تحول حديث العديد من الشباب في الأعوام الأخيرة إلى لغة التقنية، فبدلا من استخدام اللغة العربية أو العامية لجؤوا إلى استخدام عبارات وكلمات «هجين» بين العربية والإنجليزية أو الإنجليزية الصرفة، وذلك أثناء حديثهم اليومي. لذلك مرجعيته النفسية في تأقلم هؤلاء الشباب مع ثقافات مكتسبة عبر الإنترنت أو التعليم العالي، ويؤكد عدد من المختصين أن هذا الأمر لا يمثل ظاهرة، فيما أرجع عدد من الشباب استخدامهم لمفردات غريبة إلى أنهم يعيشون عصرهم سواء بثقافته أو تقنياته. معتز عاشور يرى أن من أهم الأسباب التي دعت الشباب لاستخدام مثل هذه الكلمات في مجتمعنا العربي محاولة لتغيير الثقافات ومواكبة الحضارة بشكل خاطئ دون معرفة الثقافة التي يريدون التوجه إليها، وعدم الوعي الكافي بالثقافات الغربية «لو نظرنا إلى الكلمات التي يرددونها فلن نجد لها معنى حقيقيا، وأرى أنها مليئة بالسلبيات وخاصة الكلمات التي تلحق بكلمة (تايم) التي لا أعي المقصد منها، فهي منقسمة إلى قسمين جزء عربي وآخر إنجليزي وليس لها معنى معلوم، ومن سلبياتها عدم تمكن الشاب من التعرف على اللغة الإنجليزية بشكل صحيح واستخدام مثل هذه الكلمات أصبح شائعا في كثير من المجالات التكنولوجية مثل البلاك بيري، الفيس بوك، الماسنجر وكثير من المواقع، وتسمع أحيانا في المجتمعات الشبابية بشكل لافت وغير لائق، أما إيجابياتها فهي ضئيلة جدا وتكاد تعدم وتكمن في بعض الكلمات مثل كلمة (برب) وهي اختصار لجملة إنجليزية ومعناها سأعود قريبا، وكلمة (تيت) أيضا اختصار لجملة أخرى وهي (خذ وقتك) وهناك كلمات أخرى مثل (باك ويب) و (لووول) لها مدلولات في اللغة الإنجليزية أيضا، ورغم أن الشباب العربي يستخدمونها كثيرا إلا أن هناك الكثير منهم يجهلون معناها، وهذا أكبر دليل على أن استخدام هذه الكلمات مواكبة للموضة والعصر». ويضيف «لحل لهذه المشكلة يجب توعية الشباب بمعاني هذه الكلمات، ومواضعها الصحيحة وتنبيههم للكلمات التي لا تحمل معاني، وتفعيل دور الأندية الثقافية والأدبية في تنمية مهارات اللغة العربية» مشيرا إلى أنه ينبغي إبراز هوية وأدوار الأندية وإشراكها في المسؤولية الاجتماعية وعلى الدور التعليمية والثقافية إبراز الصحيح من الخطأ في مثل هذه المواقف وتعريف الشباب بها وعمل برامج خاصة لتوعية الشباب وإبراز مواهبهم وأفكارهم في مجالاتهم التي يرغبونها. ويقول نواف الدعجاني «إنني ممن يستخدمون الكثير من العبارات والكلمات التي اكتسبناها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك أو الماسنجر والبلاك بيري مثل كلمة (يب) التي تعني (نعم) وكذلك كلمة (تايم) التي تعني (وقت) وغيرها من العبارات» مشيرا إلى أن الشباب بدؤوا يستخدمونها في أحاديثهم سواء على الهاتف أو خلال لقاءاتهم. انسلاخ عن الهوية مجاراة روح العصر والنزعة الشبابية لاكتساب ثقافات جديدة أمر طبيعي، ولكن لا بد من فلترة وانتقاء معاني الكلمات التي لها جذور غير لطيفة. يقول رئيس ملتقى الكفاءات الوطنية على الفيسبوك وعضو الغرفة التجارية والصناعية بمكةالمكرمة بسام فتيني «أعتقد أن ذلك أمر طبيعي، فبعض الكلمات التي كنا نقولها صغارا بدأت في الاختفاء الآن وهذه سنة الحياة، لذلك كان من المهم توثيق لغتنا العربية بالقصص والروايات والشعر أي المجال الأدبي بشكل عام، وإذا ما اعتبرنا أن القرآن الكريم يكفل ذلك بإذن الله علينا ألا نسرف في استخدام المصطلحات الجديدة فقط، بل استرجاع بعض الكلمات القديمة ولو على سبيل الفكاهة، كما يستخدم البعض أحيانا مصطلحات قديمة ليمررها للجيل الجديد كقولهم مصطلح (مركب) على المطبخ أو (الكنديشن) على جهاز التكييف... إلخ». ويضيف فتيني «من سلبيات هذه الكلمات الانسلاخ عن الهوية العربية في الحديث أحيانا، ومن إيجابياتها سهولة الكتابة وإيصال الغرض من الكلمة بسرعة، فإنني لا أعتبرها مشكلة تحتاج إلى حل، بل موقف يحتاج إلى طريقة للتعامل