هناك من يخلط بين الحض على شكر النعم والمبالغة فى هدر الأنعام التى وهبها الله للإنسان بلا طائل وبين جحودها أيضا ككبرياء إبليس ورفضه السجود لآدم والحوار الذى تم بينه وبين الله عز وجل إلى أن جعله الله عز وجل من المطرودين الملعونين إلى يوم الدين وهذا هو المكان المحمود لكل جاحد لأي نعمة أنعمها الله عليه وإذا علمنا سر هذه المتناقضات التى تلبسها الإنسان ومن قبله الشيطان فى هذا القول البديع :: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين :: أدركنا تماما مهابط العصيان البشرى مع أننا نعلم تباشير النتائج المتردية لكن من هذه المسلمات هناك تفاسير خاطئة ممن هبطوا على دار الاجتهاد اعتباطا ليفسروا النقيض بالنقيض غير مبالين أن هذا إفك عظيم وان نصف العلم فى كلمة - الله ورسوله اعلم ñ إذن فالنعم داران دار محمود ودار مذموم ورمز المحمود فيها أن نبالغ وبلا حساب فى شكر الله عز وجل على نعمه التى لاتعد ولا تحصى وليت رطوبة ألسنتنا فيها تنجينا من عذاب الآخرة وماربك بظلام للعبيد . إن الجانب الآخر فى هذا المبحث هو الذى يدغدغ المشاعر الإيمانية وربما يؤذيها لمبالغة ارتكاب المعاصي فى النعم واكبر برهان على ما نقول ونحن نعيش الآن الفصل الذى تكثر فيه الأعراس ذلك البذخ التى تقشعر منه الأبدان وهذا عين من تلك الأعيان الكثيرة فى هذا الباب والتى قد تؤلم أصحابها قبل غيرهم لكن المباهاة والقدوة السيئة فى إنجازها بصورها الملونة أمام خلق الله المؤيد لها جعلهم أُسراء بل وكالأنعام فى تنفيذها حتى اصبح هذا الداء علما على رأس الناس كلهم إلا من رحم ربى ودخل الفقير فى هذا الإطار قبل الغنى ولقد بحثت فى مجمل قضايا المساجين فوجدتها مسجلة فى قيود الديون الخاصة فهل تفسير هذا أننا أصبحنا أمة مهاجرة للقرآن الكريم أو مهاجرة لتعاليمه ألم نعلم بأن الله عز وجل قد أنار لنا الطريق فى هذا وقال عز من قائل " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت الآية " والله لو طبقنا هذا القول الحكيم وكل قول جاء شاهد من القرآن على أي قضية من قضايا الإنسان لوجدنا الكل يسير كالآلة لايخطىء ولأقفلنا أبواب السجون كلها . يقول الفتى الصالح أيها الباحث إن أخوانك لم يكتفوا بذلك بل امتد بهم التيار إلى ابعد من ذلك .فماذا تقول فى حالة الموت ؟ أليست هي حالة عصيبة على أهل الميت وخاصة فى الأيام الأول فانظر ماذا يجرى فى مآتم الأموات اليوم قبل الدفن وبعده ..عند التشييع وفى حالة الدفن هناك من يتحدث عن المكاسب والخسارة وبأصوات مسموعة دون حياء أو خوف من صاحب هذا الموقف الرهيب وعند الخروج من أبواب المقابر تتعالى القهقهات وكأنهم يخرجون من أبواب لهو الهذا الحد قست القلوب حتى أصبحت كالحجارة أو اشد إن زيارة القبور التى رواها الثقاة ستظل هي الرادع شاء من شاء وأبى من أبى لذلك أمر أستاذ البشرية أن الإنسان الذى يجد قلبه يميل إلى أي نزعة من النزعات الشيطانية عليه أن يسارع إلى زيارة القبور حتى يتفكر فى مآله ويعتبر بغيره ثم يأتى المنحى الآخر من هذه المسالك المهجنة وهو مرحلة البطون والشموع فتزين فى اليوم التالى القصور بالمصابيح ويكثر الضيوف وتزداد المآدب للقادمين والمغادرين مع أن الشارع وصى بعدم أكل الكسرة من الخبز فى دار الميت وقد كانت الضيافة المصطنعة فى السابق ثلاثة أيام والآن أصبحت سبع وغدا ستمتد إلى ابعد من ذلك طالما الضمير غائب والمحاسبة نائمة . هناك مثل رائع ضربه القرآن الكريم لمن يظلم نفسه فى نعم الله فى قوله تعالى " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " وبالتوضيح اكثر جاء القول الحكيم فى هذه الآية " وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما " وهناك تنبيه لمن يخلط شكر النعم بالمعاصي كأكل الربا وقول الزور وما شابه ذلك فى قوله الكريم " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور " ولايعنى هذا أن ننأى بهذا السلوك الصحيح جانبا يخالف العموم حتى لا نفقد الهدف من الدعوة التى نريد منها أن تتغلغل فى جميع فئات المجتمعات المراد جرها بعيدا عن الشواذ التى استصلحها لهم السابقون منهم وإني اعجب ممن سلك العنف فيها من الدعاة الجهلة بحجة أنها تخالف المنهج السليم وان كنا معه فى الأساس لكن نختلف معه فى التطبيق وانظر إلى التوجيه الرباني لأستاذ البشرية محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم ماذا قال له فى صلب هذا السلوك ..قال تعالى " ولو كنت فظا غليظا لأنفضوا من حولك " ومعنى هذا أن الداعية عليه أن يجارى المنخرط فى تلك الطرائق حتى يكشف له عوارها عن قرب وحتى إذا تكلم فى إيضاحها لا يخترقه المخترقون من أربابها وسيكون رده عليهم بلسما وبذلك نسحب المنضم البريء إليهم ونكشف المندس فيهم . عبد العزيز أحمد حلا المدينةالمنورة : ص . ب 2949 Madenah-monawara.com