"التركيز هو المهارة الأكثر قيمة في القرن الحادي والعشرين". كالفن نيوبورت كاتب وباحث أمريكي في عالم يتدفّق فيه المحتوى بلا توقف، تبرز نظرية "الاهتمام المجزأ " (Fragmented Attention Theory) لتفسّر ظاهرة باتت تؤثر في حياتنا اليومية وممارساتنا الإعلامية والمهنية: تشتت الانتباه وتقلّص القدرة على التركيز لفترات طويلة . تشير النظرية إلى أن الفرد في العصر الرقمي لا يمنح انتباهه الكامل لمهمة واحدة، بل يقسمه بين مصادر متعددة ومتزامنة — مثل الإشعارات، والمنصات الاجتماعية، والرسائل، والفيديوهات القصيرة — مما يؤدي إلى تجزيء الانتباه وضعف الاستيعاب، وتراجع القدرة على التحليل والتفكير العميق . ووفقًا لدراسات حديثة، فإن المستخدم العادي ينتقل بين التطبيقات أكثر من 100 مرة يوميًا، فيما لا تتجاوز مدة التركيز المتواصل في بعض الحالات 8 ثوانٍ فقط — أي أقل من تركيز سمكة ذهبية، بحسب تشبيه طريف لتقارير مايكروسوفت . آلية التأثير: قصف المحفزات: تُصمم المنصات الرقمية (مثل فيسبوك، تيك توك) محتوى سريعًا وجذابًا يعتمد على مبدأ المكافأة المتغيرة مما يُعزز الاعتياد على التحفيز الفوري. تعدد المهام الزائف: الانتقال بين التطبيقات والإشعارات يُنشئ وهم الإنتاجية، بينما يُقلل الكفاءة المعرفية ويزيد الإرهاق العقلي. تآكل الذاكرة : تشتيت الانتباه يُعيق نقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة المدى، مما يُضعف التعلم والإبداع. أزمة للصحافة والتعليم والوعي لا يقتصر تأثير "الاهتمام المجزأ" على الإنتاجية الفردية، بل يمتد إلى الصحافة، والتعليم، والثقافة، حيث يجد الصحفيون والمعلمون صعوبة متزايدة في جذب انتباه جمهور مشتت. وأمام هذا الواقع، لا يكفي أن يكون المحتوى عميقًا أو دقيقًا، بل يجب أن يكون سهل الوصول، بصريًا، وجاذبًا في ثوانٍ معدودة . دعوة للتكيّف لا للاستسلام نظرية الاهتمام المجزأ ليست إدانةً للتكنولوجيا و لا تدعو إلى التشاؤم بل تنبيهًا لضرورة إعادة السيطرة على انتباهنا في عالم يُصارع فيه تركيزنا و هي دعوة أيضاً للإعلام، والمؤسسات التعليمية، والمبدعين إلى فهم طبيعة العقل الحديث، والعمل على استعادة "الانتباه المفقود" بمحتوى لا ينافس الضوضاء، بل يرتقي فوقها . المستشار فرحان حسن الشمري X: https://twitter.com/farhan_939 e-mail: [email protected] Page 2 of 2