وزير النقل يتفقد حركة السفر والعمليات التشغيلية في مطار الملك خالد الدولي    انطلاق أضخم تجربة شتوية في موسم جدة 2025    السعودية تعزز العطاء ومد يد العون وتحتفل باليوم العالمي للتضامن الإنساني    تيك توك النفوذ الرقمي وهندسة صفقة القرن    التعادل يحسم مواجهة نيوكاسل وتشلسي في الدوري الإنجليزي    "العصيمي" بطلاً لكأس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية للقدرة والتحمل    حين ينجح الجميع.. من يتعلم حقا    الأول من رجب.. ميلاد الكثير من السعوديين    هيئة الأدب والنشر والترجمة تُدشّن ديوان الألمعي "أنتم ووحدي"    إنطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم في جازان    «كاف» يقرر إقامة كأس أمم أفريقيا كل 4 سنوات ويستحدث بطولة جديدة    هالاند يقود المان سيتي للفوز على وست هام واعتلاء صدارة «البريميرليغ» مؤقتاً    معرض الخط العربي بين الإرث والابتكار    صور تاريخية للملك عبدالعزيز خلال زيارته البصرة عام 1334ه (1916م)    ضبط 1417 مخالفًا لممارستهم «الكدادة» دون ترخيص    جمعية التوعية بأضرار المخدرات بجازان تنفذ برنامجًا توعويًا بمنتزه الزاوية الخضراء في بيش    هيرنانديز: مشروع الهلال أقنعني والبطولات هدفي    رئيس بلدية الدرب يقف ميدانيًا على عدد من المشاريع التنموية ويتابع نسب الإنجاز    الداخلية تحتفي بيوم الشرطة العربي في الصياهد    سحب سيارة فيها طفلة واعتقال سائق الشاحنة    هيئة الأدب والنشر والترجمة تكرم المشاركين في النشر الرقمي    إنطلاق المرحلة الثالثة من فعاليات مبادرة «خُطى مستدامة – نحو سياحة بيئية مسؤولة» في حائل    المطيري تستعرض حضور المرأة في الشعر العرب    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تحتفي باللغة العربية    الداخلية تضبط 17,880 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    نباتات حائل المحلية تدعم جهود التشجير الوطني    بيوت الشعر .. رونق الشتاء    عمداء شؤون الطلاب يناقشون تنمية مهارات الطلبة بجامعة القصيم    الدحة.. هوية الشمال تتجلى في واحة الأمن    مجلس التعاون الخليجي يرحّب برفع العقوبات عن سوريا    تفاصيل ايقاف القيد عن النصر لضم صفقات شتوية    نيشيش: معاملة السعوديين مختلفة.. وجودار: الخروج لا يعد نهاية المشوار    بولونيا يعبر إلى نهائي السوبر الإيطالي ويضرب موعداً مع نابولي    طقس بارد إلى شديد البرودة على شمال ووسط المملكة    مطار أبها الدولي يستقبل أولى الرحلات القادمة من عُمان    ترامب: "داعش" في سوريا يواجه ردا انتقاميا قاسياً جداً    جمعية الإعاقة السمعية في جازان تشارك في مبادرة «في الإعاقة طاقة وتميز» بمحافظة بيش    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    المعيقلي: ولاية الله أساس الطمأنينة والإيمان    الحذيفي: التقوى وحسن الخلق ميزان الكرامة عند الله    السعودية ترحب بقرار أمريكا بإلغاء العقوبات عن سوريا بموجب قانون قيصر    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    نعمة الذرية    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلفزيون أردني للخدمة العامة: اختبار القدرة على التخفّف من الرقابة
نشر في الحياة يوم 31 - 08 - 2015

قررت الحكومة الأردنية إطلاق محطة تلفزيون وطنية جديدة قائمة على مبدأ «الخدمة العامة»، بما تعنيه من استقلال تحريري وتمثيل فعلي لمكونات المجتمع، لضمان تأثير أكبر في الرأي العام الذي ابتعد كثيراً عن متابعة برامج المحطات الرسمية المشغولة بتلميع صورة المسؤولين بعيداً من اهتمامات المواطن وأولوياته.
يفترض أن تحلق محطة الإعلام العام المستقل والإذاعة الخاصة بها خلال تسعة أشهر من اليوم ومن دون وقفات إعلانية تجارية، باستثناء وقفات إرشادية أو خدمة اجتماعية كما صرح مؤخراً محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام ورئيس اللجنة المكلفة بتنفيذ مضامين الاستراتيجية الإعلامية 2011-2015.
