إسرائيل توسع هجماتها على مخيمات اللاجئين وتعذب المعتقلين    حرارة الأرض ترتفع بشكل غير مسبوق    سفارة المملكة في القاهرة: العثور على جثة المواطن هتان شطا    استعراض فرص الاستثمار بين المملكة وهندوراس    ضبط 9 مخالفين لأنظمة الحج لنقلهم 49 مخالفا ليس لديهم تصريح    الخريف: المملكة والمغرب يساهمان ب40% من الإنتاج العالمي للأسمدة الفوسفاتية    العميد يتمسك بالغامدي والموسى    مبادرة لترقيم الأشجار المعمرة    آل سلامة وآل باناجة يستقبلان المعزين في لطيفة    المخلافي: حضور السعودية من أجل التنمية والإعمار.. ومشاريع إستراتيجية في مواجهة الخراب    بوتين بقدم تهانيه «الحارة» لرئيس الوزراء الهندي بنتائج الانتخابات    فيربرخن يحرس مرمى هولندا في بطولة أوروبا 2024    لأول مرة في الحج.. نظام ذكي لرصد تساقط الصخور على عقبة الهدا    أمير المدينة يكرم الطلاب والطالبات الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    السوري «قيس فراج» منفذ الهجوم على السفارة الأمريكية في بيروت    وزير التجارة في «الشورى»: نمو السجلات التجارية 43% في 6 سنوات.. إغلاق المنشآت ليس ظاهرة    السعودية ترحب باعتراف سلوفينيا بدولة فلسطين    إجراء أول عملية قلب مفتوح بالروبوت الجراحي بمستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر    أمير المدينة يستقبل رئيسي "سكني" والمياه الوطنية    سفير المملكة لدى كوت ديفوار يتفقّد الصالة المخصصة لمبادرة "طريق مكة"    أمير الحدود الشمالية يؤكد على أهمية تهيئة الأجواء النفسية للطلبة اثناء الاختبارات في مدارس المنطقة    "مركزي" القطيف ينقذ عين وافد ثلاثيني بعملية جراحة معقدة    فعالية "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    هجوم إلكتروني يستهدف حسابات بارزة على تيك توك    إي اف جي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لمجموعة «فقيه للرعاية الصحية»،    الأمن الأردني يحبط تهريب تهريب 9.5 ملايين حبة مخدرة متجهة للمملكة    القيادة تهنئ ملك مملكة الدنمارك بمناسبة ذكرى يوم الدستور لبلاده    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر ذي الحجة مساء غدٍ الخميس    5.5 مليار لتطوير مشروع عقاري شمال الرياض    استمرار توافد ضيوف الرحمن إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن تسعيراً ناجحاً لأول عرض سندات بالجنيه الإسترليني    رونالدو بحاجة لتمريرتين حاسمتين ليعادل الرقم القياسي للاعب الأكثر صناعة للأهداف    النفط يتراجع لليوم السادس والذهب يرتفع    «نمّور» يلهم الشباب والأطفال بأهمية الحفاظ على البيئة    النسخة5 من برنامج "جسور" لتأهيل المبتعثين بالولايات المتحدة    الدوسري يشارك في المران الجماعي ل"الأخضر"    تستمر 3 أيام.. والرزيزاء: احتفالنا ليس للصعود    الإسباني "هييرو" يتولى منصب المدير الرياضي في النصر    أمير الباحة ل«التعليم»: هيئوا وسائل الراحة للطلاب والطالبات    انطلاقة مشرقة لتعليم عسكري احترافي.. الأمير خالد