“ما عشناه الثلاثاء الماضي، لم يكن سوى مشهد من فيلم أمريكي، هكذا خيل لنا، أو أنه مشهد تمثيلي لأحد المسلسلات المحلية، لكنه حتما خارج حدود التصور”، بهذه العبارة استهلت أم خالد “ إحدى الركاب في العربة التي انجرفت عن مسارها” حديثها إلى“شمس”، وتتابع سرد مشاهد الرعب والموت قائلة: “كنت أسمع عن مساوئ سكة الحديد من قبل، ولكني عاجزة عن تصور ما رأته عيناي، فمنظر الركاب وهم يتأرجحون ذات اليمين والشمال يعجز لساني عن ذكره، وكأن تلك اللحظات التي عشتها أطول لحظات عمري، بل أحسست حينها أن الزمن بعقاربه توقف, كانت الساعة الواحدة والنصف وبالعربة 15 راكبا من كبار السن وطالبات جامعة وأطفال، وفجأة وجدنا أنفسنا وقد انفصلت عربتنا عن المقطورة “عربة القيادة” وعربتان معنا. وتستطرد بقولها: “قبل وقوع الحادث كان هناك إحساس غريب يخالجني، لم أعره بالا إلا أنه أخذ حيزا من شعوري بأن ثمة أمرا سوف يقع، فالسرعة لم تكن هي المعتادة، بل فاقت الاعتيادية، خصوصا قبل ربع ساعة من وقت وقوع الحادث, وليس ذلك فحسب بل إن الاهتزازات التي صاحبت حركة القطار لم تكن طبيعية، وهو ما حرك الساكن في دواخلي وآثار حفيظتي، وبالفعل ما هي إلا دقائق وانجرفت العربة”. إنقاذ ذاتي حكت “أم خالد” نجاة ولدها خالد ذي التسعة أعوام، حيث طار بفعل قوة الارتطام من جانبها إلى جهة باب العربة الذي كان مفتوحا حينها، لكن عربة التموين حالت دون ذلك، وتصف ذلك المشهد بقولها: “لم أكن قادرة على التحكم بنفسي، ولم أكن قادرة على إنقاذ طفلي أو أن أمسك به وقتها قبل أن يطير أمامي، بل أنقذته عناية الله بوقوف عربة التموين عائقا أمام خروجه من بوابة العربة المفتوحة آنذاك”. وأكدت “أم خالد” أن العربة التي ركبتها واثنتين أخريين من عربات الفئة الأولى تعرضت للضرر الأكبر، وأشارت إلى أن العربات الأخرى لم يصلها مكروه, وهو ما دفع الركاب إلى الانكباب على أبواب العربات المفتوحة للهروب من العربات المتضررة والتي أغلقت أبوابها أوتوماتيكيا، وهو ما أسمته “أم خالد” إنقاذا ذاتيا دون مساعدة الطاقم. وتلفتت “أم خالد” إلى سكة الحديد التي لم تستطع رؤيتها بعد خروجها من العربة، حيث كانت مطمورة كلية بالكثبان الرملية، وهو ما استهجنته بقولها: “استغربت من السرعة التي كان يسير بها القطار على الرغم من سوء الأحوال الجوية، وانطمار السكة بفعل الرمال، فلماذا لم يكن هناك تمشيط مسبق لسكة الحديد قبل انطلاق الرحلة؟ ولماذا هذه المغامرة بأرواح البشر؟ فسوء الصيانة مبالغ فيه، لاسيما في منطقة تتميز بالوعورة”. وأشارت إلى أن وقع الفجيعة على نفوس الركاب كان واضحا، حيث انخرط رجل كبير في السن في موجة بكاء نظير ما واجهه في هذه الرحلة، علاوة على تأثر الأطفال من مناظر الارتطام والمناظر الخارجية في المنطقة الصحراوية التي تنتشر بها عظام الجمال. وأوضحت “أم خالد” أنهم وبعد خروجهم من العربة في انتظار الإنقاذ الذي وصل في الساعة ال4.15 عصرا ليرجعهم إلى الرياض، لم يجب أحد عن استفساراتهم، وعن سبب ما حدث، وتقول: “كانت الإجابة التي نسمعها من طاقم القطار، لم يحصل إلا الخير