«الداخلية»: اعتباراً من اليوم.. عدم السماح بدخول مكة أو البقاء فيها لمن يحمل تأشيرة زيارة بأنواعها    منصور بن متعب وفيصل بن فرحان ينقلان تعازي القيادة في وفاة الرئيس الإيراني    الابتكار وحوكمة الذكاء الاصطناعي    الهلال يطلب التتويج في الرياض    جولة الهروب من الهبوط لدوري «يلو»    طائرة الهلال تتوج بدوري ممتاز الناشئين    علم النفس المراحل العمرية    وصول ركاب الخطوط السنغافورية بسلام بعد رحلة جنونية    محمية الملك سلمان الملكية أول موقع للتنوع البيولوجي في المملكة    قطاع الطيران نحو المستهدفات    مهرجان الورد ونباتات الزينة بالدلم يستمر إلى مساء السبت القادم    سياحة الريف    تنمُّر التواصل الاجتماعي.. قصة كارسون !    عائلة أبوحسين تكرّم عميدها    القبض على أربعة مروجين للمخدرات    لا فيك ولا في الحديد    المرأة كائن عنيف بنسبة 75 %    لقاء علمي يستعرض تجربة بدر بن عبدالمحسن    خبراء يناقشون تجربة «أوبرا زرقاء اليمامة»    هيئة المتاحف تنظم المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار    فواز.. أكتب له ويكتب لي    بناء السياسات.. المساءلة والمحاسبية لضبط التنفيذ الفعَّال    #كيف_تحسِّن_حظوظك عبر 20 خطوة ؟    الإتقان    رحلة في العلاقات السعودية الأمريكية.. من المُؤسس إلى المُجدد    "الصحة": اشتراط ثلاثة لقاحات لأداء فريضة الحج    واتساب يتيح قفل المحادثات على الأجهزة المتصلة    229 مشروعاً تنموياً للبرنامج السعودي في اليمن    مغني راب أمريكي ينهي حياته في بث مباشر    حاتم جمجوم يتلقى التعازي من الأمراء والمسؤولين في حرمه    الكاتب العقيلي يحتفل بتخرج إبنه محمد    آل مجرشي وآل البركاتي يزفون فيصل لعش الزوجية    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    الأمن الغذائي    تسهيلات تمويلية لرواد الأعمال    أكد عمق العلاقة مع الصين.. وزير المالية: 37.5 مليار ريال حجم التخصيص في المملكة    السبت الكبير.. يوم النهائيات الخمسة.. العين يطمح للقب الآسيوي.. والأهلي لتأكيد زعامته للقارة السمراء    معرض «لا حج بلا تصريح» بالمدينة المنورة    د. خوقير يجمع رجال الإعلام والمال.. «جمعة الجيران» تستعرض تحديات الصحافة الورقية    تمويل قطاع الأفلام    ثلاثي روشن يدعمون منتخب البحارة و رونالدو: فخور بتواجدي مع البرتغال في يورو 2024    البرتغالي جوزيه مورينيو في ضيافة القادسية    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    الأمير سعود بن مشعل ترأس الاجتماع.. «الحج المركزية» تستعرض الخطط التشغيلية    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله التركي    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    "أبرار" تروي تحديات تجربتها ومشوار الكتابة الأدبية    استشاري: حج الحوامل يتوقف على قرار الطبيب    جناح الذبابة يعالج عيوب خلقية بشرية    يوم تاريخي.. تعزيز مسار حل الدولتين    محافظ القطيف يلتقي مدير أحوال الشرقية    تخريج دفعة من مجندات معهد التدريب النسوي    الأحوال الجوية سبب مقتل رئيسي    اعتراف جديد بدولة فلسطين يشكل ضربة ثانية لسمعة إسرائيل    نائب أمير منطقة مكة يطّلع على الخطط المستقبلية لجامعة المؤسس    وزير الداخلية وسفير إيران يبحثان الموضوعات ذات الاهتمام المشترك    القيادة تهنئ الرئيس اليمني بيوم الوحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - «مفيستو» كلاوس مان: النجاح حتى في حلف مع الشيطان
نشر في الحياة يوم 03 - 02 - 2010

القصة تبدأ من حكاية حقيقية. او بالأحرى من حكاية حقيقية عن شخص حقيقي كان في زمنه من كبار رجال التمثيل وفن المسرح في الحياة الفنية الألمانية، ثم حين وصل النازيون الى السلطة في ألمانيا، وجد ان من المناسب له ان ينضم إليهم، عن انتهازية لا عن اقتناع، وتحديداً لأنه كان واعياً منذ البداية ان ما تمثله النازية وكل القوميات المتعصبة التي تسير على هديها، يتناقض كلياً مع كل ما يمثله هو وما كان عليه تاريخه. ومن هنا، انطلاقاً من تلك القلبة في حياته، كان ذلك العقد الفاوستي بينه وبين الشيطان النازي: العقد الذي بموجبه باع روحه وفنه لذلك الشيطان، مشترياً بالثمن راحة باله ونجاحه الفني، ما اوصله الى الذروة ايام هتلر في وقت كان الفنانون والأدباء الشرفاء يضطهدون.
