مثل عربي مشهور و وقصة هذا المثل يقال : إن هذيل بن هبيرة الثعلبي خرج مع أصحابه لقتال بني ضبة فانتصروا وغنموا وفي أثناء عودتهم من الغزو طلب منه أصحابه أن يقتسموا الأموال وما حصلوا من الغزو و لكنه خاف من مفاجأة الأعداء وملاحقتهم فطلب إمهاله حتى يصلوا إلى الديار و لكنهم أصروا ولم يستمعوا له فنفذوا ما أرادوا فقال : " إذا عز أخوك فهن " فصارت مثلا يضرب في التسامح ولين الجانب ، وفي الحلم و والصفح والعفو خاصة مع الأصدقاء والأقارب والأرحام وغيرهم . قال الأمام ابن المبارك رحمه الله تعالى: إذا صاحبت قوم أهل ود *** فكن لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخذ بزلة كل قوم *** فتبقى في الزمان بلا رفيق وليس معنى هذا أن يداهن الإنسان ويتنازل عن القيم والمبادئ أو يسكت على الأخطاء ولكن ليتغاضى عن بعض الأمور وخاصة لنفسه وخاصة للأقارب والمحبين ومن أجل المصلحة . قال الشافعي رحمه الله أحبُ من الإخوان كل مواتي *** وكل غضيض الطرف عن عثراتي الناس تخطئ وتتجاوز وتتعدى وتظلم لكن لا تأخذ بكل زلة ولا تقف عند كل خطيئة وإلا لن يبقى معك أحد ولن يدوم لك صحب. إن بينا عليه الصلاة والسلام لم ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك محارم الله فإذا انتهك شيء من محارم الله يغضب غضبة لا يقوم لها أحد ولا يغضبها أحد . نحن إلا من رحم الله نغضب لأنفسنا ولوظائفنا ولكل شؤوننا الخاصة ونجاهد من أجلها لكن نرى محارم الله تنتهك والمنكرات تنتشر ونقدم رجلاً ونؤخر أخرى في القيام والغضبة وقد وجبت. أحياناً يبتلى الإنسان ببعض الناس لا يتراجع ولا يتفاهم كما يقال ويصر على موقفه ويجاهد من أجله جهاداً كبيرا فهنا ليس أمامك إلا مداراته وتسييس الموقف معه ومسايرته والحرص على المصلحة العامة وليس في ذلك مذلة بل هو الفخر والحلم والصبر والحكمة فالمشكلة إذا لم يقض عليها في بدايتها فإنها تكبر وتصير مشكلات متعددة وليس واحدة وربما يندم أصحابها في وقت لا ينفع معه ندم قال زهير بن أبي سلمى: ومن لا يصانع في أمور كثيرة *** يُضرّس بأنياب ويؤطأ بمنسم بعض الناس متحسس ومتحمس لا بد أن يثبت ذاته وأن يؤخذ رأيه ، ولا يعرف المسامحة والتنازلات الواجبة بل لا يعرف إلا ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) فمثل هذا يؤخذ على يده بالرفق والليل والمداراة وأن تعرف نقاط الاتفاق معه فيدخل عليه من جهتها حتى تتم الأمور وتصلح أحواله ويسلم الجميع. إن مثل تلكم الشخصيات المنغلقة المتوترة لا تبقي لها أصحاب ولا يدوم لها أصدقاء ولا أحباب فكل الأقارب تأخذ منهم مواقف وكل الأصحاب تنفرهم ولا تبقى على ثقة ولا تتطلع للأمام إلا أن يهديها الله فتعود إلى رشدها وتحرص على الوحدة وجمع الكلمة وتقريب الأصدقاء لا تنفيرهم وفتح الحوار على مصراعيه بكل آدابه وجمالياته والحرص على الاستفادة من عقول الآخرين والانفتاح على الناس والسماع منهم فقد يكون الحق كل الحق معهم مع ثبات على المبادئ والقيم لا يتزعزع لو تزول الجبال عن أماكنها وثبات على الحق إذا تبين لاتهزه المؤثرات مهما عظمت . عبد الله الصيعري