وزير الدفاع يبحث مع نظيره البوركيني التطورات    القضية المركزية    توجيه بسحب الأوسمة ممن يفصل من الخدمة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    الهلال يتطلع للحسم أمام الأهلي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    هيئة الشورى تقر إحالة عدد من التقارير والموضوعات    تقويم لائحة الوظائف والنظر في المسارات والفصول الثلاثة.. ماذا تم..؟    ثلاثة آلاف ساعة تطوعية بجمعية الصم بالشرقية    أمير الرياض يحضر افتتاح مؤتمر «المروية العربية»    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    صندوق البيئة يطلق برنامج الحوافز والمنح    البنك السعودي الأول يسجل ملياري ريال سعودي صافي دخل للربع الأول    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الأول للورد والنباتات العطرية    حتى لا نفقد درراً !    رؤية المملكة 2030 في عامها الثامن    القيادة تهنئ ملك هولندا    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    إبعاد "حكام نخبة أوروبا" عن روشن؟.. القاسم يردّ    شاركني مشاكلك وسنبحث معاً عن الحلول    (800) منتج وفرص استثمار.. الرياض تستضيف أكبر معرض لصناعة الدواجن    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    مهرجان الحريد    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    العوفي يحتفل بزفاف نجله حسن    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    60 طالباً وطالبة يوثقون موسم «الجاكرندا» في «شارع الفن» بأبها    أبها تستضيف أول ملتقى تدريبي للطلاب المشاركين في برنامج الفورمولا 1 في المدارس    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ورحل البدر اللهم وسع مدخله وأكرم نزله    عزل المجلس المؤقت    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    انطلاق تمرين "الموج الأحمر 7" بالأسطول الغربي    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    وصول التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" إلى الرياض    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    على واقع المظاهرات الطلابية.. أمريكا تعلق شحنة أسلحة لإسرائيل    رونالدو يسجل أرقام قياسية بعد الهاتريك    أجواء "غائمة" على أجزاء من 5 مناطق    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستلهام والسرقة: «الخيميائي» و«روبنسون كروزو» مثالاً
نشر في البلاد يوم 20 - 06 - 2013

لم يكن الكاتب المسرحي البرازيلي باولو كويلو في روايته «الخيميائي» عبقرياً بقدر ما كان مثقفاً كثيرَ اطلاعٍ، فروايته هذه التي طارت إلى الآفاق، وتَقَبلها الناس في شتى الأصقاع بقَبُول حَسَن قَلَّ من غيرها من حاز ناصية شُهرتها، إنما كانت عملاً ثقافياً مُوظَّفاً أكثر منها عبقرياً خالصاً. فالرواية التي يَعُدونها من عظيم ما كُتب في غُرة ثمانينيات القرن العشرين، قامت على استلهام تراثي مَرَده إلى التراث العربي الإسلامي، فالقارئ لها -إن تحقق له إلمام بتراث الأمة- سيفطن إلى قصة «يَحْلُم لغيره» المَذْكورة في كتاب «الفرج بعد الشدة» للقاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي المولود سنة 327 هجرية والمتوفى سنة 384 هجرية، وتحكي قصة شاب بغدادي خرج منها إلى الكوفة التماساً لكنز رآه فيها في أثناء نومه، فلما جَنَّ عليه فيها الليل قبض عليه أحد العَسَس؛ اشتباهاً بأمره كغريب عن المدينة، فأخذ الشاب يَسْتعطفه ويَسْترحمه مفضياً إليه بمبعث خروجه، فضحك العسسي من قوله وضَرَبَه بالحُمق والعُتْه، وأزرى به تَجَشم السفر لحلم رآه، ثم أخبره –أي العسسي- أنه رأى فيما يرى النائم أنه وجد كنزاً في بغداد في مكان كذا وما فَعل فِعْله، فَأصغى إليه الشاب دَهِشاً لأن مَوضع كنز رؤيا العسسي إنما كان منزله الذي تركه، فقفل راجعاً من فوره إلى بغداد حيث منزله ليرى أن الكنز كان أقرب إليه من أي كنز آخر سافر لطلبه.