إذاً، هذه الحكاية الفاوستية كانت هي ما فتن كلاوس مان، الكاتب الألماني الذي مر في دنيانا هذه سريعاً واحترف الأدب باكراً على خطى ابيه (توماس) وعمه (هاينريش) اللذين كانا من كبار ادباء ألمانيا في الجيل السابق عليه، وكل منهما على طريقته. وكلاوس (الذي سيموت منتحراً عام 1949) كانت له هو الآخر طريقته وتقوم على استخدام اللغة الإبداعية لفضح النازية ونزولها، حتى بأبنائها الى جحيمهم. وللتعبير عن هذا، وجد كلاوس في حكاية الممثل غوستاف غروندجنز (1899 - 1963) موضوعاً صالحاً... حتى من دون ان يسميه في روايته بل يكتفي بأن يعطيه اسماً ذا دلالة هو «مفيستو».
وغروندجنز هذا كان معروفاً جداً في ألمانيا، هو الذي بدأ حياته فناناً تقدمياً يقدم في مدن الأرياف ثم في المدن الكبرى اعمالاً يكتبها بنفسه، كان اشهرها مسرحية عن... ممثل انتهازي عاش في القرن التاسع عشر، وكان من الانتهازية بحيث انه بعدما كان جمهورياً تقدمياً، اوصلته انتهازيته الى الارتماء في احضان السلطة، قبل ان ينتهي في زنازين شارل العاشر. والحال ان غروندجنز، حينما كتب هذه المسرحية ومثلها على عشرات الخشبات لم يكن يعرف ان مصيره هو سيكون على ذلك الشكل، وأن انتهازيته هو الآخر ستوصله الى احضان هتلر. ومن هنا، لاحقاً، حين صار نازياً، وراح يسعى بعد هزيمة هتلر للتبرؤ من النازية، قال عنه خصومه انه «كتب سيرته مسبقاً بنفسه في مسرحيته المبكرة تلك». المهم ان كلاوس مان، الذي عرف ذلك الممثل عن قرب، بل كان ذات حقبة صديقاً له، اتخذه في روايته التي سماها «حكاية مسار مهني»، أنموذجاً لجمع كبير من فنانين وأدباء تحلقوا حول النازية حال انتصارها في شكل انتهازي، راسماً مصيرهم.
وبالنسبة الى كلاوس مان، كان ذلك المصير متجسداً حقاً في «مفيستو»... ومن هنا حينما كان كلاوس يسأل عما اذا كان حقاً كتب عمله عن حياة غروندجنز، كان يقول: ابداً... روايتي رواية عامة تقدم أنموذجاً رمزياً، ولا تتحدث عن فرد من الناس. لكن النقاد والقراء لم يروا ابداً رأيه... وهكذا، حتى بعد اكثر من ثلث قرن على كتابة الرواية (1936)، اي في آخر السبعينات حينما حقق المجري لاسلو تسابو، فيلماً متميزاً انطلاقاً من هذه الرواية، تحدث الناس من جديد عن غروندجنز، باعتباره الشخص الحقيقي الذي يختفي خلف بطل الرواية هندريك هوفغن الملقب «مفيستو».
والحال ان لقب «مفيستو» اذ استخدمه كلاوس مان في روايته، ووجده يليق بهندريك، لم يكن آتياً من فراغ، بل ان الصدفة نفسها كانت جعلت هذا الأخير يشتهر اكثر ما يشتهر بلعب دور «مفيستو» على المسرح الألماني، في تقديم لمسرحية «فاوست» لغوته، منذ عام 1919، ثم اعاد تقديمها في شكل رسمي منذ عام 1922. غير ان البطل - كما كان حال غروندجنز - كان يريد ان يخرج العمل بنفسه... فلم يتح له ذلك حتى عام 1932 حينما اتيحت له الفرصة، فحقق المسرحية وقام بالدور... وظل يقوم به طوال حياته، فإذا بالدور يتلبسه تماماً.
