مات زوج جارتي الشابة بعد زواج لم يدم طويلاً، سرنا هي وأنا خلف النعش، وسط نواح سيدات العائلة الكريمة. أسال البكاء مساحيق التجميل، وترك على الوجوه، خطوطاً صغيرة من الدموع المحمّلة بالكحل، من عيون غزاها الإحمرار. بخلافهن، احتفظت جارتي بملامح هادئة، ولم تتخلّف عن عادتها اليومية في تحديد ملامح وجهها الجميل بالقليل من المساحيق، واختارت لشفتيها لوناً داكناً من الطلاء، جعل من وجهها، مع بشرتها البيضاء، مرادفاً لصفات مثل جميلة وفاتنة. لم ينشغل أفراد العائلة باختيارها السير إلى جواري، فقد كنت واحداً من جيران المرحوم، الذين يتدخلون «لإصلاح ذات البين» كلما وقع بينهما شجار، والحقيقة أن الأمر النادر كان ألا يقع شقاق بينهما. لم تكن تجاوزت عامها الواحد والعشرين حين تزوجته، بعد وفاة زوجته الأولى، شقيقتها، تاركة زوجاً ينتمي إلى «مؤسسة سيادية»، وطفلتين. وافقت بإلحاح الأهل على الزيجة من رجل يكبرها بعشرين عاماً، «حتى لا تترك الطفلتين لامرأة غريبة»، كما قالت أمها مبررة الزواج. في أول ليلة لم يحرّك فيها أي إحساس، سوى القهر والعجز. «كان بيقطع من لحمي»، هذا ما قالته لي قبل أسبوعين من الوفاة وهي تحاول إقناعي بأحقية مطالبتها بالطلاق. وافقتُها، لكن لم يتجرأ أي منا على إبلاغ الأهل بموقفي، لم أكن أكثر من مجرد «جار» ينصح زوجة جارٍ «سيادي». من حُسن حظها أنه مات في حادث سير وإلا اتهموها فيه، لكنها لم تستطع أن تزرف ولو دمعة واحدة في وداعه. يقولون إن الميت يُعذّب ببكاء أهله ولولا يقيني بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى لبكيتُ عليه بقية عمري. إحكِ لي شيئاً يبكيني، فالرئاسة أوفدت مندوباً للجنازة، وسيكون بصحبة الإعلام بالتأكيد. - إبك فرحاً. - أنا فرحة بالفعل. بل سعيدة. لكن كيف أبكي فرحاً؟ - تذكري. - لا تقل تذكري سيئاته، فلم يكن له غيرها. لا تقل أذكري الليالي السوداء التي عشتها بين عجز وندم. أنا لم أولد إلا اليوم. هل يذكر الأطفال شيئاً عن حياتهم في ظلمات الأرحام؟ - كيف ستبكين إذاً؟ - لن أبكي. أنا أسعد امرأة بوفاة زوجها وهذه جنازة سعيدة.