القلم ليس مجرد عود من خشب أو معدن يحوي حبرًا، بل هو حياة أخرى نُمسكها بين أصابعنا فنشعر أن أرواحنا تتنفس من خلاله. هو أداة ظاهِرها الكتابة، وباطنها البوح والتعبير والشفاء, وعلى الرغم من التطور الهائل الذي جلبته التقنية، وما وفرته من بدائل كالشاشة واللوحة الإلكترونية، يبقى للقلم سحره الخاص، ووقعه الذي لا يشبهه شيء. مسكة القلم ليست حركة عابرة، بل طقس من الطمأنينة,حين نضعه بين أصابعنا، كأننا نضع المفتاح في قفلٍ صدئ، لنفتح أبوابًا داخلية لا تُفتح بغيره،ينحدر الحبر على الورق كما ينحدر النهر من أعالي الجبال، فيروي الأرض العطشى ويُعيد للحياة معناها. فكم من فكرة وُلدت مع أول خط، وكم من همٍّ تلاشى مع أول جملة كُتبت، وكم من قلب هدأ حين خطّ شكواه على صفحة بيضاء. إن للقلم قدرة على الشفاء لا يدركها إلا من جرب أن يكتب في لحظة ضيق. ما إن تبدأ الحروف بالظهور، حتى يتسرب الألم شيئًا فشيئًا، وكأن الكتابة حوار داخلي صامت، نسمع فيه أصواتنا التي تُغرقها ضوضاء العالم الخارجي. نكتب فنجد أنفسنا وقد تخلّصنا من ثِقَلٍ كان يرهقنا، ونكتشف أن ما ظننّاه عبئًا كبيرًا، قد صار مجرد كلمات على ورق. قد يقال لنا: أنتم قدامى، فالعصر عصر التقنية والسرعة، لا وقت للأقلام ولا للأوراق، ولكننا نعلم يقينًا أن مسكة القلم ليست رجعية، بل هي امتداد إنساني لا يمكن أن يُلغى، في لحظة الإمساك به، نشعر أننا أكثر ثباتًا، وأكثر قُربًا من ذواتنا. التقنية تمنحنا اختصارًا، لكنها لا تمنحنا عمقًا. فلا تقل لي يا عزيزي أنت قديمة فمسكة يدي لذاك القلم تمنحني قوة أواجه بها هذا العالم المتقلب. أمسك بقلمي وأعبر عما يجول بخاطري، أفرغ همومي، شكواي، أنيني، أمنياتي وآمالي. لا تجرح مشاعري في قلمي، فهو صديقي الأول، ورفيقي الأخير، وما تبقّى لي في عالم أصبح فيه كل شيء متغيرًا، متناقضاً. وهكذا، يبقى القلم شاهدًا لا يخون، ودواءً لا ينفد، ورفيقًا لا يتخلى عن صاحبه. إنه الأثر الباقي في عالم سريع الزوال، والصوت الصادق في زمنٍ كثر فيه الصخب والزيف، وقد جاء ذكر القلم في القرآن الكريم، تأكيدًا على مكانته ودوره في التوثيق والنقل.
قال تعالى:﴿ نۤ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا یَسۡطُرُونَ ﴾ (سورة القلم، الآية 1) بقلم/ حصة الزهراني ماجستير في العلاقات العامة والإتصال المؤسسي-