وستكون المحطة محصنة قانونياً وإدارياً لضمان استقلالها، وفق قول الوزير خلال لقاء تشاوري مع ممثلي قطاع الإعلام العام والخاص قبل أسبوعين.
وسيعين رئيس مجلس إدارتها وأعضاء المجلس بناء على قرار من الحكومة، وبإرادة ملكية سامية «لتحصينه من أي تدخلات»، على غرار نظام حاكمية المجلس الوطني الأردني لحقوق الانسان والهيئة المستقلة للانتخاب، كما قال. وسيعين المدير العام بقرار من رئيس الوزراء بناء على استنساب مجلس إدارة الخدمة لمدة ثلاث سنوات، على غرار مدة عقود أعضاء مجلس الإدارة. وسيكون مجلس الإدارة المسؤول الأول والأخير عن وضع سياسات القناة التحريرية واختيار المدير العام وطواقم المؤسسة، واتخاذ الإجراءات لضمان تقديم خدمة «متميزة»، تتكامل مع ما تقدمه فضائية «رؤيا» (المستقلة) وغيرها.
إذا سارت الرياح كما تشتهي أشرعة سفينة الحكومة، ستحقق محطة الإعلام العام حلم غالبية المواطنين، وكل إعلامي معني بإحداث نقلة نوعية في أدوات التواصل المرئية والمسموعة. وقد تغدو أنموذجاً عربياً رائداً، في منطقة باتت غالبية وسائل إعلامها العامة والخاصة، أقرب إلى أبواق دعاية وتخوين وتزوير للحقائق وتطبيل وتزمير، وفق أهواء أجندات مموليها وتوجهات الدولة العميقة.
ومع الوقت، قد نقترب أكثر من نموذج مؤسسة الخدمة الإعلامية العامة في أميركا أو «بي بي سي» البريطانية أو خدمة «دويتشه فيله» الألمانية و «فرانس-24».
المحطة تأتي في زمن تراجع الحريات الصحافية، وارتفاع منسوب الرقابة الذاتية والرسمية، والخوف من المساءلة أمام محكمة أمن الدولة وفق قانون منع الإرهاب الذي بات هاجساً للصحافيين، كحال مليوني أردني من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الخاضعة لرقابة «الكتائب الإلكترونية»...
ومن دون استقلالية فعلية قلباً وقالباً عن أي نفوذ سياسي أو أمني أو اقتصادي أو ديني أو طائفي أو عرقي أو اجتماعي، لن تكون هناك قيمة مضافة لمفهوم تلفزيون الخدمة العامة. فأي استقلالية تحريرية إذا كان أعضاء مجلس الإدارة يعيَّنون بإرادة ملكية بناء على تنسيب رئيس الوزراء لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، بينما يعين المدير العام بقرار من رئيس الوزراء وبتنسيب من مجلس الإدارة؟
في هذا السياق، هل سينصاع القائمون على هذه الخدمة لأوامر روتينية بمنع بث أخبار ذات حساسية عالية تتعلق بالأمن الوطني، تلك العبارة المطاطة التي يفسرها المسؤول من منظور منفعته الشخصية وليس حق الناس في المعرفة وتلقي المعلومات؟ هل سيحقق تلفزيون الخدمة العامة في شكاوى تمس ممارسات أفراد أمن عام مثلاً حيال موقوفين؟ هل من ضمانات تعاقدية وقانونية تحمي رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام إذا حال أغضبت استقلاليته التحريرية مراكز النفوذ المتداخلة؟ أي جهة ستوفر تلك الضمانات؟
تعقيدات الاستقطاب
تعقيدات استقطاب كفاءات إعلامية وتقنية وتحريرية وفق نظام الخدمة المدنية، تعني أن الإدارة ستفعّل المادة 60 في النظام إياه لتتيح تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب بعقود خدمة منفصلة. لكن ذلك سيفتح الباب أمام تفاوت كبير بين الأجور الشهرية ما قد يحبط الكادر، ويولّد تحديات عملية في غرفة الأخبار.
الأسئلة الأخرى تتعلق بموارد التمويل والتكاليف واحتمالات تنافس المرجعيات داخل القناة وخارجها، فضلاً عن الجدوى الاقتصادية وعنوانها الكبير.
تمويل المحطة الجديدة - التي يفترض أن تمارس دور «السلطة الرابعة» على غرار هذا النمط في الدول المتقدمة - سيأتي من خزينة الدولة (أموال دافعي الضرائب)، حال مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني الحكومية بامتياز. هذه المؤسسة التي تدخل عقدها السادس، تلقت عام 2015 دعماً حكومياً مقداره 35 مليون دينار لتغطية نفقاتها التشغيلية ورواتب 1650 موظفاً، إلى جانب تحديث البنية التحتية. ويجمع التلفزيون الرسمي أيضاً بين 3 و4 ملايين دينار سنوياً من الإعلانات التجارية.
