لا تستغرب أبداً إذا قرأت مقالاً في صحيفة أميركية لكاتب يدعو فيه المرأة الخليجية إلى خلع الحجاب، حتى تشعر بحريتها، وتستمتع بجمال شعرها، كما لا تستغرب إذا سمعت وجهة نظر أميركية تقول بضرورة تغيير نظام توزيع الميراث الشرعي، وضرورة مساواة الرجل بالمرأة في هذا الشأن، أو أن يطالب كاتب صحافي أميركي الصحف الخليجية باستخدام صور عارية على صدر صفحاتها، لأنها الأكثر جذباً للقراء، وعلى اعتبار أن ذلك حق مشروع للقارئ حتى يستمتع بقراءة الصحيفة التي يدفع من أجل شرائها المال. هذه الأمور وغيرها هي مشكلتنا الأساسية مع الأميركان، فهم بشكل عام مقتنعون تماماً بأنهم يفهمون أكثر منا في إدارة شؤوننا، وأنهم يعرفون مصلحة المرأة والرجل والطفل العربي أكثر من العرب أنفسهم! والحال ينطبق على بقية الأمور، الحكومة الأميركية والعديد من المنظمات، وحتى المفكرين والكتّاب الأميركان، يعتقدون دائماً أن كل سلوك تسلكه شعوب المنطقة ما هو إلا فرض عين من الحكومة، وبالتالي فهم الأجدر بتغييره لتحرير هذه الشعوب! مسألة في قمة السذاجة، ولا أسذج منها سوى تقرير وزارة الخارجية الأميركية المليء بالمغالطات، والأمور التي تثير الضحك، حيث دائماً ما يتضمن مطالبات، لا يطالب بها أحد، ويدعو إلى تغيير أنظمة وعادات وتقاليد، لم يشتكِ منها أحد، ويطلب وضع قوانين لا نحتاجها، ولا يريدها أحد، ولكن هي الثقافة السائدة التي تقوم على أساس أن الأميركان يفهمون أكثر منا في مصلحتنا، ومصلحة أولادنا، ومستقبلنا! هذه النتيجة ليست تنظيراً، بل هي حقيقة نلحظها دائماً في تعاملات الأميركان وكتاباتهم، وفي تقارير وزارة الخارجية الأميركية السنوية، وهذا ما أكده أمس الكاتب الأميركي الشهير والخبير في الصحافة الاستقصائية سيمور هيرش حين قال: «هناك انطباع لدى الأميركيين، أننا نعرف مصلحتكم أكثر منكم، وقادرون على إدارة شؤونكم أكثر منكم، صحيح أن إدارة أوباما تحاول تغيير ذلك، ولكنه لم يمضِ في منصبه سوى أربعة أشهر، ولابد من منحه الفرصة لإثبات ذلك، وهناك ضرورة حقيقية لتغيير ذلك الانطباع، لأننا في الواقع نحن الأميركيين لا يمكن أن نعرف مصلحتكم أكثر منكم»! طبعاً نتمنى أن تصل قناعة سيمور هيرش هذه لجميع الأميركيين، حتى يتركو نا نبحث عن مصلحتنا بأنفسنا، وندير شؤوننا بطريقتنا، ولكن المشكلة الكبيرة التي سنواجهها في حالة لو اقتنع الأميركيون بوجهة نظر هيرش، ونجح أوباما في تغيير هذا الانطباع العام، كيف يمكننا تغيير هذه القناعة من «أدمغة» الكثيرين منا؟ هؤلاء اللاهثون وراء النموذج الأميركي في كل شيء، بدءاً من «تغيير اللسان» إلى تغيير «الإنسان»! الإمارات اليوم