تعيش إسرائيل منذ مطلع الأسبوع على وقع اضطرابات غير مسبوقة، مع خروج أكثر من مليون متظاهر في تل أبيب ومدن أخرى؛ رفضاً لتوسيع الحرب على قطاع غزة، في وقت تكثّف فيه الحكومة الإسرائيلية استعداداتها للمرحلة التالية من عملياتها العسكرية، وسط تصاعد التحذيرات الحقوقية والدولية من كارثة إنسانية في القطاع المحاصر. وشهدت شوارع تل أبيب والقدس وعدد من المدن الإسرائيلية، تظاهرات واسعة وإضراباً عاماً شلّ المرافق الحيوية، بدعوة من "منتدى عائلات الأسرى" ومجلس أكتوبر؛ للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو؛ من أجل إنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة شاملة تعيد الأسرى المحتجزين في غزة. ووفق وسائل إعلام عبرية، انضمت بلديات كبرى، بينها بلدية تل أبيب، إلى الإضراب، فيما قدّر المنظمون عدد المشاركين في الاحتجاجات بما يزيد على مليون شخص، بينهم نصف مليون متظاهر تجمعوا في "ساحة الأسرى" وسط تل أبيب. ورفعت الحشود الأعلام الإسرائيلية وصور الأسرى، فيما أغلق محتجون طرقاً رئيسية، وأشعلوا النيران قرب مقر حزب "الليكود"، ما أدى إلى مواجهات مع الشرطة التي استخدمت مدافع المياه واعتقلت عدداً من المشاركين. بالتوازي مع تصاعد الاحتجاجات، كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، عن خطة موسعة لاحتلال غزة، ستنطلق في السابع من أكتوبر المقبل بمشاركة أربع فرق عسكرية، تضم ألوية النخبة مثل "غولاني" و"غفعاتي" والمظليين، إضافة إلى ألوية مدرعة ووحدات هندسية متخصصة. وتستهدف الخطة- بحسب وسائل إعلام إسرائيلية- عزل محافظتي غزة والشمال، وبدء اقتحام بري من عدة محاور، في عملية قد تستمر بين أربعة وخمسة أشهر، بينما يقدَّر أن نحو مليون فلسطيني، ما زالوا في قلب مدينة غزة وغربها. ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه يسيطر حالياً على نحو 75 % من مساحة القطاع، فيما تعمل الحكومة على استدعاء ما بين 80 و100 ألف جندي احتياط لدعم العمليات البرية المقبلة. في الجانب الإنساني، حذّرت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر الاثنين، من أن إسرائيل تنتهج سياسة "تجويع متعمّدة" في غزة، معتبرة أن الجوع والمرض "نتاج خطط وسياسات ممنهجة؛ تهدف لتدمير السكان"، وهو ما وصفته بأنه "جزء من إبادة جماعية جارية". وقالت المنظمة: إنها وثّقت شهادات لنازحين وأطباء يؤكدون أن الوضع الإنساني بلغ مستويات غير مسبوقة، مع وفاة مئات المدنيين؛ بسبب سوء التغذية، بينهم أكثر من مئة طفل. وتقول الأممالمتحدة: إن أكثر من 86 % من مساحة غزة تقع حالياً تحت الأوامر العسكرية الإسرائيلية أو مناطق الإخلاء، فيما خلّفت العمليات العسكرية نحو 62 ألف قتيل فلسطيني، وحوّلت معظم مناطق القطاع إلى أنقاض. بينما يلوّح نتنياهو بخطة "حسم" عسكرية عبر عملية "عربات جدعون"، يرى مراقبون أن التحدي الأكبر أمام الحكومة الإسرائيلية لا يقتصر على الميدان في غزة، بل يمتد إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، حيث تهدد الاحتجاجات العارمة بتقويض وحدة الجبهة الداخلية في وقت حساس، وتضع تل أبيب أمام اختبار عسير بين إنهاء الحرب أو الاستمرار في مستنقعها.