بن سلمان يدشن جامعة الدفاع الوطني    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بمنفذ الوديعة الحدودي    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان ( 1 2 )    صدق أرسطو وكذب مسيلمة    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية "2"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر دولي عن البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة    «لا تضيّقها وهي واسعة» !    وزير الشؤون الإسلامية يناقش تهيئة المساجد ومتابعة احتياجاتها    تعزيز مبادرة أنسنة الخدمات بتوفير مصاحف «برايل» لذوي الهمم من ضيوف الرحمن    جمعية تعظيم تطلق مبادرة تعطير مساجد المشاعر المقدسة    عالم عطور الشرق !    كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا بموضوعية؟    من أعلام جازان… فضيلة الشيخ الدكتور علي بن محمد الفقيهي    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    بعد انتشار قطع ملوثة دعوة لغسل الملابس قبل الارتداء    أمير تبوك يشيد بجهود المتطوعين لخدمة الحجاج    أمير نجران يُثمِّن جاهزية التعليم للاختبارات    أمير تبوك يستعرض الجهود والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والعلم عند طه حسين
نشر في الحياة يوم 07 - 11 - 2015

خلال اجتماعات «لجنة الخمسين» لصوغ دستور جديد لمصر عام 2014، نشأ داخل اللجنة وخارجها جدل كبير حول مفهوم «مدنية الدولة» اذ نادى كثيرون بالنص على أن «مصر دولة مدنية»، واستند هؤلاء إلى أن ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 كان من دوافعها الأساسية الدفاع عن الهوية المدنية للدولة في وجه من أرادوا الانحراف عن هذا الطابع الذي عاشت عليه مصر على الأقل في العصر الحديث ومنذ أن أسّس محمد علي مصر الحديثة، وعلى أسس من الاعتدال والوسطية والانفتاح على العالم. غير أن ممثلي التيارات الدينية في اللجنة قاوموا الدعوة إلى هذا النص، وتفادياً لانسحابهم من اللجنة تم التوصل إلى صيغة «مصر دولة ذات حكم مدني».
والواقع أن هذا الخلاف ليس جديداً، إنما له أصول تعود إلى العشرينات من القرن الماضي، عندما وضع دستور 1923 الذي تضمن النص على أن «مصر دولة دينها الإسلام»، وهو ما تضمنته أيضاً دساتير مصر التالية. ويعتبر طه حسين أنه لم يكن هناك خلاف حول هوية الدولة: هل هي مدنية أم دولة دينية ذات تفسير معين للإسلام، بل إن هذا الخلاف إنما عكسَ خلافاً أوسع وأعمق وهو خلاف بين الدين والعلم أو قل إنه خلاف بين الدين والعقل.
وعالج طه حسين هذا الخلاف في الفصول التي خصصها في كتابه «من بعيد» الذي أرجع فيه الخلاف الحديث حول علاقة الدين والعلم، أو الدين والعقل إلى أصول تاريخية، وإلى الحضارة الأثينية وخلافها مع فلاسفة مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو، وحين أخذ سقراط يجادل ويحاول أن يرد إلى العقل سلطانه، ومن ذلك الوقت، أصبحت الخصومة بين العقل والدين أمراً لا مفرّ منه: يخاف الدين كل فلسفة وكل علم، ويرتاب العلم بكل دين.