معه» مرجعا أسباب ذلك إلى استخدام الإنترنت أو البلاك بيري أو الماسنجر أو القنوات الفضائية أو الفيسبوك وجميع وسائل الاتصال السريع وما يفرزه التطور السريع، مشددا في الوقت نفسه على النادي الأدبي والثقافي في محاربة مثل هذه الكلمات والمصطلحات بتنظيم الملتقيات والندوات التي تحارب مثل هذه الكلمات التي أصبح الكثير من الشباب يتداولونها فيما بينهم. أسباب مشتركة ويوضح الباحث الاجتماعي جمعة الخياط أن الأسباب معروفة وهي ثورة العولمة التي نعيش فيها، فالشباب من طبيعتهم التقليد الأعمى لكل شيء أو ما يسمى بالصرعة أو الموضة «موضة الملابس- العطورات- التطريز في الثياب- الساعات- وغيرها» دون النظر للنتائج «بالتالي عندما يستمع أحد الشباب إلى مصطلح جديد من صديقه أو أخيه يردده، وهكذا ينتشر هذا بين الشباب والشابات وخاصة بعد عملية التواصل الضخمة عبر الإنترنت والمنتديات والشات والبلاك بيري والآي فون، فأصبحت تلك المصطلحات تتردد بينهم ويتعارف عليها، ولكن ليست تلك المصطلحات غير العربية فقط، بل هناك مصطلحات جديدة ابتكرها بعض الشباب والشابات وأصبحت أيضا تتردد مثل «أنت تحفة - مع نفسك ...إلخ» أقصد أن التواصل الكبير بين الشباب والشابات الذي أصبح على مدار الساعة جعل استخدام تلك الكلمات كغيرها، وأصبحت متداولة». ويستطرد «لا أرى لها إيجابيات، وإنما أرى سلبياتها التي تنسينا لغتنا الجميلة لغة القرآن وثقافتنا والأجر الذي نكسبه عند رد السلام، فبدلا من السلام عليكم عند الخروج يكتبون (بروب) وعند العودة (باك) وعند التواجد في الفرح (فرح تايم) فهذا من السلبيات التي تنسيهم لغتنا التي أصبح معظم بلدان العالم المتقدمة كأمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها تنشئ إذاعات في السابق، والآن قنوات تتحدث العربية لتتواصل معنا وتعطينا من ثقافتها، وللأسف نرى شبابنا ينصاعون نحو هذه التفاهات» مشيرا إلى أن الأسباب كلها مشتركة، ولكن أيضا اللوم الرئيسي على المربين، المقصود بهم الوالدان في البيت والمعلمون في المدرسة، حيث لا يتم التطرق لمثل تلك التصرفات، ونصح الشباب والشابات بعدم الانخراط فيها. عدم تفرغ ويشير الخياط إلى أن الأندية الثقافية والأدبية تعيش متاهات كبيرة، حيث لا توجد فيها مراكز أبحاث لمتابعة سلبيات وإيجابيات ما يحدث في المجتمع لمناقشته داخل أروقتها، واستنباط توصيات لتطبيقها في المجتمع، فكل من يعمل بها غير متفرغين، وكل يغني على ليلاه، فالمفروض أن يكون هناك مراكز أبحاث في كل الوزارات والدوائر المؤثرة في المجتمع لدراسة السلبيات التي تطرأ على المجتمع لتجنبها كمركز أبحاث الحج وهو متخصص فقط في أمور الحج وتطوير مكة «يجب أن يكون لوزارة التربية والتعليم مراكز أبحاث في مختلف المناطق، همها دراسة السلبيات الموجودة والدخيلة على المجتمع وطرق تلاشيها أو تخفيفها أو الحد منها، فهذه الأمور تحتاج إلى وقفة جادة من المثقفين مدعومة من المسؤولين للوصول إلى مجتمع صحي خال من السلبيات في مختلف التوجهات الاجتماعية والصحية والأمنية». توزع الذات وكيل كلية اللغة العربية للشؤون التعليمية والبحث العلمي وعضو لجان التعريب بمكتب تنسيق التعريب بالرباط المغربية الدكتور سعيد بن محمد القرني يرى أن ظاهرة المزج بين الألفاظ العربية والغربية في إلصاق بين سابقة عربية وأخرى غربية، أو العكس، دالة على توزع الذات العربية بين لسانين، في مد هائل لمنجزات المدنية الغربية، يكافئها عجز عربي في تكييف تلك المنجزات بلسان المستورد، فليس ثمة ملامح تجانس أو مقاومة لهذا المد، على الحد الذي تقاوم به الأجسام غرائب الجسيمات الداخلة لها، وتحويلها من وجه ضرر إلى وجه منفعة ولا أرى هذه الظاهرة إلا وجه ضعف واستلاب ثقافي، مشيرا إلى أن علاج ذلك كله في إحياء سلطة العربية على ما يستجد للناس في حياتهم بإحياء عقائدهم اللغوية على الوجه الذي تحيي به الأمم المتصدرة عقائدها اللغوية