أربعة أشهر قضياها متنقلين بسيارتهما من بلدة إلى أخرى، جابا خلالها 15 دولة من ضمنها دول الخليج العربي ليصلا إلى محطتهما الأخيرة المملكة العربية السعودية، ومبتغاهما جدة التاريخية. لم يكن يتوقع الرحالة الألماني تور آستونق وزوجته وهما يحلان ضيفين كريمين عند المهندس فواز جابر أن يحظيا بجولة توثيقية مدهشة في أحضان حاضرة الزمان جدة التاريخية، يختمون بها رحلتهم الطويلة ويوثقون في صفحاتها مشاهد حية من التراث الحجازي الأصيل، وكما كانت لهما رحلة السبق في الوصول إلى المهرجان، سجلتهم التاريخية أيضاً أول رحالة تطأ قدماهما مهرجان «كنا كدا». يقول محمد أمين تركستاني مرافق ومترجم الألماني: «أعطينا الرحالة آستونق فكرة شاملة عن مهرجان جدة التاريخية، تراثها المتنوع وتقاليد وعادات أهلها، ثم تركناه يطوف في دهاليز تراثها وأزقتها القديمة، إذ بدأ جولته من مجسم الحارة القديمة اطلع على ما تحتويه من نشاطات مثلت نماذج لحياة الناس في حواري وأزقة المدينة، من دكان القهوة إلى الفوال والحلاق ومركاز العمدة والفكهاني، وغيرها من فعاليات تحكي تفاصيل الحارات القديمة. ثم انتقلنا إلى المسار الثاني الذي مررنا فيه ببيت البترجي الذي كان مقراً للسفارة الأميركية ثم بيت السبيعي مقر السفارة التركية سابقاً ومحكمة جدة، ثم عرجنا إلى بيت باعشن وبيت السلوم الذي فتح أخيراً متحفاً أثرياً يجمع الكثير من قصص الماضي. ولم يخف الرحالة الألماني ملامح الإعجاب التي برزت على محياه لجمال البيوت القديمة وما تحتويه من فرش وأثاث تنقل الزائر إلى الزمن القديم، وعلى تقاسيم المجلس البلدي بأثاثه التقليدي، وكيف كان يستقبل الضيوف والزوار، وكذلك المجلس الخاص بنسوة المدينة. هو الإعجاب نفسه انطبع في ذهنه وهو يشاهد مخبز الصعيدي الذي يعمل منذ 80 عاماً ولا يزال يدار من بنات صاحب المخبز، ويحرص زبائنه على زيارته كل يوم، كما استمع إلى نبذة عن «بيت المتبولي» و«بيت نصيف» وتاريخ بنائهما، وكيف كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- يدير الحكم منه خلال الصيف لمدة أربعة أشهر حتى تم بناء قصر خزام الذي انتقل إليه بعد ذلك. ومررنا بالعين القوصية الأثرية «عين فرج يسر» وشرحنا له كيف كان أهل جدة يأخذون المياه الحلوة من هذه العين بالطريقة القديمة، لينهى جولته مستمعاً إلى صوت المزمار المميز، كما حرص على أن يشارك اللعب بزفة العريس القديمة، ليغادر التاريخية بانطباع فاق تصوره قائلاً: «إن هذا المكان استحق بالفعل الدخول في منظمة يونيسكو للحفاظ على المدن التاريخية».