حين نزل الوحي على محمد ﷺ لم يكن ثم مؤمن، وحين أمر بالبلاغ لم يكن معه متابع.. نعم شق عليه الأمر واشتد لكنه كان يفتح بالدعوة القلوب. وماهي إلا بضع سنين حتى دانت له القبائل وحج معه أكثر من مائة ألف. ومع ذلك ما إن توفاه الله تعالى حتى انقلبت قبائل على أعقابها وارتدت بعد إسلامها وقاتلت على ذلك! فكانت وقعة اليمامة. والصراع بين الحق والباطل باق ما دام إبليس موجودا يصرف الناس بأنواع الفتن والشبهات التي تتفاوت بحسب العقيدة الموجودة في نفس صاحبها وبحسب علمه بالسنة " إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم" ولم ييأس بالإغراء بالبدع والشهوات والشبهات! ولقد أتى على جزيرة العرب زمان خيم عليهم الجهل حتى عبدو الأشجار و القبور إلى أن قيض الله الإمام محمد بن عبدالوهاب فعاد للناس التوحيد وظلوا على ذلك ولما انعزل العلماء عن الناس بدعوى التقوى والخفية وتخليص القلب من الرياء عاد الجهل والهوى معولان يفسدان في الأمة! وإنك لتعجب وأنت تقرأ التاريخ كيف ظل أكثر الناس وفيهم أمثال هؤلاء العلماء الذين ألفوا هذه الكتب! لكن سرعان ما يزول العجب حين تقرأ سيرهم وكيف كانوا يعتزلون للتأليف والعبادة وتجريد القلب من شوائب الرياء وتخوفا على أنفسهم منه! وليت شعري هل تبرأ بذلك الذمة وقد أخذ الله الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه! ثم أشرقت الصحوة ببداياتها فكان من أهل العلم من برز للناس مربيا ومعلما ناصحا باذلا نفسه هنا وهناك وأسهم في انتشار كلامه الكاسيت، فتداول محبوا العلم والفهم كلامهم يصفي الفكر ويرغب في الخير ويضعك على الجادة مستشهدا بالنص من القرآن والسنة فتشرق الروح وتتلمس الطريق المستقيم. كان منهم الشيخ عبدالرحمن الدوسري رحمه الله والشيخ أحمد السناني حفظه الله وانتقلت لنا خطب ومواعظ الشيخ كشك والشيخ أحمد القطان فتداولناها يسجلها بعضنا لبعض وحيت بها القلوب واستقبل الناس هذه البصيرة فصححوا مفاهيمهم وصلواتهم وطهروا أموالهم وصار للحلال والحرام راية من يحملها يكون داعية ومن ينضوي تحتها يكون ملتزما. وبقي أناس على ما جرت به العادة في الحياة والعبادة وأحسب أنهم على خير لكن لا بصيرة ولا تمحيص.. فخبت كثير من رايات الإضلال التي زرعها الاستعمار وغذاها الجهل والطمع والحاجة والفقر، جراء نهب الاستعمار لخيرات البلدان العربية خاصة والإسلامية عامة .. أكثر شباب الصحوة كان في كلية الطب والهندسة، حتى لتخالك تدلف كلية الشريعة وقد أخطأتها لكلية الطب .. وأسهم في قبول الناس للخير حسن الخلق وزكاة النفس التي تربى عليها أولئك.. حتى إذا أهمل أهل العلم والدعوة الإعلام وانتشرت القنوات الفضائية وصار العالم قرية واحدة هبت رياح التغيير والتغريب، وانجرف فيها من لم يكن له حصانة. وزاد من المسارعة فيهم رياح الابتعاث المحموم والترف المذموم ، وتخلي كثير من حملة الدعوة عن دعوتهم فاضطربت السفينة وزاد سقوط كثير من ركابها في بحر الدنيا وضلوا الهدف راغمين أو راغبين .. وإني لأرى الناجين في هذه الرحلة قوم ألقوا مراسيهم في البحر وثبتوا سفينتهم بمراسي النصوص من الكتاب والسنة فاعتنوا بنشرها في النفوس وقاموا يفتحون بها القلوب والعقول ليبقى كل واحد على نفسه بصيرة .. وليتذكر الناسي ويتعلم الجاهل ويرجع صاحب الهوى متى ثاب له عقله . وفي هذا المعترك تبدو صورة باهتة لأناس علموا وفهموا لكنهم شغلوا بالنظر في كثرة الساقطين وصار همهم أن يتتبعوا رايات المبطلين ويضعون أيديهم على رؤوسهم مولولين ولعمر الله ما أغنوا شيئا ! وإني لأتذكر قوله تعالي لنبيه ﷺ ( ولا يحزنك قولهم) ( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) (فلا تقعد معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) ولهؤلاء أقول لم يهلك الناس وهم دون ذلك في العدة والعتاد "ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم" لقد استيقضت القلوب وما كان للقرآن دار واحدة فكيف وله ألف دار واستيقضت ولم يكن لهم كتب إلا القليل وما كانوا يستطيعون شراءه فكيف وهم يحملون عشرات الآلاف بنقرة أصبع! هل تخاف الباطل وهو لجلج وتخاف على الحق وهو أبلج؟! إذن "جاهدهم به جهادا كبيرا" وكن على يقين أن هذا الدين "سيبلغ ما بلغ الليل والنهار حتى لا يبقى بيت شعر ولا مدر إلا دخله الإسلام بعز عزيز وبذل ذليل" فقلب بصرك كم يدخل الإسلام من الناس في مشارق الأرض ومغاربها. إنما عليك البلاغ ولن تسأل عن هداية أحد . واجبك أن تتلمس أدلة ثباتك ودواعمه وتثق بأن الغلبة معك والنهاية لك والعاقبة للتقوى.