ودعت منطقة الباحة قبل شهر تقريبا الشيخ محمد المصبح شيخ قبيلة بلجرشي إلى مثواه الأخير في عالمنا الدنيوي تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته إنه سميع مجيب، لقد تعرَّفت على الشيخ محمد رحمة الله عليه قبل ثلاثين عاماً كانت مليئة بالمنجزات والمواقف المشرفة ولا أبالغ إذا قلت أنني كنت أقابله شهرياً في جدة قبل أن ينتقل إليها ، ولكن كان دائماً ما يفد إلى جدة إلا في مساعي خيرية موساة مريض أوتعزية أو تهنئة أومساعي صلح. لست هنا للحديث عن سيرته رحمه بل قدمت خلاصة لحياة فقيد الجميع بأن المشيخة كانت تعني له مسؤوليات ومهام ولسيت مظهراً ووجاهات لذا كانت به أكثر عطاء وبعد وزادها روعة ومهابة بحلمه وتواضعه وبُعد نظره ، وإذا غادرنا بجسده فإنه باقٍ بيننا بفعل من خلف من سيرة تذكر فتشكر ومتحف سيبقى شاهداً كما ذكرت سابقاً على كم كان بيننا ونظره على مستقبل أجيالنا نسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يحط البركة في ذريته من بعده مع صادق تعازينا. وبما أن الحديث عن الباحة أعود لمناشدة كنت قد رفعتها إلى مقام صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود أمير منطقة الباحة - حفظه الله - من خلال خمسة مقالات متتالية نشرتها هنا حينما تولى سموه إمارة المنطقة حيث رأيت يومها أنه من المناسب التَّطرق إلى جانب مهم ، اهتمت به سائر مناطق المملكة ، وهو التراث أداوات وفكر وهي جسر التواصل بين الأجيال ، وقد أعجبتني ، فكرة الشيخ / محمد بن مصبح رحمه الله وذلك من خلال نجاحه في إنجاز مشروعه العملات (المتحف) حيث أن المتحف يجمع الكثير من أدوات تراثية تهم الوطن بأسره ، كما أشرت من قبل لن أسبر هنا أغوار تضحيات ومنجزات الفقيد رحمه الله/ بقدر ما أجدني متوقفاً هنا عند منجزه الذي لاشك أنه ليس الأوحد ، لكنه يفوق كل منجزات الباحة حتى تاريخه في مجال التوثيق ولوفي حدود التراث الوطني .. الباحة وحتى تاريخه وللأسباب أعلاه .. تكاد تكون من أقل المناطق توثيقاً ومن أكثرها بعداً عن وسائل الإعلام .. وسحاريات وخزن وشنط الأجداد مليئة بالوثائق التي لم يكتب لها أن ترى النور .. إما لجهل بقيمتها أولعدم وجود الجهة التي تحافظ عليها وتستفيد منها ، وبذلك نكون قد أسهمنا بضياع تسجيل حقبة كبيرة من تاريخ المنطقة .. ومتحف الفقيد يعتبر باكورة جيدة ، حيث يقول من كتب له شرف زيارته بأنه يعد مرجعاً تراثياً خصباً ، تمتليء جنباته بالصيد الثمين من الموروثات ، وهذا مادفع بي فيما مضى إلى مناشدة / الشيخ محمد إبان حياته .. بأن يفكر جيداً بإيجاد آلية تمكنه من جمع من تكتنفه (خزن و شنط الأجداد) من إرث تراثي ومعرفي ، وذلك من خلال وضع نظام أمانات ، يتكفل من خلاله (متحف ابن مصبح) باستلام ممتلكات المواطنين كأمانات سواء لمدد مفتوحة أو محددة ، ليتيح بذلك للمتابعين الاطلاع والتوثيق. وسواء كان ذلك يخص المنطقة أوماكان يستخدمه الأهالي أوما لها علاقة بتاريخ المملكة ، فكثير من بيوتنا تحتضن العشرات بل المئات بل الآلاف من الوثائق والمراجع والآدوات التي لاشك أنها ستثري المتحف والساحة التراثية ، خصوصاً وأن أبو طلال ومن بعده أبناؤه يحظون بثقة الجميع .. كما أرى أن على إمارة منطقة الباحة وعلى سدتها اليوم صاحب السمو الملكي الأمير / مشاري بن سعود الحريص دوماً على التوثيق ، أن تتبنى مثل هذه المتاحف وتقدم له التسهيلات من أراضي ومعونات مالية ومعنوية حتى تستطيع أن تخرج من السحاريات والمنازل كل غالٍ وثمين كان مكنوناً ، ونسهم بذلك في خدمة هذا الفن بصورة أكثر دراية ومعرفة. فهلا رأينا الإمارة تقدم على خطوات داعمة بعد رحيل مؤسس هذا المتحف وتبنيه وتوفير كل مقومات النجاح هذا وبالله التوفيق.