سجلت كتب وروايات التاريخ تصرفات رعناء، صدرت عن رجال عاشوا قبل مئات السنين، وجاءوا بأعمال غير مستساغة ولكن كتب التاريخ خلدتها، وربما مجدتها وأعجبت بمن قام بها مع أنه كان ينبغي أن تزدري أفعالهم غير السوية لما اشتملت عليه من ظلم وغطرسة وأنانية، فهذا شاعر عباسي اسمه عبدالسلام بن رغبان ولقب بديك الجن الحمصي أحب جارية نصرانية اسمها «ورد» وبادلته الهوى لكن غيرته الشديدة عليها جعلته يشك فيها شكا أدى إلى قتلها بضربة من سيفه ثم ندم على تسرعه وانقياده الأعمى لشكوكه التي لا تقوم على أساس فأخذ ينتحب ويقول: يا طلعة طلع الحمام عليها وجنى لها ثمر الردى بيديها رويت من دمها الثرى ولطالما روى الهوى شفتي من شفتيها وأجلت سيفي في مجال خناقها ومدامعي تجري على خديها فهذا العاشق الدموي الحمصي، لم يردعه عشقه وحبه عن قتل معشوقته أو حتى التريث والتثبت مما نسب إليها فاستشاط غضبا ونحرها بسيفه ثم أخذ يتباكى عليها فيا له من جلف أحمق! وها هو ذلك البعل الذي أحب اختبار مدى قوة ذكاء زوجه عندما رآها واقفة على سلم خشبي في طريقها إلى سطح المنزل فقال لها: أنت طالق إن طلعت وطالق إن نزلت وطالق إن وقفت فرمت بنفسها على الأرض لتحمي نفسها من طلاقه العابث فسر من ذكائها وأخذت كتب التاريخ تروي القصة وهي معجبة بها مع أنه كان عليها التنديد بجلافة وقسوة ذلك البعل على زوجه المسكينة وأنه لوح لها بسلاح الطلاق مطالبا إياها بأعمال خطرة أو تعجيزية حتى تتفادى طلاقه لها فاضطرها لإلقاء نفسها من السلم على الأرض ولعلها أصيبت برضوض أو كسر في ضلوعها ولو أنها سقطت على رأسها لأصيبت بارتجاج في المخ أو دق عنقها . . كل ذلك لأن «الأخ» أحب أن يتسلى بزوجه ويزرع في قلبها الخوف ويجعلها تتصرف ذلك التصرف المتهور مع أنه وأمثاله لا يستحقون أن يضحي أحد من أجلهم! أما الحكاية التي تضج بالأنانية فهي حكاية ذلك الثري المسن الذين نقلت كتب التراث أنه تزوج من صبية صغيرة رغبة منه في التمتع بشبابها «وتجديد شبابه» على حد زعمه، فأغدق عليها من أطايب الطعام ومن فواخر الملابس ومن أغلى المجوهرات ومن الرياش والسكن المنيف ولكن كل ذلك لم يقنعها فانتهى الأمر بطلاقها منه لتتزوج شابا في مثل عمرها يعمل مزارعا في إحدى المزارع التي يطل عليها قصره، وذات يوم لم يجد الزوجان الشابان ما يقيم أودهما فذهبت الشابة إلى طليقها المسن وطلبت منه جرعة من اللبن لها ولبعلها فنظر إليها بقسوة وشماتة وقال لها: «الصيف ضيعت اللبن» ولو كان سخيا كريم النفس لأعطاها ما طلبته حتى لو قال لها «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا» ولكنه أبى إلا أن يكون لئيما ومع ذلك وجد قوله من يردده ويعتبره مثلا يشار إليه بالبنان!