حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى؛ يشوق القادرين إلى المسارعة في هذا الفعل الإنسانى، الذي يجاور به الإنسان رسول الله في الجنة. مر هذا الحديث بخاطري كثيرًا، بعد أن التقيت في أحد مراكز ألعاب الأطفال بزوجين؛ سبق لهما أن طلبا استشارتي عدة مرات خلال بحثهما عن الإنجاب، وقد نصحتهما بعد عدة مقابلات في العيادة أن يسعيا للحصول على طفل الأنابيب. كان الأبوان في غاية الانسجام مع طفلة بشرتها في لون بشرة الأم، حييتهما فسلما، هنأتهما فأوضحا، حاولا أكثر من مرة التلقيح المجهري في أكثر من مركز مرموق لدعم الخصوبة، لم ييأسا، ولكنهما وجدا راحة للتعامل مع إحدي الجمعيات الخيرية، واحتضان طفل. وها هى الطفلة معهما منذ عامين، والجو الظاهر أن كل الأطراف سعيدة. الطفل والكافلان ( الأبوان). لا شك أن كفالة اليتيم بحيث يصبح جزءًا من أسرة تمنحه مشاعر الأبوة بغير تحفظ، هو خير ما يمكن أن يتوفر لطفلٍ حُرم من أبويه لأى سبب، منها ما يتعلق بالكوارث وحروب الإبادة التي نراها في غزة، وغيرها كثير في كل المجتمعات. بعض المجتمعات شرعت التبنى، بمعنى أن زوجين تبنيا طفلًا ليس ابنهما البيولوجى. وللأسف فإن المجتمعات الغربية شرعنت التبنى للشواذ من الأزواج؛ كالأسر المكونة من امرأتين شاذتين، أو رجلين شاذين. الإسلام يرفض التبنى، الذي يأخذ الطفل من أبويه البيولوجيين؛ سواءً أكانا أحياءً أو أمواتاً، لأن ذلك يتيح تزوير مسائل التوريث، وتعطيل حقوق الورثة، ولكن الإسلام عوض ذلك بالسماح بكفالة اليتيم، وجعل ثوابه الجنة، ولذا فإن القانون في السعودية يشترط أن تتوفر روابط جديدة من الإرضاع تقوم مقام النسب. فعندما تتقدم أسرة لاحتضان طفل ترعاه إحدى الجمعيات الخيرية، فهناك شروط يجب استيفاؤها؛ مثلًا أن يكون الزواج مستقرًا، وثابتًا، وقد استمر عدة سنوات، لأبوين لم يتجاوز كل طرف منهما سنًا معينة، وأن الطرفين خاليان من بعض الأمراض، وكذلك لم تظهر الدراسة النفسية والاجتماعية للأسرة أى إضطرابات. كما يشترط أن يكونا مسلمين، وفي أقطار أخرى أن يكونا على نفس دين الطفل. وأن يكونا من سكان نفس مدينة الطفل، وأن يكونا قادرين على الكفالة المادية وعلى الرعاية الوالدية. وأن تسمح ظروف الأسرة باستقبال زائرين يمثلان المجتمع؛ لمتابعة حالة الطفل. وعندما يتوفر مرضع مناسب، يتم اختيار الطفل المناسب. فمثلًا لو أصبحت أخت الزوجة مرضعًا يمكن اختيار طفل ذكر الرضاعة، وبهذا تصبح الأم خالة للطفل المحتَضن، وعندما يبلغ سن الرشد، يكون حرامًا على المرأة بناءً على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وكذلك لو كانت أخت الزوج مرضعًا؛ فإنه يمكن اختيار طفلة أنثى، ويصبح الزوج المحتضن خالًا للبنت من الرضاعة. ومن حق الزوجين الوصية لطفلهما المحتضن أوالهبة؛ تعويضًا عن عدم أحقيته أو أحقيتها بالميراث. إن كفالة اليتيم تعوض الطفل عن حرمانه من الأبوين، وتعوض الكافلين عن الحرمان من البنوة، وتوجد المحضن التربوي المثالي، الذي يغنى الطفل عن الحياة في المؤسسات الخيرية، التى ترعاه نفسيًا وماديًا ولكنها لا تستطيع أن تشبعه نفسيًا من باب استقلاله بمشاعر أبويه. وتحجز مكانًا مرموقًا في جنات النعيم للكافلين. فضلًا عن أنه في أحيان كثيرة، يحمى رابطة الزواج من الانفصام، وبدلًا من النفقات المتكررة، التى يتحملها الأزواج لصالح مراكز الإخصاب، يستفيد منها الطفل والمجتمع.