لا جدال في ان بريطانيا خاصة، والدول الاوروبية عامة، هي صانعة اسرائيل، وحاضنتها الدائمة، منذ قيامها كيانا سرطانيا في قلب الوطن العربي، باغتصاب فلسطين عام 1948. وقد وفرت لها اوروبا من الدعم والتأييد والمؤازرة والحماية الشيء الكثير، في الاربعينيات والخمسينيات بشكل خاص، وعلى مدى العقود المنصرمة حتى الآن. غير ان هذا الدور الاوروبي الذي لم يتراجع عنه اي من الحكومات الاوروبية المتعاقبة، لا يروق للحكومة الاسرائيلية الحالية لمجرد ان بعض المنظمات الشعبية الاوروبية (وليس الحكومات) وجهت انتقادات حادة الى الممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وجرائم الحرب خلال العدوان الاخير على غزة مؤكدة رفض الحصار والقتل والتدمير. وفي الوقت الذي تتطلع فيه حكومة نتنياهو اليمينية الأكثر تطرفا، والتي ترفض عملية السلام الجارية في المنطقة (جملة وتفصيلا) الى دور اميركي اكثر دعما لها، قبل ان يتوجه رئيسها نتنياهو الى الولاياتالمتحدة الاميركية للقاء الرئيس اوباما، بدعوة منه، في الشهر القادم، فإن الدور الاوروبي في عملية السلام الذي تراجع كثيرا خلال السنوات الثلاث الماضية على الاقل لا يحظى بقبول اسرائيلي بدعوى ان اوروبا باتت منحازة الى العرب والفلسطينيين. وهو زعم مبالغ فيه، من الجانب الاسرائيلي لغايات (فرملة) الموقف الاوروبي المتأثر ولو قليلا بآثار العدوان على غزة، وبمشاعر الشعوب الأوروبية التي ابدت شيئا من التعاطف مع ضحايا العدوان من الفلسطينيين على الصعيد الانساني. وقد جاء التحذير الاوروبي (اللطيف) لحكومة نتنياهو من انها ستعلق (أي اوروبا) تطوير علاقاتها مع اسرائيل اذا رفضت الالتزام بمبدأ (حل الدولتين) في اطار مساع اوروبية جديرة بالنهوض بدور اكثر فعالية على المستويين الدولي والاقليمي (الشرق أوسطي). وهو (تحذير) واجه رفضا اسرائيليا شديد اللهجة، على الرغم من ان نتنياهو لم يتحدث حتى الآن عن (حل الدولتين) واكتفى بشروط حكومته للتفاوض مع الفلسطينيين التي كان ابرزها الاعتراف باسرائيل دولة يهودية، والتخلي عن المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وهي شروط لم يعد يكررها نظرا لاصطدامها بالرغبة الاميركية التي تؤكد على الالتزام بحل الدولتين، ويبدو انه توقف عن تكرارها الى ان يلتقي الرئيس اوباما لشرح وجهة نظره. وعل الرغم من ذلك كله، فقد كان الموقف الأوروبي الداعم والمؤيد لاسرائيل والحركة الصهيونية اوضح ما يكون في مؤتمر مكافحة العنصرية في جنيف (دوربان 2) حيث قاطعته بعض الدول الاوروبية وانسحبت منه دول اخرى احتجاجا على كلمة الرئيس الايراني التي انتقد فيها عنصرية الصهيونية بشدة. ومع ان هناك تباينا في شدة التزام الدول الاوروبية بأمن اسرائيل ودعمها لسياساتها، فإنها تتبارى وتتنافس في التقرب من الدولة العبرية وتتفق تماما على دعم اهدافها، والدفاع عنها بدون تحفظات. غير ان هذا الالتزام بأمن اسرائيل ووجودها وحمايتها، لا يعني ان الدول الاوروبية اغفلت حقوق الفلسطينيين خاصة وان اول اتفاقية رسمية مباشرة بين اسرائيل والقيادة الفلسطينية عقدت في اوسلو عام 1993. كما ان معظم المؤتمرات التي تناولت الصراع في الشرق الاوسط (الصراع العربي الاسرائيلي) كانت تعقد في عواصم اوروبية مثل مؤتمر مدريد 1991 و1992 ، وقبله مؤتمر جنيف في اواخر 1973، وفي هذه المؤتمرات كان يجري التأكيد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، والدعوة لإقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. غير ان الدول الأوروبية ظلت متراخية في إدانة الممارسات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية والعربية وخصوصا توسيع الاستيطان في القدس والضفة الغربية والجولان. ولا شك في ان دول الاتحاد الاوروبي تسعى الى موقف اكثر توازنا من الموقف الاميركي الأكثر انحيازا ازاء العرب والفلسطينيين غير ان مثل هذه المساعي لم تتعزز على ارض الواقع وظلت (حبرا على الورق). فهل سنشهد في المستقبل القريب تغيرا ملحوظا في هذا الموقف الاوروبي؟! ام سيكتفون بدورهم المحدود من خلال اللجنة الرباعية الدولية؟!. الوطن العمانية