لعدة أيام.. إسرائيل تطلق عملية عسكرية واسعة بالضفة الغربية    استعرضا عدداً من المبادرات والمشروعات التطويرية.. أمير المدينة والربيعة يناقشان الارتقاء بتجربة الحجاج    عبر منظومة خدمات لضيوف الرحمن.. الحج: 13.9 مليون مرة أداء للعمرة خلال جمادى الأولى    وسط تحذيرات إسرائيلية من تصعيد محتمل.. اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص    «الثقافة» تعزز الهوية الوطنية في المؤسسات التعليمية    أكد أن مؤتمر «حل الدولتين» حقق نجاحاً كبيراً.. الدوسري: توظيف العمل الإعلامي العربي لخدمة القضية الفلسطينية    خلال المؤتمر العالمي ال48 في جنيف.. السعودية تحرز 18 جائزة دولية عن تميز مستشفياتها    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح أوروبا    الباحة تقود الارتفاع الربعي للعقار    ملف الرفات وتحديات الهدنة: تبادل هش ومصير معلق في غزة    إتاحة التنزه بمحمية الطوقي    المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب يعقد أعمال دورته ال21    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية الفلبين    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة باجتماع مجلس الدفاع المشترك.. تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين دول التعاون    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلوى روضة شقير تختبر التجريد ب«أشكال نبيلة»
نشر في الحياة يوم 10 - 05 - 2010

بعد غياب طويل عن الساحة التشكيلية المحلية والعربية، يأتي معرض الفنانة سلوى روضة شقير «أشكال نبيلة» الذي يقام في غاليري مقام (الصيفي فيليج لغاية 15 أيار(مايو) بمثابة مفاجأة مدهشة ومثيرة، إذ أن المعرض يسلط الضوء على السنوات العشر الأولى من حياتها الفنية - الاحترافية حين كانت تزاول الرسم والتصوير قبل ان تنصرف كلياً الى النحت، وذلك من خلال 58 لوحة (زيتيات وغواش) تعود الى حقبة ممتدة ما بين عامي 1946و1956، تشهد على ولادة فنانة كبيرة عُرفت كرائدة التجريد الهندسي في العالم العربي.
ليست الحقبة مجهولة كلياً، بل ثمة لوحات قليلة سبق وعرضتها سلوى في بعض المعارض الجماعية والمناسبات الفنية ونشرت بعضاً منها في الكتاب الذي يتناول سيرتها وأعمالها. غير أنها تنكشف هذه المرة بكليتها للعيان دفعة واحدة، في سياق من العرض للتجارب المتواصلة والبحوث الجمالية والاختبارات الحثيثة على الأشكال الهندسية والطلاوة اللونية، الآخذة ما بين الحار والبارد والقوي والمحايد والقريب والبعيد واللطيف والمشاكس والتناقضي والتناغمي والمشبع والمخفف. في فلك هذه التجارب ثمة ما يؤكد ان الفنانة قد ذهبت إلى ابعد ما كانت تحلم به، وهو الجمع بين الابتكارات الشكلانية في التجريد الهندسي من داخل التوظيف الجمالي للعلاقات اللونية. فكل لوحة هي مسرح للون. واللون له دور أساسي وليس إملائياً للفراغ الداخلي او الخارجي من اللوحة. وفي حضرة الشكل الذي أخذ كل اهتمامها في ما بعد، أصبح بالإمكان تقدير ما لهذه البدايات التجريدية في التصوير من تأثير وانعكاسات ليس في الأعمال النحتية فحسب بل في مصوغاتها وأشيائها وسجادياتها ومجوهراتها الخلابة وتصاميمها، حتى أضحت تكاوين سلوى بعلاقاتها وتقاطعاتها وتشابكاتها ومعادلاتها التوفيقية بلا مثيل، حيث قوة الأشكال والمحتوى الداخلي للحركة. هكذا أكدت سلوى سيادة الشكل المجرد.
