استضاف مهرجان «أيام الشارقة المسرحية» في دورته العشرين هذه السنة خمسين مسرحياً من العالم العربي، مخرجين وكتّاباً وممثلين. وشاركت به عشر فرق مسرحية محلية ستة منها اختيرت للمسابقة الرسمية. ونشرت اللجنة التي اختارتها بياناً قبل بدء المهرجان مستغربة تراجع مستويات العروض قياساً الى الدورات السابقة للمهرجان، مبينة أنها اعتمدت معايير «غير موضوعية» في انتقائها العروض للمسابقة النهائية. وبدا كأنها تفادت بذلك ما قامت به لجنة مماثلة كونتها الهيئة العربية للمسرح، ومقرها في الشارقة، لمعاينة عروض تقدمت للمشاركة في مهرجان المسرح العربي - الحديث التأسيس - في تونس في خريف 2009 حيث انتهت الى إلغاء المهرجان لضعف الأعمال! وخلال الجلسات النقدية للعروض والندوة الفكرية التي جاءت تحت عنوان «إشكاليات الممثل بين المسرح والتلفزيون» تبيّن أن قلة من المخرجين والممثلين الإماراتيين حافظت على صلتها بالمسرح فيما توجهت الغالبية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، الى دراما التلفزيون سعياً وراء الشهرة والعائد المادي وغير ذلك مما توفره استوديوات مدينة الإنتاج الإعلامي في دبي. لذلك بدا المهرجان بعد عقدين من الزمان عرف خلالهما تطوراً ملحوظاً على صعيد البنية والنشر وتنظيم ورش العمل وغير ذلك من دعائم التأسيس المهمة، بدا وكأنه في دورته الأولى من ناحية ما قُدم فيه من عروض، إذ انها عانت غالباً مشكلات لا تظهر إلا في «تجارب البدايات» كما ورد في المداخلات النقدية التي أعقبت عرض الأعمال. فالمخرجون في معظمهم من الهواة وبعضهم يشارك للمرة الأولى! اتفقت الأعمال إجمالاً في اعتمادها المكتبة المسرحية المحلية ما عدا نصاً واحداً هو «رحلة وداع» للكاتب المصري محمد طلبة وقدمه المخرج عارف سلطان بعد إعداده وإنطاقه بالعامية الإماراتية التي طبعت كل العروض. وفي مضامينها تنوّعت العروض بين الأسئلة الاجتماعية والوجودية وبدا لافتاً في هذا الإطار انشغال معظمها ب «الهوية» سواء في علاقتها بالمكان أو بالقيم الأخلاقية للإنسان. ففي عرض الافتتاح «تراب» قدم المؤلف والمخرج محمد العامري واقع التطور العمراني الذي تشهده بلاده باعتباره تشويهاً لخصوصيتها المحلية ومسخاً لهويتها المعمارية. فمن كونها فضاء مكانياً مؤسساً بالطين والتراب، واسعاً ورحباً، تحولت المدن الى «أقفاص حديد» تشبه السجون ضيقاً وقسوة. لكن هذه الرؤية التأليفية والاخراجية للعامري بدت متطرفة بعض الشيء في رفضها المطلق ومنذ البداية، للعمران والمدنية الحديثة، بل هي بدت متناقضة قياساً الى الحلول الفنية التي اعتمدها المخرج ذاته إذ استعان في معظمها بمعطيات هذه الحداثة المدنية من ضوء ولون ومرايا! وفي عرض «شربي نخل صالح» صبغ المخرج والمؤلف عبدالله زيد كل الممثلين باللون الأسود ليحدد فضاء عمله في نطاق ذوي البشرة السمراء، وخلال ما يزيد على تسعين دقيقة يتناول حال أسرة لا تعرف حياتها إلا المشكلات بدءاً من تسلّط كبيرها على الأبناء، وتمرد هؤلاء عليه، مروراً بمشكلاتهم مع زوجاتهم، وصولاً الى زواج أحدهم بشقيقته من دون أن يعرف... وسواها من تيمات يصعب حصرها، انفتح عليها العمل لكنه عجز عن انتقاء ما يقيم سويته الفنية منها! وانطلاقاً من «الهوية» جاء عرض «عائلة خمسة نجوم» وهو من تأليف حميد فارس وإخراج مبارك ماشي، فهو انفتح على الحضور الآسيوي في المجتمع الإماراتي وأسس على حكاية مواطن يغريه مستشاره «الآسيوي» بفكرة الزواج من امرأة «آسيوية» بهدف استغلاله وشغله عن أولاده، وهؤلاء يحاولون مغالبة هذا التدخل في شؤون أسرتهم. وفي «مجرد دمى» (تأليف محمد بوخشيم) يوحد المخرج عبدالله المناعي بحلوله الإخراجية هويات الدول العربية المتعددة ويضعها مجتمعة في مقابل القضية الفلسطينية. وهو يبدو ناقماً في عرضه من مواقفها تجاه ما يحصل في القدس فيظهرها كالدمى لا تملك أن تتحرك ما لم يتمّ تحريكها على أيدي آخرين، وهي كالدمى لأنها تمثل، وتخرج من دور لتدخل في دور آخر من دون إرادة تغييرية، وهي تنظر الى القضية بوصفها تمثيلية وليس واقعاً حياً. في هذا العرض الذي قدمه المخرج المناعي وهو يعاني منذ وقت شللاً أفقده قدرته على الحركة والنطق، استعاد المهرجان الكثير مما نقصه في أيامه الأولى، فالأداء على الخشبة كان قوياً وحاراً ومعبراً عن خبرة احترافية في الحركة وتفجير في العلاقات بين الشخصيات. والشيء نفسه حصل مع عرض «ليلة بعمر» تأليف جاسم الخراز وإخراج محمد صالح، فهو حظي باستحسان واضح لكونه قارب بجرأة لافتة، وبحس فني محترف، موضوعة اجتماعية على درجة عالية من الحساسية. فهو قام على لقاء رجل بامرأة في مناسبتين، الأولى كانت «سهرة حمراء»، أما الثانية فجاءت بعد سنوات في «عش الزوجية». يُفاجأ الرجل الذي تزوج بطريقة تقليدية في ليلة الدخلة إن المرأة التي اختيرت له إنما هي ذاتها التي التقاها في مرة سابقة في أجواء عربدته وانحلاله، فيتعقد اللقاء بينهما بثنائية الخطأ والصواب: هل يقبل بها زوجها؟ وما الضمان أنها لن تعود عن حالها الأول؟ ومن جانبها تسأله أن يغفر لها مثلما غفر لنفسه.