مؤكدين عدم علمهم بما حدث”. لم نفهم ما حدث من جهته قال أبو إبراهيم، أحد المسافرين بالرحلة رقم 6 والمتجهة من الرياض إلى محطات بقيق والأحساء والدمام أ الثلاثاء الماضي، والتي انحرف خلالها القطار وينجو أكثر من 200 راكب من كارثة محققة: “قد تكون روح العائلة والألفة التي عشناها مع الركاب هي ما خفف عنا المعاناة وحالة الهلع والخوف الذي عشناه أثناء رحلة القطار الذي لم يكمل مسيرته فتوقف كسيرا، وتركنا لنقابل مصيرنا ونحن نشاهد قائده مصابا ومساعده غارقا في دمائه، وقد ابتلعته قمرة القيادة، لنقف مكتوفي الأيدي غير قادرين على فعل شيء غير الانتظار لما هو قادم”. وأضاف أبو إبراهيم: “كنت أحد ركاب الدرجة الثانية في هذه الرحلة التي كانت تسير بشكل عادي لمدة 35 دقيقة لنحس بفرامل القطار ونسمع صوتها، وفي لحظات انقلبت عربة المقدمة ولحقت بها عربة الوقود، ولولا لطف رب العالمين وانفصال العربتين عن باقي القطار لكان الوضع أكثر خطورة، إذ يبدو أن الصدفة لعبت دورا بعد مشيئة الله في إنقاذنا, لأن المكان الذي وقع به الحادث كان مرتفعا عن الأرض بأكثر من عشرة أمتار تقريبا، ما جعل العربتين تنفصلان وتسقطان على جانبي السكة، لتستقر باقي العربات في مكانها دون حراك”. وتابع أبو إبراهيم حديثه قائلا: “أصبت بالهلع الشديد، وفي البداية لم أفهم ما الذي حدث؟ وهذا حال الجميع إلى أن نزلنا من العربات بشكل هستيري لنقف على الواقع المخيف الذي أصبحنا فيه بدون مقدمات”. وأضاف: “كان الموقف أصعب على مجموعة من الركاب المصابين بالسكر والضغط وبعض الحوامل، واللاتي كانت إحداهن قد أصيبت بعد نزولها من مقطورة رحاب بشكل قوي مما أثر على وضعها الصحي، ولكن يبدو أن وضعها كان قد أستقر بعد أن كشف عليها الطاقم الطبي بمجرد وصوله إلى الموقع والذي بدأ بفحص عدد من الحالات التي أصيبت بخدوش بسيطة، وأخرى كانت للروعة والهلع أثر كبير عليها”. وقال أبو إبراهيم: “وصلت أكثر من سبع سيارات إسعاف وطائرتا إخلاء طبي كانت على ما يبدو مخصصة للمصابين في الحادث بعد ساعة من وقوعه، ولم تكن مقطورة “رحاب” وهي الأقرب من قمرة القيادة مليئة بالركاب، ولكن الدرجة الأولى كانت مكتملة تقريبا وخصوصا بالعوائل والأطفال، والدرجة الثانية كذلك، والحمد لله أن التوقيت كان نهارا، وكانت الحرارة مناسبة فتصادف أن الجو كان جيدا مما خفف المعاناة كثيرا على الأطفال والنساء خصوصا”. وأضاف: “بعد وصول القطار الثاني وإركابنا فيه شاهدنا الرمال وهي تغطي أكثر من 50 مترا تقريبا من قضبان السكة، وهذا أمر غريب ومخيف في الوقت نفسه، وكان الحادث بعد تجاوز هذا المكان بالضبط إذ يبدو أنها أثرت على القطار مما أخرجه عن السكة تدريجيا إلى أن حدث ما حدث، وتم إرجاعنا بالقطار الذي جاء لنقلنا إلى محطة الرياض، والغريب أننا وصلنا الساعة ال6.30 مساء لننتظر في المحطة ثلاث ساعات أي حتى الساعة ال9.30 مساء وهو وقت وصول باصات النقل الجماعي ليتم نقل العوائل في باص، والعزاب في باص آخر، لنأخذ طريقنا لمحطات بقيق والأحساء والدمام، مما زادنا شقاء وتعبا من طول الرحلة والانتظار”.