ولعلك وقفتَ الآن على سبب جَعْلي باولو كويلو في التقديم مثقفاً على كونه كاتباً عبقرياً، ولَعَمري فليس هذا مما يُعاب به على كاتب، أو يؤخذ به عليه، إنْ كان على نحو ما ألزم به كويلو نفسه. وذلك أن المعاني ليست مِلْكية للفرد تستوجب على الناس من غيره الاستجازة في أخذها، وإنْ سبقتْ –أي المعاني- إلى ذهن أحد قبل أحد؛ لأنها في الجملة «مَنثورة على قارعة الطريق» كما يقول الجاحظ. فلئن كان السبق إلى الفكرة زَيْناً لصاحبها لا يَفُوق عليه أي زين آخر، فإن سوء الفهم ثم الطرح لها يُحيلانها شَيْناً يَلْحق عمل صاحبها؛ إذ القصدُ إلى الفكرة قبل غيرك لا يُقيدها عليك، وإنما الذي يُخلِّد عليك في الأُحدوثة هذا المعنى أو ذاك دون سواك هو عَقْلُ الفكرة ثم الذكاء في توظيفها، ألم تر كيف أن الله أزرى بحَمَلَة التوراة ممن لم يؤدوا حَقَّ حَمْلها، وجَعَلهم بمنزلة الحمارِ الحاملِ الأسفار من غير أن ينتفع بها، فلو كانت حيازة الأسفار فضيلة توقيفية لصاحبها، لفَضَلَ الحمار ذو الأسفار ذاك على كثير من العالَمين.
على أنَّ ما أتى دانيال ديفو به عام 1719م في روايته الشهيرة «روبنسون كروزو» التي يَجْعلونها حجر الرحى لعصر الرواية البريطانية، ليس أبعد عملاً من السرقة البواح من قصة «حي بن يقظان» للفيلسوف العربي ابن طفيل الأندلسي المتوفى عام 1185م.
ومُوجز قصة ابن طفيل –التي نَسَخَ الغرب على جِنْسها القَصَص الأشهر من نحو: «طرزان»، و»ماوكلي»، وقِس على شاكلتهما ما يَشترك معهما في المنوال- أنَّ أُماً قذفت بابنها في اليم داخل تابوت؛ خشية أنْ يَذبحه أخوها الملك العَاضِل لها لتَزَوُّجها من قريبه «يقظان» سراً، فألقى اليمُ بالوليد بساحل أجمة، لتفتح القصة بعد ذلك الباب لأول مرة على ضَرْب فلسفي في السرد القَصَصي، يُضاهئ أكبر مدارس علم النفس الحديث من طريق الكشف عن حديث النفس والضمير والعقل لإنسان ما وَجد مُعِيناً له غير فطرة الله التي فَطَرَ الناسَ عليها، ليَسْتهدي بها إلى الإجابة عن التساؤلات عما حوله، وليستنبط منها ماهية المَحْسوسات والجمادات في مكانه المُوحِش الذي ألفى فيه نفسه ولم يعرف سِوَاه عالَماً، إلى أن قادته إلى أجلى حقيقة عرفتها الإنسانية من مَبدئها وإلى مُنتهاها؛ وهي وجود الله الخالق المُعلِّم، في سَبْك عفو المنطق يُؤدِّي بعضه إلى بعض.
وتالله إنَّ الأدب الروسي في كَثيرِ مَذاهبه النفسية في الرواية –لكونه الأشهر براعة في التحليل النفسي لشخوص الرواية- لَهو عَالةٌ على ابن طفيل في قصته هذه (حي بن يقظان) وحدها، فأيُّ يد هذه التي استضاء بها أدب الغرب اليوم!
ولقد كان صنيع دانتي أليغييري -المتوفى في عام 1321م- في «الكوميديا الإلهية» التي يعدونها مَفْخرة الملحمات الشعرية في الأدب الإيطالي، سرقة عَيَاناً أيضاً؛ إذ إنَّ مَلْحمته المزعومة هذه لا تعدو أن تكون استنساخاً ل«رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري.
ومن يُقْبل على «رسالة الغفران» يَعْرف لِمَ اختُصتْ بالسرقة دون غيرها؛ فقد صَادفت لها فضيلتان:
فضيلة كون أبي العلاء صاحبها وهو مَنْ هو في أئمة العربية، وحَسْبُك أن تعرف أنه أحد قليلٍ ممن أجاد النثر والشعر بالاقتدار نفسه في البراعة فيهما، فإنما النثرُ ضَرَّة الشعر؛ وبذا قَلَّ أنْ تجتمع للمرء الإجادةُ نفسها فيهما بالقدر نفسه فيكون نثره مُكافئاً شعرَه في البراعة.
فضيلة المكتوب؛ حيث إن رسالته مَلَكت السَّبق في نمطها الفريد، وعَزَّت في انقطاع نظيرها بالاستطراد الخيالي لجَنَّة الشعراء والأدباء في الآخرة التي تَخَيَّلها المعري ببصيرته، وساق فيها حوارات ونقاشات بين بُلغاء العربية في الجنة.
ومُنتهى القول والغاية التي أردتُك بها أمران؛ الأول: أنْ تعلم أن لك تراثاً عظيماً، عَرَف دونك الغربُ له قَدْرَه فتَعَاطَوه بالتحليل والدَّرْس والتوظيف على ما في اختلاف اللِّسان من مَشَقة عليهم، والثاني: أن تراثك يُسرق كما تسرق أرضك، فإنْ أنت فَرَّطتَ في الأول مُختاراً، فقد فَرَّطتَ في الثاني مَسلوب الاختيار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.