غير ان كلاوس مان، لم يشأ لشخصيته ان تكون مسطحة، وهكذا نراه يقدم لنا هندريك هوفغن شخصية مركبة وغريبة الأطوار: إنه منتم الى النازيين تماماً، ويحظى برضى غورنغ وحمايته ويعتبر من اقطاب الحركة الفنية في الرايخ الثالث الى درجة ان هتلر بنفسه عينه مديراً لمسرح الدولة. وهكذا في لحظة ما، يجد الرجل نفسه متحالفاً مع النازيين، بعدما كان مناصراً للشيوعيين. غير ان هذا لم يكن كل شيء ولا كان الخاتمة. ذلك ان هوفغن، لم يتردد ذات مرة في ان يخبئ في بيته صديقاً له يهودياً كانت السلطات تطارده، كما انه سعى ذات يوم الى إخراج صديق آخر، شيوعي هذه المرة من السجن. ومن هنا، إذ ينكبّ مان على تحليل شخصيته، يصل الى انه لم يكن صاحب اي قناعة ايديولوجية على الإطلاق: كان انساناً عادياً يسعى الى النجاح بأي ثمن، ومن هنا كانت قدرته الفائقة على التأقلم والتكيف. والطريف انه حينما يعرض عليه ان يهرب الى الخارج اذ شعر ذات لحظة ان العيون تراقبه، يسأل: الى اين ولماذا؟ فيأتيه الجواب: الى باريس، حيث الحرية. فيكون جوابه: الحرية! وما الذي يمكننا ان نفعل بهذه الحرية؟
ولعل اجمل ما في كتاب كلاوس مان في صدد هذه الشخصية هو ان صاحبها يبدو لنا صادقاً تماماً في دور الرجل المتلون المتقلب الذي يلعبه. هكذا هو في الحياة. وهكذا هو على خشبة المسرح: حينما يمثل يتقمص دوره تماماً وبكل قوة: ينفع ويتألق في دور البطل، كما ينجح ويتألق في دور الخائن «بل انه، وبحسب وصف مان، يفرط في اداء دور الفاشل حتى يتمكن لاحقاً من ان يبقى على رغم الفشل». ولذلك حينما يصبح انخراطه المتورط في صفوف النازيين، فوق طاقته، يبدو لنا انه عارف تماماً انه قذر... وهكذا، إذ يدعوه سادته الجدد، النازيون، الى التعبير عن ولائه لهم، يكون خطابه عنيفاً، ولكن صادقاً، في مناصرة «منظومة قيم» نعرف نحن ويعرف هو انه يحتقرها كل الاحتقار. وسيده النازي ليس غبياً، اذ ها هو بعد خطابه يثني عليه وخصوصاً بسبب قدرته على «التمثيل». إن هذا الجانب من تحليل شخصية هندريك هوفغن، هو اجمل ما في رواية كلاوس مان هذه، اذ لولا هذا التحليل لبدت عادية مثل مئات الأعمال الفنية والأدبية التي تتحدث عن شخصية الانتهازي، وتحديداً شخصية المرء الذي يضطر الى ان يكون انتهازياً في ظروف صعبة.
بقي ان نذكر ان هذه الرواية إذ نشرها صاحبها في المنفى عام 1936، عادت ونشرت للمرة الأولى في برلين الشرقية بعد وفاة مؤلفها، ثم عام 1963 اي في العام نفسه الذي مات فيه غوستاف غروندجنز، نشرت في برلين الغربية، ما جعل ابن هذا الأخير بالتبني يقيم دعوى قضائية مطالباً بعدم نشرها، ما أخر إنزالها الى الأسواق حتى عام 1971، بأمر من المحكمة. وقد حولتها آريان منوشكين الى مسرحية عام 1979 قدمتها في باريس مع فرقتها «مسرح الشمس». اما الفيلم السينمائي المقتبس عنها فحقق عام 1980.
وكلاوس مان (1906- 1949) هو كما قلنا ابن الكاتب الكبير توماس مان. وعمل في الصحافة والنقد المسرحي قبل ان يهرب عام 1933 الى امستردام حيث اصدر صحيفة «المجموعة». وفي عام 1936 توجه الى الولايات المتحدة حيث شارك في الحرب العالمية الثانية في صفوف الجيش الأميركي. وأثناء ذلك خاض العمل السياسي وكتب في الصحافة والأدب. ومن اشهر اعماله الى «مفيستو»: «البركان» و «الهروب من الحياة»، وسيرته الذاتية «نقطة تحول».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.