وينتقل طه حسين في هذه العلاقة إلى تاريخ مصر، بخاصة عندما نصَّ دستور 1923 على أن «دين مصر هو الإسلام»، ويلاحظ أن هذا النص رحَّبت به الأقلية المسيحية وغير المسيحية ولم تجادل فيه، وإنما نشأ خلاف بين المسلمين أنفسهم، فلم يفهموه على وجه واحد، فعامة الناس لم تلتفت إلى هذا النص، بل ربما لم يكونوا يحفلون به ولم يكونوا يشعرون به لو لم يوجد هذا النص في الدستور، فهم بطبيعتهم الحياتية العملية مستعدون أحسن الاستعداد وأخطرَه للاتصال بأزمنتهم وأمكنتهم وللملاءمة بين حياتهم وبين ضرورات التطور، وهم يعلمون أن الإسلام بخير، وأن الصلوات ستُقام، وأن رمضان سيُصَام وأن الحج سيُؤدى، وهم ليسوا بالمسرفين في التدين ولا هم مسرفون في الفسوق. أما الفُرقة الحقيقية حول هذا النص فقد وقعت عند طه حسين بين فريقين من المسلمين المصريين: أحدهما «المستنيرون»، والآخر شيوخ الأزهر ورجال الدين، فقد فهم المستنيرون أن هذا النص ليس أكثر من تقرير الواقع، وأن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلماً، وأن شعائر الإسلام يجب أن تُقام بعد صدور الدستور كما كانت تقام قبل صدوره، كما كانوا يقدرون، ولايزالون، أن مصر تمضي إلى الأمام وتسرع في الاتصال بالمدنية الغربية، وأنهم كانوا ومازالوا يرون الإسلام من اللين والمرونة بما يمكنه من تطور مع الزمن وملاءمة الظروف المختلفة ويعصمه من الجمود والسكون ويحول بينه وبين أن يكون عقبة في سبيل الرُقي الاجتماعي والاقتصادي. أما الشيوخ فقد فهموا هذا النص فهماً آخر واتخذوه تكئة لعلهم يعتمدون عليها في تحقيق ضروب ومطامع وأغراض سياسية وغير سياسية. بل إن فريقاً ذهب إلى أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى دستور فلديهم كتاب الله وسُنة رسوله. وعلى رغم دستور 23، إلا أن الشيوخ استقبلوه مذكوراً في حادثين: صدور كتاب «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبدالرازق وكتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، بل إنه أُستغل في خلق مناخ خطر على الحرية، بل على الحياة السياسية كلها. كتب طه حسين عام 1923، وحذَّر من هذا «الحزب الخطر»، وهو ما تحقق للأسف بعد 80 عاماً، عندما تمكن «هذا الحزب» من الاستيلاء على السلطة في مصر، وما يمثله حقاً، مثلما تنبأ طه حسين، من «خطر على الحياة السياسية المصرية كلها».
بعد هذا مازال الجدل قائماً بين «المستنيرين» وبين الشيوخ و»هيئة كبار العلماء» حتى قبل 30 حزيران (يونيو) 2013 فإن المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر، بدأت صوغ خطاب ديني مستنير. وبالرجوع إلى عدد من الوثائق التي صدرت عن الأزهر وصاغها، ليس فقط شيوخ الأزهر، وإنما مجموعة من المفكرين والمثقفين المصريين، تضمنت هذه الوثيقة التي صدرت في كانون الثاني (يناير) 2012: القواسم الفكرية المشتركة في منظومة الحريات والحقوق الإنسانية وأقرَّت مجموعة من الضوابط والمبادئ الحاكمة لهذه الحريات التي حددتها الوثيقة في: حرية العقيدة التي تعتبر، وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع، حجرَ الزاوية في البناء المجتمعي الحديث وهي مكفولة بثوابت النصوص الدينية القطعية. هنا حرصت الوثيقة على أن تؤكد أن (1) حق الحرية والاعتقاد يترتب عليه التسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف، كما يترتب عليه رفض نزعات الإقصاء والتكفير ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين بهذه العقائد. (2) حرية الرأي والتعبير وهي أم الحريات كلها وتتجلى في التعبير عن الرأي تعبيراً حراً بمختلف وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإنتاج فني وتواصل رقمي. (3) حرية البحث العلمي في العلوم الأساسية والطبيعية والرياضية وغيرها، وهي قاطرة التقدم البشري ووسيلة اكتشاف سنن الكون ومعرفة قوانينه لتسخيرها لخير الإنسانية، وأهم شروط البحث العلمي أن تمتلك المؤسسات البحثية والعلماء المتخصصون حرية أكاديمية تامة في إجراء التجارب وفرض الفروض والاحتمالات. (4) أما المبدأ الرابع الذي أكدته فهو حرية الإبداع الأدبي والفني الذي يستهدف تنمية الوعي بالواقع وتنشيط الخيال وترقية الإحساس الجمالي وتثقيف الإنسانية وتوسيع مداركها.
وهكذا، يقترب هذا الخطاب الديني الذي تبناه الأزهر، كثيراً من مفهوم «المستنيرين» الذين وصفهم وتحدث عنهم طه حسين عام 1923.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.