«إن أبحاث كاندنسكي حول النقطة والخط التي رأيناها جديدة، هي أبحاث قام بها الفنان المسلم منذ القرن الأول للهجرة». هذه المقولة لسلوى تعيد الأهمية الى موقع التجريد في الفنون الإسلامية، الذي غفل عنه عمداً الكثير من مؤرخي الفن في الغرب، لاسيما وأن كاندنسكي نفسه قد تساءل كيف بإمكاننا ان نصل الى فن مجرد دون أن نقع في الزخرف والتزيين. ولا أحسب أن كاندنسكي كان يجهل أهمية الأرابسك في الفنون الإسلامية، وهذا الاستنتاج التي طرحته سلوى ما هو إلا محصلة ثقافة وعوامل عديدة أقصت اهتمامات الفنانة عن محاكاة الشكل الإنساني منذ بداياتها المبكرة في الفن والتطلع الى استيعاب أسرار عبقرية الفنون الإسلامية، ولكن على ضوء أي عوامل؟
من طبيعة سلوى انها عنيدة ومشاكسة وحرة في أفكارها ومن الصعب أن تنصاع بسهولة إلى آراء لم تقتنع بها. منذ بداياتها لم تنخرط عميقاً في الواقعية ولا في تصوير الطبيعة إلا لماماً على رغم أنها مرت بمحترفين لإثنين من كبار فناني الانطباعية اللبنانية هما عمر الأنسي ومصطفى فروخ. غير أن حدثاً غيّر مجرى حياتها حين قضت سبعة أشهر في القاهرة العام 1943 وكانت المتاحف مغلقة بسبب اندلاع الحرب، فزارت الجوامع والمدارس والأبنية القديمة وتأثرت بما رأته من آثار الفنون الإسلامية. وكانت سلوى تجمع بين الفكر العلمي والمنطق الرياضي والمنحى الفني في آن واحد، لذا تكونت لديها قناعة بأن هذا النوع من الفن ينطوي على فكر ونظام وروحانية نابعة من فلسفة جمالية خاصة، كي تجد نفسها في ما بعد في موقف المدافع عن الفنون الإسلامية التي تناقض عميقاً تاريخ الفن في الغرب من الإغريق الى النهضة أثناء دراستها للفلسفة والتاريخ في حرم الجامعة الأميركية. من بعدها أقامت معرضاً في العام 1947 في صالة النادي الثقافي العربي في بيروت وكان عبارة عن رسوم هندسية بالألوان المائية، وصفها أستاذها الأنسي وقتئذٍ بأنها تزيينية. لم تتوقف عند هذا الوصف بل أيقنت بصوابية مسارها في الفن بعدما نظمت معرضاً في صالة النادي لمجموعة عالِم الآثار الفرنسي هنري سيريك الذي كان يقيم في بيروت، وكانت تضم اعمالاً لبيكاسو وكاندنسكي وميرو وكلي وكالدر وبراك وغونزاليس. وكان المعرض الأول من نوعه في بيروت.
الحدث الأهم في حياة سلوى انها حين قصدت باريس في العام 1948 لدراسة الفن، وجدت أن الدعوة الى الحداثة التي تعم الغرب ما هي إلا التجريد عينه الكامن في الفنون الإسلامية، في الفترة نفسها التي كان يحرز فيها التشييد والتجريد الهندسي تقدمه في مواجهة التجريد الغنائي والبقعية واستيحاء الطبيعة. في بادئ الأمر التحقت بمعهد الفنون الجميلة حيث تابعت دروساً في الجدرانيات والحفر والنحت، بالإضافة الى دروس في علم التشريح، ثم التحقت بمحترف الفنان فرناند ليجيه مدة ثلاثة اشهر فقط، إذ انه لم يستلفتها هذا الأسلوب من التشخيص للواقع، بل اعتبرته عابراً في مسار الفنون البصرية. فقد كان خيارها بعيداً من ذائقة فنون المتاحف التي تدهش غالباً القادمين الجدد الى العاصمة الفرنسية، بل انحازت من الأساس الى تجارب كل من كاندنسكي ماليفيتش وموندريان والافانغارد الروس.