ويبقى السؤال الأهم: لماذا لا تخطو الحكومة صوب إصلاح حقيقي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، والانتقال بها نحو أنموذج الخدمة العامة من خلال تعديل قانونه وإعطاء مجلس إدارته استقلالية تامه عن إشراف وزير الدولة لشؤون الإعلام؟ فذلك أجدى من ضخ أموال، لتجهيز بنية تحتية وشراء معدات مكلفة واستئجار مقرات للتلفزيون الجديد. ما الحاجة إلى إبقاء هذه المؤسسة على جهاز التنفس الاصطناعي بأموال دافعي الضرائب، بينما تقزمت إلى بوق دعاية لمنجزات الحكومة وسائر المؤسسات الرسمية والسيادية؟ وما المانع من إحداث إصلاحات جذرية فيها بعيداً من هيمنة المرجعيات الأمنية والسيادية وغيرها حتى ترمم جسور الثقة مع المواطن، وبينما تقف الحكومة أمام تحديات جسيمة بما فيها عجز هائل في موزانة الدولة؟
ففي ظل جمودها وتكلسها، يتوقع أن تواصل هذه المؤسسة انهيارها أمام صعود تلفزيون خدمة عامة، على افتراض أنه سيقدم وجبات إعلامية أكثر تميزاً واستقلالية. وهنا يحق لنا التساؤل: لماذا الاستمرار في هدر المال العام؟ أم أن الحكومة باتت مقتنعة بأن محاولات تحويل هذه المؤسسة إلى محطة إعلام خدمة عامة فشلت بعد أكثر من عقدين، تخللهما إنفاق الملايين على دراسات جدوى، وذلك في غياب إرادة حقيقية للتحول داخل مفاصل البيروقراطية الأردنية ودهاليز الدولة العميقة والتعامل مع كارده الوظيفي المدعوم؟
لكن يبدو أن معظم المسؤولين فقدوا الأمل من إمكان إعادة هيكلة التلفزيون الأردني، علماً أنّ ذلك سيفضي إلى الاستغناء عن خدمة مئات الموظفين وضرورة تغيير الثقافة التحريرية لاستعادة الجمهور. لذلك فالطريق الأسهل هو إنشاء تلفزيون جديد تحت مسمى «الخدمة العامة»، لإيجاد طريق ثالث بدلاً من إطلاق قناة ثالثة تعمل تحت غطاء التلفزيون الرسمي.
وهناك التحدي المتعلق بالحوكمة والشفافية المالية والإدارية داخل المحطة. كيف سيتم اختيار رئيس مجلس الإدارة والأعضاء وكذلك المدير العام ورؤساء الأقسام؟ كيف ستكون آلية اتخاذ القرار داخل المؤسسة؟ وهل سيكون لها نظام مكافأة ومساءلة واضح؟ ما هي المجالس المعنية باتخاذ القرار والخط التحريري، وما هي مستويات اتخاذ القرار؟ هل سيستقطب كفاءات حقيقية أم أصدقاء ومحاسيب؟ هل سيعزز بمجلس استشاري/إرشادي يضم ممثلين لمكونات المجتمع وقطاعاته: أحزاب علمانية ويسارية وإسلامية ومنظمات نسائية وممثلون لدار الإفتاء والمجالس الكنسية وهيئات شبابية وذوو إعاقات حركية ومنظمات عمالية...؟ من سيراقب أداء مجلس الإدارة وقراراته، ويحاسبه على المخرجات والسياسات المتبعة؟ أين الحكم إذا اختلف رئيس مجلس الإدارة مع المدير العام؟ هل سيكون للمؤسسة محقق خاص، وهيئة لقياس الرأي العام والتعامل مع شكاوى متلقي الخدمة وسلوكيات الإداره؟
وفوق ذلك كله: هل ثمّة رغبة حقيقية لدى صانع القرار بأن يكون الإعلام الأردني مستقلاً حدوده الفضاء والمهنية؟
تجربة التلفزيون الجديد الجريئة – شكلاً ومضموناً - ستظهر قريباً من عنوانها الأول: الشخصية التي سترأس مجلس إدارته وشركاؤها في المجلس، فهذه الأسماء ستولّد الانطباع الأهم بأن البناء الجديد يحمل مقومات «السلطة الرابعة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.