بعد أكثر من نصف قرن من الغياب، يستعد الرئيس السوري أحمد الشرع للوقوف على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، المقررة الشهر المقبل في نيويورك، في خطوة وصفت بأنها الأكثر رمزية منذ سنوات طويلة من العزلة التي عاشتها دمشق. وأكد مسؤول في وزارة الخارجية السورية أن الشرع سيلقي كلمة أمام قادة وزعماء العالم، ليكون أول رئيس سوري يتحدث أمام الأممالمتحدة منذ خطاب الرئيس نور الدين الأتاسي عام 1967، وأول من يشارك شخصياً في الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة بين 22 و30 سبتمبر. وتأتي هذه المشاركة رغم بقاء الشرع على قوائم العقوبات الأممية، ما استدعى إصدار استثناء خاص لسفره إلى نيويورك. ويرى مراقبون أن هذه العودة تمثل اختباراً لمدى تقبّل المجتمع الدولي للنظام السوري الجديد، خصوصاً بعد خطوات دبلوماسية سبقت ذلك، مثل زيارة الشرع إلى باريس في مايو الماضي ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى جانب خطاب وزير الخارجية أسعد الشيباني في مجلس الأمن خلال أبريل. وفي موازاة التحركات الأممية، كشف الشرع في لقاء صحافي عن إحراز تقدم في المحادثات الأمنية مع إسرائيل برعاية أمريكية، مشيراً إلى أن النقاشات تتركز على العودة إلى خط الفصل في الجولان وفق اتفاق 1974. وأكد أنه "لن يتردد في اتخاذ أي قرار يخدم مصلحة البلاد"، معتبراً أن الاتفاقات المطروحة لا تقتصر على الجانب الأمني بل قد تشمل أبعاداً اقتصادية إقليمية. وفيما يتعلق بلبنان، شدد الرئيس السوري على أن بلاده لا تسعى لأن تكون طرفاً في "تصفية حسابات مع حزب الله"، مؤكداً رغبته في "تحرير الذاكرة من الإرث الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية". التحركات السورية الأخيرة جاءت متزامنة مع لقاء جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بوزير التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي رون ديرمر في باريس في 20 أغسطس، حيث ناقش الجانبان إجراءات لخفض التوتر في السويداء وإعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك. يأتي هذا المسار بينما يواصل الجيش الإسرائيلي السيطرة على مواقع داخل الأراضي السورية منذ سبعة أشهر، بينها جبل الشيخ وشريط أمني يصل عرضه إلى 15 كيلومتراً، يضم أكثر من 40 ألف مدني سوري، إضافة إلى استمرار احتلال معظم مساحة هضبة الجولان منذ عام 1967. وبينما ينتظر العالم خطاب الرئيس السوري في نيويورك، يترقب المراقبون ما إذا كان سيكشف عن ملامح سياسة خارجية جديدة تتجاوز حدود "كسر العزلة"، أم سيكتفي بإرسال رسائل تطمينية حول ملفات الإصلاح والعلاقات مع الجوار.