القادسية يطوي صفحة إسبانيا ويستعد لاختبار نوتنغهام فورست الودي    استعداداً لمواجهة أتلتيكو مدريد.. الفريق الفتحاوي يواصل تحضيراته بمُعسكر إسبانيا    لبنان يعود إلى الحاضنة العربية    إقامة لقاء حوكمة التطوع وتطوير جوانبه النظامية بالمنطقة الشرقية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم في دورتها ال45    الداخلية : ضبط (22072) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    القيادة تهنئ رئيس سنغافورة بذكرى اليوم الوطني    النفط يستقر ويسجّل أكبر خسائر أسبوعية    نجاح أولى عمليات "برنامج الاستمطار" شمال شرق الرياض    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس (48) مشروعًا تنمويًا لمنظومة "البيئة" بالمنطقة بتكلفة إجمالية تتجاوز (4.4) مليارات ريال    استشهاد 6 فلسطينيين بقصف إسرائيلي وسط غزة    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق اليوم    كامكو إنفست تنقل مكاتبها في السعودية إلى مركز الملك عبدالله المالي "كافِد"    طالبة من "تعليم الطائف" تحقق الميدالية الفضية عالمياً    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    معجم الحيوان الأليف عند العامة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    قطر والإمارات والكويت تدين قرار إسرائيل احتلال قطاع غزة    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    خطط أرامكو السعودية التوسعية في النفط والغاز والتكرير تعزز زيادة تدفقاتها النقدية    الفيحاء يتعاقد مع "الخيبري"لمدة 3 سنوات    وزير الخارجية يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات في غزة    بيع صقرين ب 180 ألف ريال في الليلة الأولى لمنصة المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    برشلونة يعيد شارة القيادة لتير شتيغن    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 .. ختام ربع نهائي بطولة Rainbow Six Siege X    مواهب الذكاء الصناعي تضع المملكة ضمن أفضل 20 دولة    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    المصالح الوطنية السعودية    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    النصر يكسب ودية "رايو آفي" البرتغالي برباعية    %83 من القراء هجروا المجلات    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    زيلينسكي يدعو واشنطن لزيادة الضغط على موسكو.. روسيا تدرس هدنة جوية مع أوكرانيا    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنّ الحُسْنَ أَحْمَر

هناك خَلْطٌ في لسان العرب قديمًا في التعبير عن الألوان، ولاسيما بين الأبيض والأحمر؛ نقل (ابن منظور)(1): "الأَحمرُ: الأَبيض... يقال: أَتاني كلّ أَسود منهم وأَحمر، ولا يقال أَبيض؛ معناه جميع الناس عربهم وعجمهم... وفي الحديث: بُعِثْتُ إِلى الأَحمر والأَسود. وفي حديث آخر عن أَبي ذر: أَنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: أُوتيتُ خَمْسًا لم يؤتَهُن نبيٌّ قبلي، أُرسلتُ إِلى الأَحمر والأَسود، ونُصرت بالرُّعب مسيرة شهر؛ قال شمّر: يعني العرب والعجم، والغالب على أَلوان العرب السُّمرة والأُدْمَة وعلى أَلوان العجم البياض والحُمرة... وقيل أَراد بالأَحمر الأَبيض مطلقًا؛ والعرب تقول: امرأَةٌ حمراء أَي بيضاء. وسُئل ثعلب: لِمَ خَصَّ الأَحمرَ دون الأَبيض؟ فقال: لأَن العرب لا تقول رجلٌ أَبيض من بياض اللون، إِنما الأَبيض عندهم الطاهر النقيُّ من العيوب، فإِذا أَرادوا الأَبيض من اللون قالوا أَحمر. قال ابن الأَثير: وفي هذا القول نَظَرٌ؛ فإِنهم قد استعملوا الأَبيض في أَلوان الناس وغيرهم؛ وقال عليٌّ، عليه السلام، لعائشة، رضي الله عنها: "إِيّاك أَن تَكُونيها، يا حُمَيْراءُ"، أَي يا بيضاء. وفي الحديث: "خذوا شَطْرَ دينكم من الحُمَيْراءِ"؛ يعني عائشة، كان يقول لها أَحيانًا، تصغير الحمراء، يريد البيضاء... وحُكي عن الأَصمعي: يقال أَتاني كلّ أَسود منهم وأَحمر، ولا يقال أَبيض. وقوله في حديث عبدالملك: أَراكَ أَحْمَرَ قَرِفًا؛ قال: الحُسْنُ أَحْمَرُ، يعني أَن الحُسْنَ في الحمرة؛ ومنه قوله:
فإِذا ظَهَرْتِ تَقَنَّعي
بالحُمْرِ إِن الحُسْنَ أَحْمَر
والعرب إذا قالوا: فلان أَبيض وفلانة بيضاء فمعناه الكرم في الأَخلاق لا لون الخِلقة، وإِذا قالوا: فلان أَحمر وفلانة حمراء عَنَوا بياض اللون." وروى (الأزهري)(2): "قال المبرّد: قيل لوَلَد العربيّ من غير العربّية: هَجِين؛ لأنَّ الغالب على ألوان العرب الأُدْمة، وكانت العربُ تُسمِّى العَجَم: الحمراءَ ورقابَ المَزاوِد؛ لِغلبة البياض على ألوانهم، ويقولون لمن علا لونَه البياضُ: أحمرَ، ولذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعائشة: يا حُمَيراء؛ لغَلَبة البياض على لَوْنها." فالأحمر لدى العرب يأتي في معنى "الأبيض" غالبًا، إذا تعلّق بلون البشرة. بل قد يرد معبّرًا عن الجَمال عمومًا، كما في قول (بشار بن بُرد، 167ه= 784م)(3):
هجانٌ عليها حمرةٌ في بياضها
تروقُ بها العينين والحُسنُ أحمرُ
وإذا دخلنا فادخلي
في الحُمْر إنّ الحُسن أحمرْ
فهذا اللون قد بات، إذن، يتجاوز التعبير عن بياض المرأة في ذاته إلى التعبير عن الجمال بعمومه. وهو لونٌ قد يرمز كذلك إلى الخَطَر والغواية الجنسيّة والجمال والانفعال، فهو ذو إيحاءات نفسيّة خاصة. وقد ظلّ يحمل إيحاءاته النفسيّة والجماليّة والجنسيّة منذ الجاهليّة، حتى تكثّفتْ دلالته لدى الشاعر الشبق، متجرّدة عن كلّ روابطها بالواقع الحسّيّ، فكان من ثمراتها ذلك التعبير المأثور: "إن الحُسن أحمر".(4) فيما أورد (الأزهري)(5): "حكى الأصمعيّ عن بعض العرب أنه قال: الحُمَّى في أصول النخل، وشرّ الغَبَيَات غَبْيَة التَّبْل، وشرّ النساء السويداء الممراض، وشرّ منها الحُميراء المحياض."
ذكرتُ هذا لمّا فرح بعض النوكى الطاعنين في السيّدة عائشة، رضي الله عنها، كياسر الحبيب- من أتباع الحوزة البريطانيّة- في تشنيعه الصبيانيّ على أُمّ المؤمنين، حينما وجد ما نقله الأزهري عن بعض العرب، فهلّل الوَرَعُ قائلاً، في دفاعه عن سفاهاته التي أنكرها العالم الإسلاميّ بسنّته وشيعته: إن الحميراء في كلام الرسول، صلى الله عليه وسلّم، تعني: المحياض، وإن الرسول كان بذلك يسبّ عائشة فيا لهذا الوارش من متفيهق فاغر وأيُّ رجل أحمق يسبّ زوجته أصلاً إلاّ وقد سبّ نفسه ناهيك عن أن يكون ذلك الرجل عربيًّا عاقلاً، ونبيًّا وصفه ربّه بأنه على خُلُق عظيم؛ أفذلك هو الخُلُق العظيم؟ ولقد شَهِدَتْ سيرتُه، قبل الإسلام وبعده، بأنه كان رجلاً شريفًا نبيلاً، بريئًا من ثقافة اللعن والسباب وسوء الألفاظ والفعال- من تلك الخصال التي لا يتّصف بمثلها إلاّ الناقص الحائر في أمره- وأنه كان على ذلك حتى مع ألدّ أعدائه، فكيف مع أزواجه والعجيب أيضًا أن عائشة ظلّت تسمع ذلك السباب المزعوم وتَطْرَب له في حياة النبيّ وبعد حياته! هكذا اشمعلّ الغلام المغوار في مدينة الضباب بعد أكثر من ألف عام ليفسّر لنا اللغة والتاريخ ضربة واحدة، ويشفي غِلَّهُ المتواروثَ على سيّدةٍ من أرقى الحرائر الأبيّات في التاريخ، صوتًا وفعلاً ومنزلة: لأن الحميراء- بحسب اكتشافاته المتأخّرة للأسرار اللغوية القديمة- تعني: المحياض ألا شاهت وجوه الأفّاكين وفي هذا منهاج انتقاء مطّرد ومزمن، إنما يلتعقه أصحابه التعاق الذباب، ويصطادونه اصطياد العناكب؛ لأغراض لا تخفى أهدافها الدنيئة، نيلاً من حبيبة محمّد. ذلك أن مَن عَلِمَ لغة العرب عَلِمَ أوّلاً أن الكلمة في اللغة العربيّة ربما حملت معاني مختلفة، بل قد يصل اختلافها إلى التّضادّ؛ ومن ثَمَّ فإن انتقاء معنى من تلك المعاني- على فرض صحّته، وليس بصحيح- يصبح انتقاءً مُغرضًا لا أكثر. غير أن المشكل هنا ليس في ذاك، وإنما هو- إلى جانب المشكل النفسيّ العويص- في الجهل بكلام العرب، والعيّ في قراءة النصّ المستشهد به؛ من حيث إن القائل "شرّ النساء السويداء الممراض، وشرٌّ منها الحُميراء المحياض" إنما أشار إلى: "السوداء" كثيرة المرض منهنّ، و"البيضاء" (أو الحمراء- كما تصف العرب المرأة البيضاء) كثيرة الحيض. ولعل السبب في هذا الذي وُصفتْ به هذه الأخيرة أن كثرة حيضها حريٌّ أن يحيل بياضها إلى صُفرة أو شحوب. وإذن، لا علاقة لصفة "حميراء" بالحيض ولا بالمحياض في المعنى من قريب أو بعيد، لولا التمحّل الناقم والرغبة الدفينة في التشويه. وهكذا يعرّي التنقيبُ والانتقاءُ والتحريفُ أهلَه من المصداقيّة والأمانة، بل من العقل.
إن صفة "حميراء"- كما رأينا- صفة مدحٍ للمرأة، وهو ما عناه رسول الله في حقّ عائشة، كما عناه العرب في وصف المرأة. وهو عُرْفٌ تعبيريّ جماليّ، يعرفه مَن له أدنى إلمامٍ بكلام العرب. قال (البكري)(6): "قال أبو عليّ ومن كلام العرب "الحُسْن أحمر"، أي من أراد الحُسْن صَبَر على أشياء يكرهها. فمعنى أحمر على هذا التأويل شديد، و قد تقدّم القول في ذلك وذكرنا حديث عليّ: كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد أقرب إلى العدوّ منه. وقال الأشتر يوم صفّين: من أراد الموت الأحمر فليتّبعني. وفي المثل الذي ذكره تأويل آخر، وهو: أنّ المراد به اللون، والعرب تسمّي المرأة الحسناء حمراء. قال جرير، وسُئل عن الأخطل، فقال: هو أوصفنا للخمر والحُمْر: يعني حِسَان النساء. وثَبَتَ أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يسمّي عائشة: الحُمَيْرَاء. قال الأصمعي وغيره: الحمراء: المرأة الجميلة الحسناء. وقال سيبويه وهذه الصفة لمّا كثُر استعمالهم لها لَزِمَت فصارت كالاسم، كالأدهم والأجدل. وقيل لأعرابيّ: تَمَنَّهْ!(7) فقال: حمراء مِكْسال، من بنات الأقيال."
وللحديث بقيّة.
(1) لسان العرب، (حمر).
(2) تهذيب اللغة، (هجن).
(3) (1950- 1966)، ديوان بشّار بن بُرد، عني به: محمد الطاهر ابن عاشور، راجعه وصحّحه: محمد شوقي أمين وآخَر (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر)، 3: 260، 4: 61.
(4) انظر: الفَيفي، عبدالله، (1996)، الصورة البَصَريّة في شِعر العميان: دراسة نقدية في الخيال والإبداع، (الرياض: النادي الأدبي)، 103- 104.
(5) م.ن، (غبي).
(6) أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز الأندلسي (-487ه= 1094م)، (1936). سِمط اللآلئ المحتوي على اللآلئ في شرح أمالي القالي، تح. عبدالعزيز الميمني (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة)، 1: 463- 464.
(7) كذا، وهي لغةٌ مِن: تَمَنَّ، نجدها مثلاً لدى: (الجاحظ، البيان والتبيين)، و(أبي حاتم السجستاني، المعمّرون والوصايا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.