الحرب مستبعدة. هكذا يقول المسؤولون والديبلوماسيون. أثمانها باهظة. لن يجازف أحد بإطلاق الصاروخ الأول فيها. عروض القوة الحالية والتهديدات والاتهامات ترمي الى الردع أو مداواة القلق. الهاوية ليست قريبة إذاً، ولكن لا شيء يمنع من السير في اتجاهها. تكفي متابعة الأخبار للتأكد من أن الحرارة ترتفع في بؤر التوتر في الإقليم. حديث شبكات وترسانات ومناورات واستعدادات. غيوم قاتمة تتلبد في الجو. غيوم من براكين قديمة. لا تهدد محركات الطائرات بل محركات التعايش في الإقليم وداخل بعض دوله. لا بدّ من الانتظار لمعرفة أبعاد «الشبكة الإيرانية» في الكويت. واضح أن السلطات الكويتية تتصرف بمسؤولية وحذر لإدراكها حساسية الموضوع في الأجواء الحالية المشحونة. إن وجود شبكة تجسس تابعة لدولة مجاورة ليس أمراً مستغرباً. تعرف الكويت أنها ليست جارة سويسرا أو فنلندا، وأن هذه الممارسة تكاد تكون شائعة في المنطقة، وأن بعض الدول ليست معروفة باحترام الحدود الدولية. ثم ان المنطقة خرجت من حروب وتبدو كمن يستعد لأخرى. لا بد من انتظار انتهاء التحقيقات. لكن الأخطر من وجود الشبكة هو ردود الفعل على نبأ الكشف عنها. معلومات أولية وبسيطة أدت الى ايقاظ المشاعر والحساسيات الوطنية والمذهبية، وتبادل اتهامات بين فئات سنية وأخرى شيعية. بدا حديث الشبكة كأنه فرصة لكشف التوتر الكامن في المجتمع. وإذا كان مجرد الإعلان عن وجود شبكة أدى الى هذا الاستنفار فكيف تكون الحال إذا اندلعت حرب على إيران وردت باستهداف القوات الأميركية في الكويت؟ أخطر من اكتشاف الشبكة اكتشاف أن الوحدة الوطنية قابلة للتصدع أو للإصابة بشروخ، وهذا لا يعني الكويت وحدها. يمكن أن نضيف الى حديث الشبكة الكويتية الخلاف الإيراني – الإماراتي بسبب الجزر وجولة التصريحات والردود الأخيرة، من دون أن ننسى بعض المواقف والمقالات الإيرانية عن البحرين. والحقيقة أن العلاقات بين معظم الدول العربية الخليجية وإيران ليست في أفضل حال، وأن إيران بتهديداتها ومناوراتها المتواصلة في مياه الخليج فاقمت المخاوف بدلاً من السعي الى خفضها. الغيوم تتلبد أيضاً في سماء العراق. التشكيك بنتائج الانتخابات فتح النافذة ليقظة الحسابات المذهبية. الأمر نفسه بالنسبة الى اعلان التحالف بين ائتلافي «دولة القانون» و «الوطني العراقي». عاد الحديث عن الاصطفاف الطائفي، وتجدد التخوف من عودة العنف المذهبي، وثمة من يرى أن العراق قد يتحول رهينة في مبارزة إيرانية – أميركية، وفي مبارزة مذهبية على مستوى الإقليم. لبنان ليس بعيداً من هذه الرياح. قاطع «حزب الله» الانتخابات البلدية في بيروت. برر قراره هذا ب «ظهور نغمة التحريض المذهبي وتجييش الرأي العام»، ازاء احتمال حصول منافسة بين لائحة يتواجد فيها الحزب مقابل لائحة «تيار المستقبل». هذا طبعاً مع تسجيل أن التوتر السنّي – الشيعي في لبنان سجل تراجعاً في الشهور القليلة الماضية. إذا أضفنا الى السُحب التي تتجمع فوق الخليج والعراق ولبنان مواضيع أخرى، بينها ترسانة «حزب الله» وحديث الصواريخ وتصاعد الضغوط الأميركية على سورية، وممارسات حكومة بنيامين نتانياهو، تكتمل ملامح اللوحة. الإقليم موعود بدرجات أعلى من التوتر وإيقاظ الجمر في بعض البؤر، لذلك يجدر بدوله ربط الأحزمة لضبط المخاوف على الحدود وداخلها. رياح زعزعة الاستقرار تنذر بالهبوب مجدداً، ويحتاج الاحتماء منها الى حسابات دقيقة وسياسات عاقلة وتشاور عربي حقيقي تعقبه قرارات جريئة ومبادرات مدروسة. أغلب الظن أن هذه اللوحة ستكون حاضرة في القمة السورية – التركية في اسطنبول في اليومين المقبلين. يستطيع البلدان لعب دور في لجم التوتر في الإقليم نظراً الى ما يمتلكان من علاقات وأوراق.