اللافت انه ما من فنان استطاع ان يحقق صعوده السريع في باريس على غرار هذه الفنانة، بسبب طبيعتها الحداثية والرفضية والسجالية والمثابرة في آن واحد. فلطالما أعلنت بفخر أنه حين دُعيت الى الوقوف بجانب بيكاسو لالتقاط صورة تذكارية قبل ان يعاجله الموت، لم تكترث وأجابت بأنه بالنسبة إليها «هو ميت سلفاً». كان شعورها بالتفوق وتعصبها المتشدد تجاه التجريد الصافي ذا مبررات، ليس اقلها ما كان يتردد في الأوساط الفنية حول إفلاس التكعيبية. فقد عاشت ذورة نهوض التجريد لاسيما بعدما تعرفت في باريس إلى فنانين عالميين وآخرين شباب أصبحوا عالميين، منهم: فازاريللي بولياكوف صونيا دولونيه مورتسن جاكوبسن وسواهم، ونشأت صداقة بينها وبينهم لتقارب النزعة الفنية.
عملت في محترف جان ديوان وأدغار بيلي للفن التجريدي، كمساعدة إدارية مسؤولة عن إعداد مقابلات مع فنانين وتحضير المحاضرات. ولم يكن ديوان قد زاول التجريد قبل العام 1943، حين تحول من العمارة الى التصوير رابطاً بين الفن والموسيقى وكان بدوره مدافعاً عن التجريد إلى جانب هارتونغ ونيكولا دوستاييل وآرب. بلا شك أن سلوى قد تأثرت بأفكار ديوان حول البحث عن الأشكال وقوة اللون في قوله «أريد أن تكون ألواني حية تبهر الناظر إليها، فكلما كانت ألواني صافية كلما شعرت بضرورة أن تقترب أشكالي من الجلاء والوضوح» غير ان سلوى دخلت بقوة في مغامرات المزج اللوني ولم تكتف بالألوان الصافية.
كان انتصاراً حين أقامت سلوى معرضها الفردي الأول في باريس في غاليري كوليت ألندي المختصة بالفن التجريدي، لاسيما وأنه لاقى استحساناً كبيراً من نقاد الفن، ما دفعها للمشاركة في صالون الحقائق الجديدة العام 1951، قبل أن تعود الى بيروت كي تشارك في صناعة الحداثة التشكيلية في لبنان بنجاح كبير ولكن بمرارة وخيبات أمل.
ولئن كانت لوحاتها المعروضة في غاليري مقام تعود الى المرحلة المفصلية ما بين باريس وبيروت، غير انها في مقاربتها الهندسية المحدثة لا تعتمد على تقليد التراث الأرابسكي الإسلامي، بل على استيعابه ومن ثم مخالفته في ثبوته وصرامته، بما ينطوي عليه من نظام وإيقاع ناشئين من تكرار الوحدة الزخرفية الهندسية وعلاقة الجزء بالكل. لذا تبدو تكاوينها مشغولة على انزياحات السطوح بكل ما تعنيه من عوامل بصرية وتقاطعات خطية تصل إلى تراكيب معقدة ومبسطة في آن واحد، وهي بذلك تقترب من بعض التجارب الغربية في التجريد الهندسي بل تتفوق عليها احياناً. إذ أن ما يبدو لناظرينا انه توافق فإنه في الحقيقة توتر ناجم عن العلاقة بين الأضداد، ناهيك عن نزعة التفكيك والتركيب التي أصبحت سمة الحداثة وعنوانها الأبرز في فن سلوى.
فقد اشتهرت بمنحوتاتها المركبة من قطع عدة تتفكك أو تتراكب حتى اللانهاية مثلما تتفكك أو تتراكب أبيات القصيدة العربية. دافعت طوال حياتها عن خصوصية فن عماده الشكل كما الشعر عماده الكلمة. مولعة بالعلم وعالم الأشكال حتى المحركات والأدوات وماكينات المصانع بالنسبة إليها هي أشياء مُلهمة وموحية.
بقيت أفكار سلوى فترة طويلة من الزمن غير مفهومة سوى لحلقت صغيرة من متذوقيها. كانت وما زالت فنانة استثنائية في عطاءاتها وكفاحها وابتكاراتها التي دمجت بين النحت والعمارة وعناصر الطبيعة وأشياء من أساسيات الحياة اليومية وزينتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.