قالوا عن الزواج أنه "مؤسسة فاشلة صنعها الإنسان"، وقال آخرون أنه "مغامرة جميلة يشترك فيها اثنان يعملان معًا ليصبحا كيانًا واحدًا، إلا أن الرأي الأول أيَّدته دراسة حديثة واسعة النطاق, شملت آراء ووجهات نظر الفتيات والشباب في بريطانيا نحو الحياة، وظهر أن الفتيات في العصر الحالي يشككن بشكلٍ متزايدٍ في ماهية الزواج. وأظهر الاقتراع أن هناك أقلية صغيرة منهن يجدن أن العثور على زوجٍ هو دليلٌ على النجاح والاستقلالية، بينما لا زالت أقل من نصف الفتيات ترين الزواج باعتباره نوع "أفضل" من العلاقات بين الطرفين فقط. كما اعتقدت أقل من ثلث الفتيات أن المتزوجين يشكلون معًا فريق أفضل من الآباء والأمهات غير المتزوجين، وجاءت شكوكهم حول الزواج في تناقضٍ ملحوظٍ مع المواقف التقليدية،التي عرضها الفتيان الذين واصلوا النظر إليه على أنه طموحٌ. وظهرت نتائج الدراسة السنوية من قِبل دليل الفتيات في المملكة المتحدة، والتي تتبعت آراء أكثر من ألف فتاة وشابة بالغة، تراوحت أعمارهن ما بين 7-21 عامًا، بشأن مجموعة من المواضيع مثل السياسة والأسرة والتعليم، وقد شمل الاستطلاع لأول مرة مجموعة صغيرة من الفتيان لمقارنة وجهات نظرهم. وفسَّرت الدراسة أن رؤية الزواج كفكرة فاشلة يقف ورائها العديد من المفاهيم الخاطئة عن هذا الارتباط المقدس, وتكون السبب الرئيسي في انتشار حالات الفشل والانهيار في الحياة الزوجية، مما يؤدِّي بهم إلى العزوف عن الزواج من الأساس، فكثيرًا ما يسيطر على الشباب أفكار يستقونها من المفاهيم الاجتماعية الخاطئة أو من بعض وسائل الإعلام، أهمها أن الزواج وسيلة هروب من البيت حيث المشاكل التي لا تنتهي بين الزوجين أو الوالدين والأبناء خاصة عندما يصلوا إلى مرحلة المراهقة، والرغبة في تكوين كيان اجتماعي يشبع كبرياء الإنسان أمام الأهل والمجتمع الذي يعيش فيه، والشعور القاتل بالوحدة والرغبة في التخلُّص من حياة العزوبية بأي طريقةٍ، بالإضافة إلى إيجاد قيمة وتقدير ذاتي للتعويض عن مشاعر صغر النفس الموجودة في الشخص بسبب العائلة أو المجتمع بمفاهيمهم الخاطئة عن الأنوثة والرجولة. وفي الواقع لا يختلف الأمر كثيرًا في المجتمعات العربية, فبالإضافة إلى المفاهيم الخاطئة السابقة أصبحت تشكيلة المجتمع العربي غير واضحة الملامح في ظل التذبذب الذي تعيشه مؤسسة الزواج، نظرًا لتغيُّر العقليات في الأوساط الاجتماعية, وتأثرها بالحالة الاقتصادية في البلاد, والصراعات التي يعيشها الشباب بين الأصولية والانفتاح. فمن أهم العوامل والظواهر التي يعيشها المجتمع العربي وتكمن وراء العزوف عن الزواج: - العامل الاقتصادي، حيث تعيش معظم الدول العربية حالة من الضعف والتدهور في اقتصادياتها وهشاشتها، الأمر الذي جعل من الدخل الفردي للمواطن العربي في انخفاض مستمر بالكاد يكفيه, ويوفر للعائلة كفاف الشهر مقابل غلاء المعيشة، وذلك بالإضافة إلى انتشار البطالة بين صفوف الشباب وارتفاع نسب الفقر. - وتلعب الثقافة المحلية دورًا هامًا، حيث يسعى الشباب لتأسيس حياة عائلية بمستوى طيب في مجتمع سمته الأساسية الاستهلاك، الشيء الذي يبدو صعبًا ولكن يتحقق مع طول المدة، لتوفير كمالية العيش وتحقيق الرفاهية العائلية ما يجعل سن الزواج يتأخَّر عند الكثيرين, ويظهر ضعف مؤسسة الزواج وهشاشتها حيث ترتفع نسب الطلاق لتصل إلى 60%. - ويدخل ضمن العوامل أيضًا الصراع الذي يعيشه الشباب العربي بين الأصولية والانفتاح على نظرته لموضوع الزواج, الأمر الذي أوجد انقسامًا في الوسط الشبابي, فالبعض يرى ويؤمن بقدسية الزواج ويلتزم بها، متجاهلين الترتيب لحياة أسرية خاصة الظروف الاقتصادية, والبعض الآخر يرى أن الزواج باعتباره قفصًا ذهبيًّا هو إطار للحد من الحرية والانطلاق في الحياة متأثرين بنمط الحياة الغربية.