كان صاحبي كثير المجاملة مع كل من حوله , من عرف ومن لم يعرف فهو لا يجيد الاعتذار ولا يستطيع أن يرفض أي طلب مهما كان ثقيلاً عليه أو على الأقل غير مقتنع بفعله أو ليس لديه وقت لذلك . وفي هذا السياق بدأت تتكون لدى المجتمع الذي يعيش فيه صورة ذهنية خاصة به بأنه لا يقول ( لا ) و ( لا يمانع ) و (لا يعارض ) وذلك كله جعل الكثير ممن حوله يطمعون أكثر بكرمه ويطلبون منه الكثير من الأعمال والمهام والمسؤوليات بشكل لا يعقل ولا يقبل !! هذا الأمر زاد الطين بله فهو أيضاً في عمله كذلك فعمل أصدقائه المتقاعسين والمهملين يحول عليه لأنه لا يناقش وبالتأكيد لا يعتذر حيث يجامل الجميع على حساب نفسه !! ازادت الأحمال على كاهله وكثرة الضغوط جعلته غير راضي عن نفسه وبدأ يشعر بالتعب والارهاق وتراكم الأعباء ويتسأل في خلوته مع نفسه , لماذا يطلبون مني فعل كل شيء ولا يطلب من فلان او فلان ؟؟ لماذا أعمل الكثير من الاشياء رغماً عني مهما كان الثمن , لماذا أصبحت حياتي كلها مجاملة لفلان وفلان وها أنا قد نسيت حياتي الشخصية وأعمالي الخاصة !! كان يتسأل بحراره وحماس : كيف ( أقول لا ) ولا يغضب مني الناس , كيف ( اقول لا ) ولا أخسر علاقاتي وصدقاتي , كيف ( اقول لا ) ولا أخسر رحمي أو عائلتي كيف ( اقول لا ) وتكون مبررة يقتنع بها الطرف المقابل ويتفهم موقفي ويعذُرني . كيف أكون مجاملاً بحدود وكيف اسعى بحوائج الناس بغية الأجر أو بمهام عملي الواجبة علي ولا اكلف نفسي فوق ما تطيق ؟؟ كانت الاسئلة واقعية وجوهرية لكن الاجابات تحتاج إلى تدرب ثم تطبيق بتدرج حيث تكون بعد ذلك عادة يمارسها الانسان بكل انسيابية وراحة . وفي هذا الأثناء بدأ صاحبي يعكف على إعادة تقييم وضعة وتعاملاته في الحياة من حيث الأولويات ووضع علاقته بالآخرين وفق توازنات معينة لا يخسر فيها أحد من الاطراف ولا يخسر فيها نفسه وحياته . جعل الله هذا الكون متوازناً , ولا تعيش البشرية فيه سعيدة مستقرة مطمئنة إلا وهي تعيش حياة التوازن , لا افراط ولا تفريط . خدمة الناس شرف وبركة وأجر عظيم ولكن علينا أن نميز بين ما يجب أن نفعله نحن وما يتم تفوضه للآخرين وما نعتذر عن القيام به لأسباب وجيهة نسوقها مع الاعتذار ولهذا من تعلم فن الاعتذار واستخدمه استطاع أن يدير وقته بدل أن يدير الآخرين وقته واستطاع أن يكسب علاقاته بدل أن يخسرها واستطاع أن يتميز في عمله بل ويحبه لأنه يشعر بأن هذه البيئة فيها قدر من العدالة والانصاف في توزيع المهام . وهنا يبرز سؤال خطير عن المجاملة وحدودها وهذا سؤال في غاية العمق فأي مجاملة جلبت الضرر في النفس أو البدن أو نمط العيش أو عمل ما حرم الله فهي مذمومة وأي مجاملة جلبت الخير والسعي بحوائج الناس باعتدال و تعميق العلاقة معهم ولم تجلب أي شر أو ضيق أو ضرر أو تفريط بما هو أهم فهي محمودة بل يؤجر عليها الانسان أجراً عظيماً . من أصول فن الاعتذار أن نكون مباشرين وواضحين في سرد الأسباب مع الاحتفاظ بالهدوء وعدم الانفعال وأن نطرح وجهة النظر الخاصة بنا بكل جُرئة لكن بعيد عن التجريح أو الشخصنة أو الغضب والانفعال , فكلما تعلم الانسان أن يعتذر عن القيام بعمل ما أو الذهاب إلى مكان ما أو المشاركة في مشروع ما لا يمثل له اهمية كلما كان أكثر انسجاماً مع ذاته وأكثر قرباً إلى دائرة ما يحب وما يتقن . كلمة لا أو أعتذر كلمة في ذاتها ثقيلة على النفس لكن يخففها الابتسامة والشكر والثناء للطرف الآخر على الثقة وذكر الأسباب لهذا الاعتذار بالإضافة إلى الحوار الراقي الذي يخرج عنه توصيات جديدة ربما لم تكن موجودة على الطاولة من قبل مثل تحويل الأمر لشخص آخر أو ترشيح جهة أخرى لذلك أو تأجيل تنفيذه إلى وقت قادم يكون أكثر مناسبة . وفي المقابل ففن الاعتذار مع الشخصيات التي تربطنا فيها علاقة عميقة أو رحم أو علاقة زواج لا بد أن تكون أكثر دفئ وأكثر احتراماً لأهمية تلك العلاقة وحساسيتها وحبذا لو خالط الاعتذار دعاء لطرف المقابل ومحاولة مساعدة الطرف الآخر في بعض المقترحات التي تضيف للموضوع فيشعر بحماسك ورغبتك في تمام الأمر رغم عدم قدرتك على تنفيذه. ومن استراتيجيات الاعتذار طرح الحل الوسط أي أن نصل مع الطرف الاخر صاحب الطلب إلى حل وسط نتفق عليه جميعاً . أيضا علينا أن نفهم أن هناك شخصيات متحفزة للخلاف وتحب إلقاء اللوم على الآخرين دوماً وهي لا ترضى أبداً , فلا نكترث كثيراً أو نتحسس من ذلك بل علينا تفهم شخصياتهم مع الاحتفاظ بمواقفنا . إن تعلمنا لهذه الفنون يجنبا الكثير من الحرج و الارتباك في محيط العمل والعلاقات وفضاء حياتنا الخاصة كما أنه يجنبنا ما يستخدمه البعض من اساليب اعتذار غير مجدية مثل التلميح أو المماطلة أو الرسائل الغير مباشرة او المبطنة أو توسيط طرف ثالث بين الطرفين والتي ربما تفهم على غير مقصدها ونقع في اشكال أكبر وهو الفهم الخاطئ للتصرف . إن قدرتنا على نطق كلمة لا وهي مغلفة بالحُب والاحترام والرقي للطرف الاخر سوف تجعلنا لا نعيش الضرر المستوى الشخصي ونكسب الآخرين بدل أن نخسرهم . وهنا نذكر موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعتذر عن أكل الضب ولم ينكر على أحد اكله فأعطى اشارة احترام لرغبته الشخصية واحترام في ذات الوقت لرغبات الآخرين في الأكل وهنا يكون رقي التعاطي مع ما أريد أنا وما يريدون هم. محبرة الحكيم عندما تقول كلمة لا لشيء ما فلديك في داخلك كلمة نعم لشيء آخر . مثل انجليزي سلطان العثيم www.salothaim.com @sultanalothaim